الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

قوله : { يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي }[ 187 ] . الآية .

{ مرساها } : مبتدأ ، و{ أيان } : الخبر{[26303]} .

والمعنى على قول قتادة : أن قريشا قالت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، إن بيننا وبينك قرابة ، فأسرّ إلينا متى الساعة ! فنزلت الآية{[26304]} .

وقال ابن عباس : أتى قوم من اليهود إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا له : أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا{[26305]} ؟ أي : متى قيامها{[26306]} .

و{ مرساها } من : أرسيت ، إذ أثبت . يقال : رست : إذا ثبت{[26307]} . وأرسيتها : أثبتها{[26308]} .

قال الله ، ( عز وجل ){[26309]} لنبيه ( عليه السلام ){[26310]} { قل } يا محمد : { إنما علمها عند ربي لا يجليها }[ 187 ] ، أي : [ لا{[26311]} ] يظهرها لوقتها إلا الله ، ( عز وجل{[26312]} )/يقال : جلَّى فلان الأمر ، إذا كشفه وأوضحه وأظهره{[26313]} .

{ ثقلت في السماوات والارض }[ 187 ] .

أي : ثقل على أهل السماوات والأرض أن يعلموا وقت قيامها{[26314]} .

قال السدي المعنى : خفيت في السموات والأرض{[26315]} ، فلا يعلم قيامها مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل{[26316]} .

وقيل المعنى : ثقل علمها عليهم{[26317]} .

وقيل المعنى : كبرت عند مجيئها على أهل السماوات والأرض .

قاله الحسن{[26318]} .

وقال ابن جريج : { ثقلت } ، معناه : إذا جاءت انشقت السماء ، وانتثرت الكواكب ، وكوِّرت الشمس ، وسيرت الجبال ، وكان ما قال الله ( عز وجل ){[26319]} . فذلك ثقلها{[26320]} .

وحكى السدي عن بعض العلماء : { ثقلت } : عظمت{[26321]} .

وقيل المعنى : { ثقلت } المسألة عنها{[26322]} .

وقال القُتيبي{[26323]} : ثقل علمها على أهل السماوات والأرض ، أي : خفي . وإذا خفي الشيء ثقل{[26324]} .

{ لا تاتيكم إلا بغتة }[ 187 ] .

أي : فجأة{[26325]} .

قال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله [ عليه السلام ] ، كان يقول : " إن الساعة تهيج الناس ، والرجل الصالح يصلح حوضه ، والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعه " {[26326]} .

وروى أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما{[26327]} يبيعانه{[26328]} فما يطويانه حتى تقوم الساعة ، وتقوم الساعة{[26329]} والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم الساعة " {[26330]} .

ثم قال : { يسئلونك كأنك حفي عنها }[ 187 ] .

أي : يسألونك عنها { كأنك حفي } بهم{[26331]} ، أي : فرح بسؤالهم{[26332]} .

وقال ابن عباس : { كأنك } بينك وبينهم مودة ، أي : { كأنك } صديق لهم{[26333]} .

قال قتادة : قالوا له : نحن أقرباؤك ، فأسرَّ لنا متى ( تقوم ){[26334]} الساعة ؟ فأنزل الله تعالى{[26335]} { يسئلونك كأنك حفي } ( أي ){[26336]} : بهم .

وقيل : إن الكلام لا تقديم فيه ولا تأخير{[26337]} . والمعنى : يسئلونك { كأنك } استحفيت{[26338]} المسألة عنها فعلمتها . قاله مجاهد{[26339]} .

وقال الضحاك : { كأنك } عالم بها{[26340]} .

ف " عن " في موضع " الباء " {[26341]} . كما جاز أن تقع " الباء " في موضع " عن " في{[26342]} قوله : { فسئل به خبيرا{[26343]} } ، أي : عنه{[26344]} .

وقيل المعنى : { كأنك } فرح بسؤالهم . يقال : حفيت{[26345]} بفلان في المسألة ، إذا سألته عنه{[26346]} سؤالا أظهرت فيه المحبة . وأحفى فلان بفلان{[26347]} في المسألة ، تأويله الكثرة . ويقال : حفى الدابة يحفى حفى مقصور ، إذا أكثرت عليه المشي حتى حفى أسفل رجله{[26348]} . والحفاء ، ممدود : مشي الرجل بغير نعل{[26349]} .

