التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

قوله تعالى : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولاكن أكثر الناس لا يعلمون 187 قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون }

جاء في سبب نزول هذه الآيات عن ابن عباس قال : قال : حمل بن أبي قشير وشموال بن زيد من اليهود : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فإنا نعلم متى هي ، فأنزل الله هذه الآية . قال قتادة : فقالت قريش لمحمد : إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة ؟ فأنزل الله تعالى : { يسألونك عن الساعة } {[1593]} .

الكاف ، في { يسألونك } في موضع مفعول به أول . و { عن الساعة } ، في موضع نصب مفعول به ثان . و { أيان مرساها } ، مبتدأ وخبر . { مرساها } ، مبتدأ و { أيان } ، خبره{[1594]} . لقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين عن الساعة وذلك من باب الإحراج والتحدي والمكابرة إذ قالوا له { أيان مرساها } أي متى مثبتها ووقوعها . و { مرساها } بمعنى قيامها . من قول القائل : أرساها الله فهي مرساة . وأرساها القوم إذا حبسوها . ورست ترسو رسوا . فأجابهم أنها علمها مما استأثر الله به في علم الغيب عنده ولم يوقف عليه أحدا { لا يجليها لوقتها إلا هو } أي لا يظهرها في وقتها إلا هو سبحانه .

قوله : { ثقلت في السموات والأرض } أي ثقل علم الساعة على أهل السموات والأرض ؛ فقد عز عليهم أن يعرفوا وقتها ومجيئها لخفائها عنهم واستئثار الله بعلمها ، وبذلك لا يعرف متى تقوم الساعة لا نبي مرسل ولا ملك مقرب . وقيل : ثقلت بمعنى كبرت ، فلا تطيقها السموات والأرض . ذلك أن الساعة إذا جاءت انشقت السماء ، وانكدرت النجوم ، وانتثرت الكواكب ، وكورت الشمس ، وسيرت الجبال . لا جرم أن ذلك هائل ومخوف ومزلزل ، وفيه من الثقل على أهل السموات والأرض ما يخلع القلوب خلعا . وكذلك فإن الساعة إنما تأتي فجأة من حيث لا يشعر بها أحد فهي تبغت بقيامها الناس إذ تأتيهم على غفلة وفي الخبر : ( إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه ، والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقيم سلعته في السوق ، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه . وذلك تأويل قوله : { لا تأتيكم إلا بغتة ) وبغتة ، منصوب على المصدر في موضع الحال{[1595]} .

قوله : { يسألونك كأنك حفي عنها } الحفي ، معناه العالم المستقصي ، الملح في السؤال{[1596]} ؛ أي يسألك المشركون عن الساعة يا محمد ، كأنك عالم بها كثير السؤال عنها . وقيل : يسألونك عنها كأنك صديق بهم أو قريب منهم وتخفي عليهم ، أو كأنك حفي بهم ؛ أي كأنك فرح ومسرور بسؤالهم . نقول : احتفى به : بالغ في إكرامه وأكثر السؤال عن حاله ؛ فهو حاف وحفي . وحفا الله به حفوا ، أكرمه . والحفاوة ، الإلحاح{[1597]} .

قوله : { قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي أبلغهم يا محمد مبينا لهم بجلاء ووضوح أن علم الساعة خفي عن العالمين وقد استأثر الله به ولا علم لأحد في المخاليق بالساعة أو متى تقوم { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي أكثر الناس لا يعلمون أن الله وحده مستأثر بعلم الساعة ، وأن الخلق جميعا لا يدرون متى تفجأهم .


[1593]:أسباب النزول للنيسابوري ص 153.
[1594]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 380.
[1595]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 381.
[1596]:المعجم الوسيط جـ 1ص 186 والقاموس المحيط جـ 4 ص 320.
[1597]:القاموس المحيط جـ 4 ص 320.