فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّـٰرَ ٰٔتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (72)

{ وإذ قتلتم نفسا فادرأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ، فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون } .

{ وإذ قتلتم نفسا } أي واذكروا يا بني إسرائيل وقت قتل هذه النفس وما وقع فيه من القصة والخطاب لليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإسنادا القتل والتدارئ إليهم ، لأن ما يصدر عن الأسلاف ينسب للأخلاف توبيخا وتقريعا .

قال الرازي في تفسيره أعلم أن وقوع القتل لا بد أن يكون متقدما لأمره تعالى بالذبح ، فأما الإخبار عن وقوع القتل وعن أنه لا بد أن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة فلا يجب أن يكون متقدما على الإخبار عن قصة البقرة ، فقول من يقول هذه القصة يجب أن تكون متقدمة في التلاوة على الأولى خطأ لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدمة على الأولى في الوجود ، فأما التقدم في الذكر فغير واجب لأنه تارة يقدم ذكر السبب على الحكم ، وأخرى على العكس من ذلك ، فكأنهم لما وقعت لهم تلك الواقعة أمرهم الله بذبح البقرة فلما ذبحوها قال { وإذ قتلتم نفسا } من قبل ، ونسب القتل إليهم لكون القاتل منهم انتهى ، والقتيل اسمه عاميل ذكره الكرماني وقيل نكار حكاه الماوردي وقاتله ابن أخيه وقيل أخوه .

{ فادارأتم فيها } اختلفتم وتنازعتم لأن المتنازعين يدرأ بعضهم بعضا أي يدفعه { والله مخرج ما كنتم تكتمون } أي ما كتمتم بينكم من أمر القتل فالله مظهره لعباده ومبنيه لهم ، وعن المسيب ابن رافع قال ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وتصديق ذلك في كتاب الله .

{ والله مخرج ما كنتم تكتمون } وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أن رجلا عمل عملا في صخرة صماء لا باب لها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان ) .

وأخرج البيهقي من حديث عثمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليه منها رداء يعرف به ) ، والموقوف أصح ، ولجماعة من الصحابة والتابعين كلمات تفيد هذا المعنى .