187- يسألك اليهود - يا محمد - عن الساعة التي تنتهي فيها هذه الدنيا ، في أي وقت تكون ويستقر العلم بها ؟ قل لهم : علم وقتها عند ربى - وحده - لا يظهرها في وقتها أحد سواه . قد عظم هولها عندما تقع إلى أهل السماوات والأرض . يسألونك هذا السؤال ، كأنك حريص على العلم بها . فكرر الجواب ، فقل لهم مؤكدا : إن علمها عند اللَّه ، ولكن أكثر الناس لا يدركون الحقائق التي تغيب عنهم ، أو التي تظهر لهم ! .
187 - 188 يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : يَسْأَلُونَكَ أي : المكذبون لك ، المتعنتون عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا أي : متى وقتها الذي تجيء به ، ومتى تحل بالخلق ؟
قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي أي : إنه تعالى مختص بعلمها ، لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ أي : لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه إلا هو .
ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أي : خفي علمها على أهل السماوات والأرض ، واشتد أمرها أيضا عليهم ، فهم من الساعة مشفقون .
لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً أي : فجأة من حيث لا تشعرون ، لم يستعدوا لها ، ولم يتهيأوا لقيامها .
يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا أي : هم حريصون على سؤالك عن الساعة ، كأنك مستحف عن السؤال عنها ، ولم يعلموا أنك - لكمال علمك بربك ، وما ينفع السؤال عنه - غير مبال بالسؤال عنها ، ولا حريص على ذلك ، فلم لا يقتدون بك ، ويكفون عن الاستحفاء عن هذا السؤال الخالي من المصلحة المتعذر علمه ، فإنه لا يعلمها نبي مرسل ، ولا ملك مقرب .
وهي من الأمور التي أخفاها الله عن الخلق ، لكمال حكمته وسعة علمه .
قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه ، وخصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الأهم ، ويدعون ما يجب عليهم من العلم ، ثم يذهبون إلى ما لا سبيل لأحد أن يدركه ، ولا هم مطالبون بعلمه .
هؤلاء الغافلون عما حولهم ، العميُ عما يحيط بهم . . يسألون الرسول [ ص ] عن الساعة البعيدة المغيبة في المجهول . كالذي لا يرى ما تحت قدميه ويريد أن يرى ما في الأفق البعيد !
( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ؟ قل : إنما علمها عند ربي ، لا يجليها لوقتها إلا هو ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلا بغتة . يسألونك كأنك حفي عنها ! قل : إنما علمها عند الله ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون . قل : لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله . ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء . إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ) . .
لقد كانت عقيدة الآخرة ، وما فيها من حساب وجزاء ، تفاجىء المشركين في الجزيرة مفاجأة كاملة . . ومع أن هذه العقيدة أصيلة في دين إبراهيم - عليه السلام - وهو جد هؤلاء المشركين ؛ وفي دين إسماعيل أبيهم الكريم ؛ إلا أنه كان قد طال عليهم الأمد ، وبعد ما بينهم وبين أصول الإسلام الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل . حتى لقد اندثرت عقيدة الآخرة تماماً من تصوراتهم ؛ فكانت أغرب شيء عليهم وأبعده عن تصورهم . حتى لقد كانوا يعجبون ويعجبون من رسول الله [ ص ] لأنه يحدثهم عن الحياة بعد الموت ؛ وعن البعث والنشور والحساب والجزاء ؛ كما حكى عنهم القرآن الكريم في السورة الأخرى : وقال الذين كفروا : هل ندلكم على رجل ينبئكم ، إذا مزقتم كل ممزق ، إنكم لفي خلق جديد ؟ أفترى على الله كذباً ؟ أم به جنة ؟ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد . . [ سبأ : 7 - 8 ] .
ولقد علم الله أن أمة من الأمم لا تملك أن تقود البشرية وتشهد عليها - كما هي وظيفة الأمة المسلمة - إلا أن تكون عقيدة الآخرة واضحة لها راسخة في ضميرها . . فتصور الحياة على أنها هذه الفترة المحدودة بحدود هذه الحياة الدنيا ، وحدود هذه الأرض الصغيرة ، لا يمكن أن ينشىء أمة هذه صفتها وهذه وظيفتها !