وقدره المبرد : { كأنك حفي } بالمسألة { عنها } ، أي : ملح{[26350]} ، ومكثر السؤال عنها .

وقوله : { قل إنما علمها عند ربي }[ 187 ] .

أي : علم وقوعها .

وقوله : { قل إنما علمها عند الله }[ 187 ] .

أي : علم كنهها وحقيقتها .

ف " العلمان " : مختلفان ، وليس ذلك بتكرير{[26351]} .

وقرأ ابن عباس : " حفي بها " {[26352]} .

{ إلا هو }[ 187 ] ، وقف{[26353]} .

{ عناه }[ 187 ] وقف{[26354]} ، على القولين جميعا{[26355]} .


[26303]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/306: "...، مرسى: في موضع رفع على الابتداء، و{أيان}: خبر الابتداء، وهو ظرف مبني على الفتح، وإنما بني لأن فيه معنى الاستفهام". انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/166، والبيان في غريب إعراب القرآن 1/380، والتبيان في إعراب القرآن 1/606، والبحر المحيط 4/431، والدر المصون 3/379.
[26304]:أسباب النزول للواحدي 231، وتفسير البغوي 3/309، وزاد المسير 3/297، ولباب النقول في أسباب النزول 187.
[26305]:وهو القول الثاني في نزول الآية. انظر: جامع البيان 13/292، 293، وأسباب النزول للواحدي 231، وزاد المسير 3/297، وتفسير ابن كثير 2/271، ولباب النقول في أسباب النزول 187.
[26306]:وهو قول السدي، وقتادة، كما في جامع البيان 13/293، 294. وتنظر: أقوال أخرى في تفسير الماوردي 2/284.
[26307]:في الأصل، و"ر": إذا أثبتت، وهو تحريف.
[26308]:انظر: غريب ابن قتيبة 175، وإعراب القرآن للنحاس 2/166، وتفسير الرازي 8/84، وتفسير القرطبي 7/212، والبحر المحيط 4/431.
[26309]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26310]:ما بين الهلالين ساقط من "ج". وفي "ر": صلى الله عليه وسلم.
[26311]:زيادة من ج، و"ر"، وتفسير المشكل من غريب القرآن 178.
[26312]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26313]:غريب ابن قتيبة 175، بتصرف. وينظر: مجاز القرآن 1/235، وفتح القدير 2/312.
[26314]:جامع البيان 13/295، بتصرف.
[26315]:من قوله: أن يعلموا: إلى هنا ساقط من "ر"، بفعل انتقال النظر.
[26316]:جامع البيان 13/295، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1627، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26317]:أخرجه الطبري بسنده في جامع البيان 13/295، عن بعض أهل التأويل. وهو منسوب إلى قتادة في تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/244، وزاد نسبته إلى الكلبي، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1627، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/620.
[26318]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/245، وجامع البيان 13/295، 296، وعنه نقل مكي، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1627، وتفسير الماوردي 2/285، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26319]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26320]:التفسير 171، وجامع البيان 13/296، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26321]:جامع البيان 13/296.
[26322]:تفسير القرطبي 7/213.
[26323]:في "ج"، قال السدي، وفوقها صاد صغيرة، وفي الهامش: القتبي، وفوقها رمز: صح. وفي "ر"، مطموس بفعل الأرضة والرطوبة. والقتبى، بضم القاف وفتح التاء، هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينوري، أبو محمد من مصنفاته الجياد: تأويل مشكل القرآن، وتفسير غريب القرآن، توفي سنة 267هـ. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب 3/15، ووفيات الأعيان 3/42، وبغية الوعاة 2/63، 64.
[26324]:تفسير غريب القرآن 175.
[26325]:جامع البيان 13/297، بلفظ: "لا تجيء الساعة إلا فجأة، لا تشعرون بمجيئها"، ومعاني القرآن للزجاج 2/393، وزاد المسير 3/298، وتفسير القرطبي 7/213. وقال في مشكل إعراب القرآن 1/306: قوله: {إلا بغتة}، نصب على أنها مصدر في موضع الحال.
