قوله : { يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي }[ 187 ] . الآية .
{ مرساها } : مبتدأ ، و{ أيان } : الخبر{[26303]} .
والمعنى على قول قتادة : أن قريشا قالت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، إن بيننا وبينك قرابة ، فأسرّ إلينا متى الساعة ! فنزلت الآية{[26304]} .
وقال ابن عباس : أتى قوم من اليهود إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا له : أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا{[26305]} ؟ أي : متى قيامها{[26306]} .
و{ مرساها } من : أرسيت ، إذ أثبت . يقال : رست : إذا ثبت{[26307]} . وأرسيتها : أثبتها{[26308]} .
قال الله ، ( عز وجل ){[26309]} لنبيه ( عليه السلام ){[26310]} { قل } يا محمد : { إنما علمها عند ربي لا يجليها }[ 187 ] ، أي : [ لا{[26311]} ] يظهرها لوقتها إلا الله ، ( عز وجل{[26312]} )/يقال : جلَّى فلان الأمر ، إذا كشفه وأوضحه وأظهره{[26313]} .
{ ثقلت في السماوات والارض }[ 187 ] .
أي : ثقل على أهل السماوات والأرض أن يعلموا وقت قيامها{[26314]} .
قال السدي المعنى : خفيت في السموات والأرض{[26315]} ، فلا يعلم قيامها مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل{[26316]} .
وقيل المعنى : ثقل علمها عليهم{[26317]} .
وقيل المعنى : كبرت عند مجيئها على أهل السماوات والأرض .
قاله الحسن{[26318]} .
وقال ابن جريج : { ثقلت } ، معناه : إذا جاءت انشقت السماء ، وانتثرت الكواكب ، وكوِّرت الشمس ، وسيرت الجبال ، وكان ما قال الله ( عز وجل ){[26319]} . فذلك ثقلها{[26320]} .
وحكى السدي عن بعض العلماء : { ثقلت } : عظمت{[26321]} .
وقيل المعنى : { ثقلت } المسألة عنها{[26322]} .
وقال القُتيبي{[26323]} : ثقل علمها على أهل السماوات والأرض ، أي : خفي . وإذا خفي الشيء ثقل{[26324]} .
{ لا تاتيكم إلا بغتة }[ 187 ] .
أي : فجأة{[26325]} .
قال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله [ عليه السلام ] ، كان يقول : " إن الساعة تهيج الناس ، والرجل الصالح يصلح حوضه ، والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعه " {[26326]} .
وروى أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما{[26327]} يبيعانه{[26328]} فما يطويانه حتى تقوم الساعة ، وتقوم الساعة{[26329]} والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم الساعة " {[26330]} .
ثم قال : { يسئلونك كأنك حفي عنها }[ 187 ] .
أي : يسألونك عنها { كأنك حفي } بهم{[26331]} ، أي : فرح بسؤالهم{[26332]} .
وقال ابن عباس : { كأنك } بينك وبينهم مودة ، أي : { كأنك } صديق لهم{[26333]} .
قال قتادة : قالوا له : نحن أقرباؤك ، فأسرَّ لنا متى ( تقوم ){[26334]} الساعة ؟ فأنزل الله تعالى{[26335]} { يسئلونك كأنك حفي } ( أي ){[26336]} : بهم .
وقيل : إن الكلام لا تقديم فيه ولا تأخير{[26337]} . والمعنى : يسئلونك { كأنك } استحفيت{[26338]} المسألة عنها فعلمتها . قاله مجاهد{[26339]} .
وقال الضحاك : { كأنك } عالم بها{[26340]} .
ف " عن " في موضع " الباء " {[26341]} . كما جاز أن تقع " الباء " في موضع " عن " في{[26342]} قوله : { فسئل به خبيرا{[26343]} } ، أي : عنه{[26344]} .
وقيل المعنى : { كأنك } فرح بسؤالهم . يقال : حفيت{[26345]} بفلان في المسألة ، إذا سألته عنه{[26346]} سؤالا أظهرت فيه المحبة . وأحفى فلان بفلان{[26347]} في المسألة ، تأويله الكثرة . ويقال : حفى الدابة يحفى حفى مقصور ، إذا أكثرت عليه المشي حتى حفى أسفل رجله{[26348]} . والحفاء ، ممدود : مشي الرجل بغير نعل{[26349]} .
