الدّر : الدفع ، ويدرأ عنها العذاب .
وادّار : تفاعل منه ، ولمصدره حكم يخالف مصادر الأفعال التي أوّلها همزة وصل ذكر في النحو .
{ وإذ قتلتم نفساً } : معطوف على قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه } ويجوز أن يكون ترتيب وجودهما ونزولهما على حسب تلاوتهما ، فيكون الله تعالى قد أمرهم بذبح البقرة ، فذبحوها وهم لا يعلمون بما له تعالى فيها من السر ، ثم وقع بعد ذلك أمر القتيل ، فأظهر لهم ما كان أخفاه عنهم من الحكمة بقوله : اضربوه ببعضها ، ولا شيء يضطرنا إلى اعتقاد تقدم قتل القتيل .
ثم سألوا عن تعيين قاتله ، إذ كانوا قد اختلفوا في ذلك ، فأمرهم الله تعالى بذبح بقرة ، فيكون الأمر بالذبح متقدّماً في النزول ، والتلاوة متأخراً في الوجود ، ويكون قتل القتيل متأخراً في النزول ، والتلاوة متقدّماً في الوجود ، ولا إلى اعتقاد كون الأمر بالذبح وما بعده مؤخراً في النزول ، متقدّماً في التلاوة ، والإخبار عن قتلهم مقدّماً في النزول ، متأخراً في التلاوة ، دون تعرض لزمان وجود القصتين .
وإنما حمل من حمل على خلاف الظاهر ، اعتبار ما رووا من القصص الذي لا يصح ، إذ لم يرد به كتاب ولا سنة ، ومتى أمكن حمل الشيء على ظاهره كان أولى ، إذ العدول عن الظاهر إلى غير الظاهر ، إنما يكون لمرجح ، ولا مرجح ، بل تظهر الحكمة البالغة في تكليفهم أولاً ذبح بقرة .
هل يمتثلون ذلك أم لا ؟ وامتثال التكاليف التي لا يظهر فيها ببادىء الرأي حكمة أعظم من امتثال ما تظهر فيه حكمة ، لأنها طواعية صرف ، وعبودية محضة ، واستسلام خالص ، بخلاف ما تظهر له حكمة ، فإن في العقل داعية إلى امتثاله ، وحضاً على العمل به .
وقال صاحب المنتخب : إن وقوع ذلك القتيل لا بدّ أن يكون متقدّماً لأمره تعالى بالذبح ، فأما الإخبار عن وقوع ذلك القتيل ، وعن أنه لا بد أن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة ، فلا يجب أن يكون متقدّماً على الإخبار عن قصة البقرة .
فقول من يقول : هذه القصة يجب أن تكون متقدمة على الأولى خطأ ، لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدّمة على الأولى في الوجود .
فأما التقديم في الذكر فغير واجب ، لأنه تارة يقدّم ذكر السبب على ذكر الحكم ، وأخرى على العكس من ذلك ، فكأنه لما وقعت لهم تلك الواقعة أمرهم بذبح البقرة ، فلما ذبحوها قال : { وإذ قتلتم نفساً } من قبل واختلفتم فإني مظهر لكم القاتل الذي سترتموه ، بأن يضرب القتيل ببعض هذه البقرة المذبوحة .
وتقدّمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل ، لأنه لو عكس ، لما كانت قصة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع .
انتهى كلامه ، وهو مبني على أن القتل وقع أولاً ، ثم أمروا بعد ذلك بذبح البقرة ، وليس له دليل على ذلك إلا نقل شيء من القصص التي لم تثبت في كتاب ولا سنة .
وقد بينا حمل الآيتين على أن الأمر بالذبح يكون متقدّماً وأن القتل تأخر ، كحالهما في التلاوة .
وقال بعض الناس : التقديم والتأخير حسن ، لأن ذلك موجود في القرآن ، في الجمل ، وفي الكلمات ، وفي كلام العرب .
وأورد من ذلك جملاً ، من ذلك : قصة نوح عليه السلام في إهلاك قومه ، وقوله : { وقال اركبوا فيها } وفي حكم من مات عنها زوجها بالتربص بالأربعة الأشهر وعشر ، وبمتاع إلى الحول ، إذ الناسخ مقدّم ، والمنسوخ متأخر .
وذكر من تقديم الكلمات في القرآن والشعر على زعمه كثيراً ، والتقديم والتأخير ، ذكر أصحابنا أنه من الضرائر ، فينبغي أن ينزه القرآن عنه .
ونسبة القتيل إلى جمع ، إما لأن القاتلين جمع ، وهم ورثة المقتول ، وقد نقل أنهم اجتمعوا على قتله ، أو لأن القاتل واحد ، ونسب ذلك إليهم لوجود ذلك فيهم ، على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة ، إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح .
{ فادّارأتم فيها } قرأ الجمهور : بالإدغام وقرأ أبو حيوة ؛ فتدارأتم ، على وزن تفاعلتم ، وهو الأصل ، هكذا نقل بعض من جمع في التفسير .
وقال ابن عطية : قرأ أبو حيوة ، وأبو السوار الغنوي : { وإذ قتلتم نفساً فادّرأتم } ، وقرأت فرقة : فتدارأتم على الأصل .
ونقل من جمع في التفسير أن أبا السوار قرأ : فدرأتم ، بغير ألف قبل الراء .
ويحتمل هذا التدارؤ ، وهو التدافع ، أن يكون حقيقة ، وهو أن يدفع بعضهم بعضاً بالأيدي ، لشدة الاختصام .
ويحتمل المجاز ، بأن يكون بعضهم طرح قتله على بعض ، فدفع المطروح عليه ذلك إلى الطارح ، أو بأن دف بعضهم بعضاً بالتهمة والبراءة .
والضمير في : فيها عائد على النفس ، وهو ظاهر ، وقيل : على القتلة ، فيعود على المصدر المفهوم من الفعل ، وقيل : على التهمة ، فيعود على ما دل عليه معنى الكلام .
{ والله مخرج ما كنتم تكتمون } ، ما : منصوب باسم الفاعل ، وهو موصول معهود ، فلذلك أتى باسم الفاعل لأنه يدل على الثبوت ، ولم يأت بالفعل الذي هو دال على التجدد والتكرار ، ولا تكرار ، إذ لا تجدد فيه ، لأنها قصة واحدة معروفة ، فلذلك ، والله أعلم ، لم يأت الفعل .
وجاء اسم الفاعل معملاً ، ولم يضف ، وإن كان من حيث المعنى ماضياً ، لأنه حكى ما كان مستقبلاً وقت التدارؤ ، وذلك مثل ما حكى الحال في قوله تعالى : { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } ودخلت كان هنا ليدل على تقدم الكتمان ، والعائد على ما محذوف تقديره : ما كنتم تكتمونه .
والظاهر أن المعنى ما كنتم تكتمون من أمر القتيل وقاتله ، وعلى هذا ذهب الجمهور .
وقيل : يجوز أن يكون عاماً في القتيل وغيره ، فيكون القتيل من جملة أفراده ، وفي ذلك نظر ، إذ ليس كل ما كتموه عن الناس أظهره الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.