إن العقيدة في الآخرة فسحة في التصور ، وسعة في النفس ، وامتداد في الحياة ضروري في تكوين النفس البشرية ذاتها ، لتصلح أن تناط بها تلك الوظيفة الكبيرة . . كذلك هي ضرورية لضبط النفس عن شهواتها الصغيرة ومطامعها المحدودة ؛ ولفسحة مجال الحركة حتى لا تيئسها النتائج القريبة ولا تقعدها التضحيات الأليمة ، عن المضي في التبشير بالخير ، وفعل الخير والقيادة إلى الخير ، على الرغم من النتائج القريبة ، والتضحيات الأليمة . . وهي صفات ومشاعر ضرورية كذلك للنهوض بتلك الوظيفة الكبيرة . .
والاعتقاد في الآخرة مفرق طريق بين فسحة الرؤية والتصور في نفس " الإنسان " ، وضيق الرؤية واحتباسها في حدود الحس في إدراك " الحيوان " ! وما يصلح إدراك الحيوان لقيادة البشرية ، والقيام بأمانة الله في الخلافة الراشدة !
لذلك كله كان التوكيد شديداً على عقيدة الآخرة في دين الله كله . . ثم بلغت صورة الآخرة في هذا الدين الأخير غايتها من السعة والعمق والوضوح . . حتى بات عالم الآخرة في حس الأمة المسلمة أثبت وأوضح وأعمق من عالم الدنيا الذي يعيشونه فعلاً . . وبهذا صلحت هذه الأمة لقيادة البشرية ، تلك القيادة الراشدة التي وعاها التاريخ الإنساني !
ونحن في هذا الموضع من سياق سورة الأعراف أمام صورة من صور الاستغراب والاستنكار الذي يواجه به المشركون عقيدة الآخرة ، تبدو في سؤالهم عن الساعة سؤال الساخر المستنكر المستهتر :
( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ؟ )
إن الساعة غيب ، من الغيب الذي استأثر الله بعلمه ، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه . . ولكن المشركينيسألون الرسول عنها . . إما سؤال المختبر الممتحن ! وإما سؤال المتعجب المستغرب ! وإما سؤال المستهين المستهتر ! ( أيان مرساها ؟ ) أي متى موعدها الذي إليه تستقر وترسو ؟ !
والرسول [ ص ] بشر لا يدعي علم الغيب ، مأمور أن يكل الغيب إلى صاحبه ، وأن يعلمهم أنها من خصائص الألوهية ، وأنه هو بشر لا يدعي شيئاً خارج بشريته ولا يتعدى حدودها ، إنما يعلمه ربه ويوحي إليه ما يشاء :
( قل : إنما علمها عند ربي ، لا يجليها لوقتها إلا هو ) .
فهو - سبحانه - مختص بعلمها ، وهو لا يكشف عنها إلا في حينها ، ولا يكشف غيره عنها .
ثم يلفتهم عن السؤال هكذا عن موعدها ، إلى الاهتمام بطبيعتها وحقيقتها ، وإلى الشعور بهولها وضخامتها . . . ألا وإن أمرها لعظيم ، ألا وإن عبئها لثقيل . ألا وإنها لتثقل في السماوات والأرضين . وهي - بعد ذلك - لا تأتي إلا بغتة والغافلون عنها غافلون :
( ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلا بغتة ) . .
فأولى أن ينصرف الاهتمام للتهيؤ لها والاستعداد قبل أن تأتي بغتة ؛ فلا ينفع معها الحذر ، ولا تجدي عندها الحيطة ، ما لم يأخذوا حذرهم قبلها ، وما لم يستعدوا لها ، وفي الوقت متسع وفي العمر بقية . وما يدري أحد متى تجيء ، فأولى أن يبادر اللحظة ويسارع ، وألا يضيع بعد ساعة ، قد تفجؤه بعدها الساعة !