وقدره المبرد : { كأنك حفي } بالمسألة { عنها } ، أي : ملح{[26350]} ، ومكثر السؤال عنها .
وقوله : { قل إنما علمها عند ربي }[ 187 ] .
أي : علم وقوعها .
وقوله : { قل إنما علمها عند الله }[ 187 ] .
أي : علم كنهها وحقيقتها .
ف " العلمان " : مختلفان ، وليس ذلك بتكرير{[26351]} .
وقرأ ابن عباس : " حفي بها " {[26352]} .
{ إلا هو }[ 187 ] ، وقف{[26353]} .
{ عناه }[ 187 ] وقف{[26354]} ، على القولين جميعا{[26355]} .
[26303]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/306: "...، مرسى: في موضع رفع على الابتداء، و{أيان}: خبر الابتداء، وهو ظرف مبني على الفتح، وإنما بني لأن فيه معنى الاستفهام".
انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/166، والبيان في غريب إعراب القرآن 1/380، والتبيان في إعراب القرآن 1/606، والبحر المحيط 4/431، والدر المصون 3/379.
[26304]:أسباب النزول للواحدي 231، وتفسير البغوي 3/309، وزاد المسير 3/297، ولباب النقول في أسباب النزول 187.
[26305]:وهو القول الثاني في نزول الآية. انظر: جامع البيان 13/292، 293، وأسباب النزول للواحدي 231، وزاد المسير 3/297، وتفسير ابن كثير 2/271، ولباب النقول في أسباب النزول 187.
[26306]:وهو قول السدي، وقتادة، كما في جامع البيان 13/293، 294. وتنظر: أقوال أخرى في تفسير الماوردي 2/284.
[26307]:في الأصل، و"ر": إذا أثبتت، وهو تحريف.
[26308]:انظر: غريب ابن قتيبة 175، وإعراب القرآن للنحاس 2/166، وتفسير الرازي 8/84، وتفسير القرطبي 7/212، والبحر المحيط 4/431.
[26309]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26310]:ما بين الهلالين ساقط من "ج". وفي "ر": صلى الله عليه وسلم.
[26311]:زيادة من ج، و"ر"، وتفسير المشكل من غريب القرآن 178.
[26312]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26313]:غريب ابن قتيبة 175، بتصرف. وينظر: مجاز القرآن 1/235، وفتح القدير 2/312.
[26315]:من قوله: أن يعلموا: إلى هنا ساقط من "ر"، بفعل انتقال النظر.
[26316]:جامع البيان 13/295، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1627، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26317]:أخرجه الطبري بسنده في جامع البيان 13/295، عن بعض أهل التأويل. وهو منسوب إلى قتادة في تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/244، وزاد نسبته إلى الكلبي، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1627، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/620.
[26318]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/245، وجامع البيان 13/295، 296، وعنه نقل مكي، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1627، وتفسير الماوردي 2/285، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26319]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26320]:التفسير 171، وجامع البيان 13/296، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26323]:في "ج"، قال السدي، وفوقها صاد صغيرة، وفي الهامش: القتبي، وفوقها رمز: صح. وفي "ر"، مطموس بفعل الأرضة والرطوبة.
والقتبى، بضم القاف وفتح التاء، هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينوري، أبو محمد من مصنفاته الجياد: تأويل مشكل القرآن، وتفسير غريب القرآن، توفي سنة 267هـ.
انظر: اللباب في تهذيب الأنساب 3/15، ووفيات الأعيان 3/42، وبغية الوعاة 2/63، 64.
[26325]:جامع البيان 13/297، بلفظ: "لا تجيء الساعة إلا فجأة، لا تشعرون بمجيئها"، ومعاني القرآن للزجاج 2/393، وزاد المسير 3/298، وتفسير القرطبي 7/213.
وقال في مشكل إعراب القرآن 1/306: قوله: {إلا بغتة}، نصب على أنها مصدر في موضع الحال.