[26326]:جامع البيان 13/297، وتفسير ابن كثير 2/271.
[26327]:ثوبهما تحرف في الأصل إلى: توابهما.
[26328]:في "ج": يتبايعانه.
[26329]:ومن: وتقوم الساعة، إلى نهاية النص، لحق في الأصل، وساقط من "ر".
[26330]:أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب طلوع الشمس من مغربها، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قرب الساعة.
[26331]:جامع البيان 13/297، وتمام نصه: "وقالوا: معنى قوله: {عنها} التقديم، وإن كان مؤخرا". انظر: معاني القرآن للفراء 1/399، وزاد المسير 3/299، وتفسير القرطبي 7/213.
[26332]:معاني القرآن للزجاج 2/393.
[26333]:جامع البيان 13/298، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1628، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/622، من غير: أي.
[26334]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[26335]:في "ج": عز وجل. وبشأن سبب نزول الآية، انظر ما سلف قريبا، وزد عليه ما في مصادر التوثيق أسفله.
[26336]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر". والأثر مضى قريبا، وهو في تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/245، وجامع البيان 13/292، و298، من دون: "فأنزل الله".
[26337]:وهو قول المبرد في إعراب القرآن للنحاس 2/166، وتفسير القرطبي 7/213. وسيأتي.
[26338]:في الأصل: استحييت، وهو تحريف ليس بشيء. واستحفى: استخبر. القاموس/حفا.
[26339]:التفسير 348، وجامع البيان 13/299، وعنه نقل مكي، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1628، وزاد المسير 3/299، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26340]:جامع البيان 13/289، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1628،....، عن الضحاك عن ابن عباس. وزاد: "أي: لست تعلمها"، وزاد المسير 3/298، وزاد نسبته إلى ابن زيد والفراء. وهذا التفسير معضد "بقراءة عبد الله بن مسعود: "كأنك حفي بها"، كما في الكشاف 2/178.
[26341]:انظر: البحر المحيط 4/433، والدر المصون 3/380.
[26342]:في، تحرفت في الأصل إلى: و.
[26343]:الفرقان: 59. والآية بتمامها: {استوى على العرش الرحمن الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم}.
[26344]:انظر: تأويل مشكل القرآن 568، باب دخول بعض حروف الصفات مكان بعض.
[26345]:في "ر": خفيت، بخاء معجمة، وهو تصحيف. وفي معاني القرآن للزجاج الذي نقل عنه مكي، رحمه الله،: تحفيت.
[26346]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي معاني القرآن للزجاج: إذا سألت سؤالا أظهرت...
[26347]:بفلان، لحق في "ج"، مطموس جله بفعل الرطوبة.
[26348]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي معاني القرآن للزجاج: "...، ويقال حفت الدابة تحفى حفى، مقصور، إذا كثر المشي حتى يؤلمها". قال محققه في هامشه: "في الأصول: حفى الدابة يحفى...إذا كثر عليه المشي حتى يؤلمه". فالاضطراب الحاصل في التركيب، عند مكي جاء بعضه من أصول معاني الزجاج. وفي "ج": رجليه.
[26349]:هو قول الزجاج في معاني القرآن 2/393، 394.
[26350]:إعراب القرآن للنحاس 2/166. وفي الدر المصون 3/381: "والإحفاء: الاستقصاء. ومنه: إخفاء الشوارب، والحافي، لأنه حفيت قدمه في استقصاء السير. والحفاوة: البر واللطف،...". انظر: الكشاف 2/177، 178.
[26351]:إعراب القرآن للنحاس 2/166، بتصرف يسير، والمحرر الوجيز 2/485، وتفسير القرطبي 7/213.
[26352]:المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات 1/269. انظر: إعراب القراءات الشواذ 1/578.
[26353]:وهو تام عند نافع كما في القطع والإئتناف 346. وكاف في المكتفى 282، ومنار الهدى 154.
[26354]:وهو كاف في المكتفى 282، ومنار الهدى 154.
[26355]:انظر: مزيدا من الإيضاح في القطع والإئتناف 346، فهو معتمد مكي، رحمه الله.