ثم يعجب من أمر هؤلاء الذين يسألون الرسول [ ص ] عن الساعة . . إنهم لا يدركون طبيعة الرسالة وحقيقة الرسول ؛ ولا يعرفون حقيقة الألوهية ، وأدب الرسول في جانب ربه العظيم .
أي كأنك دائم السؤال عنها ! مكلف أن تكشف عن موعدها ! ورسول الله [ ص ] لا يسأل ربه علم ما يعلم هو أنه مختص بعلمه :
( قل : إنما علمها عند الله ) . .
قد اختص سبحانه به ؛ ولم يطلع عليه أحداً من خلقه .
( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . .
وليس الأمر أمر الساعة وحده . إنما هو أمر الغيب كله فلله وحده علم هذا الغيب . لا يطلع على شيء منه إلا من شاء ، بالقدر الذي يشاء ، في الوقت الذي يشاء . . لذلك لا يملك العباد لأنفسهم نفعاً ولا ضراً . . فقد يفعلون الأمر يريدون به جلب الخير لأنفسهم ، ولكن عاقبته تكون هي الضر لهم . وقد يفعلون الأمر يريدون به رفع الضر عنهم ، ولكن عاقبته المغيبة تجره عليهم ! وقد يفعلون الأمر يكرهونه فإذا عاقبته هي الخير ؛ ويفعلون الأمر يحبونه فإذا عاقبته هي الضر : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ) . .
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي ! % ومن أين والغايات بعد المذاهب
إنما يمثل موقف البشرية أمام الغيب المجهول . ومهما يعلم الإنسان ومهما يتعلم ، فإن موقفه أمام باب الغيب الموصد ، وأمام ستر الغيب المسدل ، سيظل يذكره ببشريته المحجوبة أمام عالم الغيب المحجوب .
يقول تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ } كما قال تعالى : { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ } [ الأحزاب : 63 ] قيل : نزلت في قريش . وقيل : في نفر من اليهود . والأول أشبه ؛ لأن الآية مكية ، وكانوا يسألون عن وقت الساعة ، استبعادًا لوقوعها ، وتكذيبًا بوجودها ؛ كما قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الأنبياء : 38 ] ، وقال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } [ الشورى : 18 ]
وقوله : { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " منتهاها " أي : متى محطها ؟ وأيان آخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة ؟
{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ } أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة ، أن يرُدَّ علمها إلى الله تعالى ؛ فإنه هو الذي يجليها لوقتها ، أي : يعلم جلية أمرها ، ومتى يكون على التحديد ، [ أي ]{[12445]} لا يعلم ذلك [ أحد ]{[12446]} إلا هو تعالى ؛ ولهذا قال : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ }
قال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة في قوله : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال : ثقل علمها على أهل السماوات والأرض أنهم لا يعلمون . قال معمر : قال الحسن : إذا جاءت ، ثقلت على أهل السماوات والأرض ، يقول : كَبُرَت عليهم .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال : ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة .
وقال ابن جُرَيْج : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال : إذا جاءت انشقت السماء{[12447]} وانتثرت النجوم ، وكورت الشمس ، وسيرت الجبال ، وكان ما قاله الله ، عز وجل{[12448]} فذلك ثقلها .
واختار ابن جرير ، رحمه الله : أن المراد : ثَقُلَ علم وقتها على أهل السماوات والأرض ، كما قال{[12449]} قتادة .
وهو كما قالاه ، كقوله تعالى : { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السماوات والأرض ، والله أعلم .
وقال السدي [ في قوله تعالى ]{[12450]} { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } يقول : خفيت في السماوات والأرض ، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ، ولا نبي مرسل .
{ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } [ قال ]{[12451]} يبغتهم قيامها ، تأتيهم على غفلة .