[26326]:جامع البيان 13/297، وتفسير ابن كثير 2/271.
[26327]:ثوبهما تحرف في الأصل إلى: توابهما.
[26329]:ومن: وتقوم الساعة، إلى نهاية النص، لحق في الأصل، وساقط من "ر".
[26330]:أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب طلوع الشمس من مغربها، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قرب الساعة.
[26331]:جامع البيان 13/297، وتمام نصه: "وقالوا: معنى قوله: {عنها} التقديم، وإن كان مؤخرا".
انظر: معاني القرآن للفراء 1/399، وزاد المسير 3/299، وتفسير القرطبي 7/213.
[26333]:جامع البيان 13/298، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1628، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/622، من غير: أي.
[26334]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[26335]:في "ج": عز وجل. وبشأن سبب نزول الآية، انظر ما سلف قريبا، وزد عليه ما في مصادر التوثيق أسفله.
[26336]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
والأثر مضى قريبا، وهو في تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/245، وجامع البيان 13/292، و298، من دون: "فأنزل الله".
[26337]:وهو قول المبرد في إعراب القرآن للنحاس 2/166، وتفسير القرطبي 7/213. وسيأتي.
[26338]:في الأصل: استحييت، وهو تحريف ليس بشيء. واستحفى: استخبر. القاموس/حفا.
[26339]:التفسير 348، وجامع البيان 13/299، وعنه نقل مكي، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1628، وزاد المسير 3/299، وتفسير ابن كثير 2/271، والدر المنثور 3/621.
[26340]:جامع البيان 13/289، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1628،....، عن الضحاك عن ابن عباس. وزاد: "أي: لست تعلمها"، وزاد المسير 3/298، وزاد نسبته إلى ابن زيد والفراء. وهذا التفسير معضد "بقراءة عبد الله بن مسعود: "كأنك حفي بها"، كما في الكشاف 2/178.
[26341]:انظر: البحر المحيط 4/433، والدر المصون 3/380.
[26343]:الفرقان: 59. والآية بتمامها: {استوى على العرش الرحمن الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم}.
[26344]:انظر: تأويل مشكل القرآن 568، باب دخول بعض حروف الصفات مكان بعض.
[26345]:في "ر": خفيت، بخاء معجمة، وهو تصحيف. وفي معاني القرآن للزجاج الذي نقل عنه مكي، رحمه الله،: تحفيت.
[26346]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي معاني القرآن للزجاج: إذا سألت سؤالا أظهرت...
[26347]:بفلان، لحق في "ج"، مطموس جله بفعل الرطوبة.
[26348]:كذا في المخطوطات الثلاث.
وفي معاني القرآن للزجاج: "...، ويقال حفت الدابة تحفى حفى، مقصور، إذا كثر المشي حتى يؤلمها". قال محققه في هامشه: "في الأصول: حفى الدابة يحفى...إذا كثر عليه المشي حتى يؤلمه". فالاضطراب الحاصل في التركيب، عند مكي جاء بعضه من أصول معاني الزجاج.
وفي "ج": رجليه.
[26349]:هو قول الزجاج في معاني القرآن 2/393، 394.
[26350]:إعراب القرآن للنحاس 2/166.
وفي الدر المصون 3/381: "والإحفاء: الاستقصاء. ومنه: إخفاء الشوارب، والحافي، لأنه حفيت قدمه في استقصاء السير. والحفاوة: البر واللطف،...". انظر: الكشاف 2/177، 178.
[26351]:إعراب القرآن للنحاس 2/166، بتصرف يسير، والمحرر الوجيز 2/485، وتفسير القرطبي 7/213.
[26352]:المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات 1/269. انظر: إعراب القراءات الشواذ 1/578.
[26353]:وهو تام عند نافع كما في القطع والإئتناف 346. وكاف في المكتفى 282، ومنار الهدى 154.
[26354]:وهو كاف في المكتفى 282، ومنار الهدى 154.
[26355]:انظر: مزيدا من الإيضاح في القطع والإئتناف 346، فهو معتمد مكي، رحمه الله.