وقال قتادة في قوله تعالى : { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } قضى الله أنها { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال{[12452]} " إن الساعة تهيج بالناس ، والرجل يصلح حوضه ، والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعه " {[12453]}
وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون ، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما{[12454]} بينهما ، فلا يتبايعانه ولا يطويانه . ولتقومَنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقْحَته فلا يَطْعَمُه . ولتقومَنّ الساعة وهو يَلِيط حوضه فلا يسقي فيه . ولتقومَنّ الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " {[12455]}
وقال مسلم في صحيحه : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تقوم الساعة والرجل يحلب اللِّقْحَة ، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة . والرجلان{[12456]} يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم . والرجل يلوط حوضه فما يصدر حتى تقوم " {[12457]}
وقوله [ تعالى ]{[12458]} { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } اختلف المفسرون في معناه ، فقيل : معناه : كما قال{[12459]} العوفي عن ابن عباس : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } يقول : كأن بينك وبينهم مودة ، كأنك صديق لهم . قال ابن عباس : لما سأل الناس محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده ، استأثر بعلمها ، فلم يطلع الله عليها ملكًا مقربًا ولا رسولا .
وقال قتادة : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسرّ إلينا متى الساعة . فقال الله ، عز وجل : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا }
وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وأبي مالك ، والسُّدِّي ، وهذا قول . والصحيح عن مجاهد - من رواية ابن أبي نَجِيح وغيره - : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } قال : استَحْفَيت عنها السؤال ، حتى علمت وقتها .
وكذا قال الضحاك ، عن ابن عباس : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } يقول : كأنك عالم بها ، لست تعلمها ، { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ }
وقال معمر ، عن بعضهم : { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } كأنك عالم بها .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } كأنك عالم بها ، وقد أخفى الله علمها على خلقه ، وقرأ : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } الآية [ لقمان : 34 ] .
ولهذا القول أرجح في المعنى من الأول ، والله أعلم ؛ ولهذا قال : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }
ولهذا لما جاء جبريل ، عليه السلام ، في صورة أعرابي ، يعلم الناس أمر دينهم ، فجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس السائل المسترشد ، وسأله عن الإسلام ، ثم عن الإيمان ، ثم عن الإحسان ، ثم قال : فمتى الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " أي : لست أعلم بها منك ولا أحد أعلم بها من أحد ، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } الآية{[12460]}
وفي رواية : فسأله عن أشراط الساعة ، ثم قال : " في خمس لا يعلمهن إلا الله " . وقرأ هذه الآية ، وفي هذا كله يقول له بعد كل جواب : " صدقت " ؛ ولهذا عجب الصحابة من هذا السائل يسأله ويصدقه ، ثم لما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا جبريل أتاكم يعلمكم{[12461]} دينكم " {[12462]}
وفي رواية قال : " وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها ، إلا صورته هذه " .
وقد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد ، في أول شرح صحيح البخاري ، ولله الحمد والمنة{[12463]}
ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري فقال : يا محمد ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاء{[12464]} - على نحو من صوته - قال : يا محمد ، متى الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك إن الساعة آتية ، فما أعددت لها ؟ " قال : ما أعددت لها كبير{[12465]} صلاة ولا صيام ، ولكني أحب الله ورسوله . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرء مع من أحب " . فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث{[12466]}
وهذا له طرق متعددة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال : " المرء مع من أحب " {[12467]} وهي متواترة عند كثير من الحفاظ المتقنين .
ففيه أنه ، عليه السلام ، كان إذا سئل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى علمه ، أرشدهم إلى ما هو الأهم في حقهم ، وهو الاستعداد لوقوع ذلك ، والتهيؤ له قبل نزوله ، وإن لم يعرفوا تعيين وقته .
ولهذا قال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كانت الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سألوه عن الساعة : متى الساعة ؟ فنظر{[12468]} إلى أحدث إنسان{[12469]} منهم فقال : " إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى قامت عليكم ساعتكم " {[12470]} يعني بذلك موتهم الذي يفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الآخرة .
ثم قال مسلم : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يونس بن محمد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ؛ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يعش هذا الغلام فعسى ألا يدركه الهَرَم حتى تقوم الساعة " . انفرد به مسلم{[12471]}
وحدثنا حجاج بن الشاعر ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا معبد بن هلال العنزي{[12472]} عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ؛ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : متى الساعة ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هُنَيهة ، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة ، فقال : " إن عُمِّرَ هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " - قال أنس : ذلك الغلام من أترابي{[12473]}
وقال : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال : مر غلام للمغيرة بن شعبة - وكان من أقراني{[12474]} - فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن يؤخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " {[12475]}
ورواه البخاري في كتاب " الأدب " من صحيحه ، عن عمرو بن عاصم ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس ؛ أن رجلا من أهل البادية قال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ فذكر الحديث ، وفي آخره : " فمر غلام للمغيرة بن شعبة " ، وذكره{[12476]}
وهذا الإطلاق في هذه الروايات محمول على التقييد ب " ساعتكم " في حديث عائشة ، رضي الله عنها .
وقال ابن جُرَيْج : أخبرني أبو الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل{[12477]} أن يموت بشهر ، قال : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله . وأقسم بالله ما على ظهر الأرض اليوم من نفس منفوسة ، تأتي عليها مائة سنة " رواه مسلم{[12478]}
وفي الصحيحين ، عن ابن عمر مثله ، قال ابن عمر : وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم انخرام ذلك القرن .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، أنبأنا العوام ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عَفَازة{[12479]} عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، عن رسول الله{[12480]} صلى الله عليه وسلم قال : " لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى " ، قال : " فتذاكروا أمر الساعة " ، قال : " فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، عليه السلام ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى موسى ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى عيسى ، فقال عيسى : أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله ، عز وجل ، وفيما عهد إليَّ ربي ، عز وجل ، أن الدجال خارج " ، قال : " ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص " ، قال : " فيهلكه الله ، عز وجل ، إذا رآني ، حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم ، إن تحتي كافرًا تعالى فاقتله " . قال : " فيهلكهم الله ، عز وجل ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم " ، قال : " فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيطئون بلادهم ، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه " ، قال : " ثم يرجع الناس إليَّ فيشكونهم ، فأدعو{[12481]} الله ، عز وجل ، عليهم فيهلكهم ويميتهم ، حتى تَجْوَى الأرض من نتن ريحهم - أي : تُنْتِن - " قال : " فينزل الله المطر ، فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في{[12482]} البحر " .
قال أحمد : قال يزيد بن هارون : ثم تنسف الجبال ، وتمد الأرض مد الأديم - ثم رجع إلى حديث هشيم قال : ففيما عهد إلي ربي ، عز وجل ، أن ذلك إذا كان كذلك ، فإن{[12483]} الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها{[12484]} ليلا أو نهارا{[12485]}
ورواه ابن ماجه ، عن بُنْدَار عن يزيد بن هارون ، عن العوام بن حَوْشَب بسنده ، نحوه{[12486]}
فهؤلاء أكابر أولي العزم من المرسلين ، ليس عندهم علم بوقت الساعة على التعيين ، وإنما ردوا الأمر إلى عيسى عليه السلام ، فتكلم على أشراطها ؛ لأنه ينزل في آخر هذه الأمة منفذًا لأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقتل المسيح الدجال ، ويجعل الله هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دعائه ، فأخبر بما أعلمه الله تعالى به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر{[12487]} حدثنا عُبيد الله بن إياد بن لَقِيط{[12488]} قال : سمعت أبي يذكر عن حذيفة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال : " علمها عند ربي لا يُجَلِّيها لوقتها إلا هو ، ولكن سأخبركم{[12489]} بمشاريطها ، وما يكون بين يديها : إن بين يديها فتنة وهرجًا " ، قالوا : يا رسول الله ، الفتنة قد عرفناها ، فالهرج ما هو ؟ قال بلسان الحبشة : " القتل " . قال{[12490]} وَيُلقَى بين الناس التَّنَاكرُ ، فلا يكاد أحد يعرف أحدًا " {[12491]} لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه .
وقال وَكِيع : حدثنا ابن أبي خالد ، عن طارق بن شهاب ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن{[12492]} الساعة حتى نزلت : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } الآية [ النازعات : 42 ] .
ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، به{[12493]} وهذا إسناد جيد قوي .
فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم [ محمد ]{[12494]} صلوات الله عليه وسلامه{[12495]} نبي الرحمة ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ، والعاقب والمُقَفَّي ، والحاشر الذي تحشر{[12496]} الناس على قدميه ، مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد ، رضي الله عنهما : " بعثت أنا والساعة كهاتين " {[12497]} وقرن بين إصبعيه السبابة والتي تليها . ومع هذا كله ، قد أمره الله تعالى أن يَرُد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها ، فقال : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }
{ يسألونك عن الساعة } أي عن القيامة ، وهي من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها ، أو لأنها على طولها عند الله كساعة . { أيان مرساها } متى إرساؤها أي إثباتها واستقرارها ورسو الشيء ثباته واستقراره ، ومنه رسا الجبل وأرسى السفينة ، واشتقاق { أيان } من أي لأن معناه أي وقت ، وهو من أويت إليه لأن البعض أوى إلى الكل . { قل إنما علمها عند ربي } استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا . { ولا يجلّيها لوقتها } لا يظهر أمرها في وقتها . { إلا هو } والمعنى أن الخفاء بها مستمر على غيره إلى وقت وقوعها ، واللام للتأقيت كاللام في قوله : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } . { ثقُلت في السماوات والأرض } عظمت على أهلها من الملائكة والثقلين لهولها ، وكأنه إشارة إلى الحكمة في إخفائها . { لا تأتيكم إلا بغتة } إلا فجأة على غفلة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه " . { يسألونك كأنك حَفي عنها } عالم بها ، فعيل من حفى عن الشيء إذا سأل عنه ، فإن من بالغ في السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ، ولذلك عدي بعن . وقيل هي صلة { يسألونك } . وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له : إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة ، والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم فتحضهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها . وقيل معناه كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه ، من حفى بالشيء إذا فرح أن تكثره لأنه من الغيب الذي استأثر الله بعلمه . { قل إنما علمها عند الله } كرره لتكرير يسألونك لما نيط به من هذه الزيادة وللمبالغة . { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن علمها عند الله لم يؤته أحدا من خلقه .
وقوله تعالى : { يسألونك عن الساعة } الآية ، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش ، وذلك أن قريشاً قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة ، قال ابن عباس : المراد بالآية اليهود ، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبياً فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك ، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حياً وبعث الجميع ، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة ، و { أيان } معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت ، وقرأ جمهور الناس «أيان » بفتح الهمزة ، وقرأ السلمي «إيان » بكسر الهمزة ، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح ، وقال الشاعر : [ الرجز ]
أيان يقضي حاجتي أيانا*** أما ترى لفعلها إبانا
قال أبو الفتح وزن «أيان » بفتح الهمزة فَعلان وبكسرها فِعلان ، والنون فيهما زائدة ، و { مرساها } رفع بالابتداء والخبر ، { أيان } ومذهب المبرد أن { مرساها } مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها ، مأخوذة من أرسى يرسي ، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه ، و { يجليها } معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله : [ الوافر ] .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . يمين أو نفار أو جلاء
وقوله : { ثقلت في السماوات والأرض } قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل : معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها ، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض ، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا ، وقال قتادة وابن جريج : معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال ، ثم أخبر تعالى خبراً يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس ، و { بغتة } مصدر في موضع الحال .
وقوله تعالى : { يسألونك كأنك حفيّ عنها } الآية ، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد : المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل ، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا ، وقال مجاهد أيضاً والضحاك وابن زيد : معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها ، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم «كأنك حفي بها » ، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه ، وقد يجيء { حفي } وصفاً للسؤال ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
فلمّا التقينا بَّين السيف بيننا*** لسائلة عنا حفي سؤالها
ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه { حفي } وصفاً لسائل قول الآخر : [ الطويل ]
سؤال حفي عن أخي كأنه*** بُذكرته وْسنان أو متواسن
ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيداً للأمر وتهمماً به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث } ، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها ، وقوله : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } قال الطبري : معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر .