غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

184

ثم لما تكلم في النبوة والتوحيد والقضاء والقدر أتبعه الكلام في المعاد فقال { يسألونك عن الساعة } وأيضاً لما ذكر اقتراب الأجل بين أن وقت الساعة مكتوم عن الأفهام ليصير ذلك حاملاً للمكلفين على المسارعة إلى التوبة وأداء الفرائض . ومن السائل ؟ عن ابن عباس أنهم اليهود قالوا : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً فإنا نعلم متى هي . وعن قتادة . إنهم قريش قالوا : يا محمد إن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة . قال في الكشاف . الساعة من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا ، سميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو على العكس لطولها كما يقال للحبشي أبو البيضاء ، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق و{ أيان } استفهام عن الزمان ويختص بالأمور العظام نحو { أيان مرساها } [ النازعات : 42 ] { وأيان يوم الدين } [ الذاريات : 12 ] ولا يقال أيان نمت . وكسر همزته لغة بني سليم . وعن ابن جني أن اشتقاقه من أيّ «فعلان » منه وأيّ فعل من أويت إليه لأن البعض يأوي إلى الكل ، وأنكر أن يكون اشتقاقه من «أين » لأنه للزمان و«أين » للمكان ولقلة «فعال » في الأسماء وكثرة «فعلان » فيها . وقال الأندلسي : أصله «أي أو أن » حذفت الهمزة مع الياء الأخيرة فبقي «أيوان » فأدغم بعد القلب . وقيل : أصله «أي آن » بمعنى «أيّ حين » فخفف بحذف الهمزة فاتصلت الألف فاتصلت الألف والنون بأي . ورد بأن «آنا » لا يستعمل إلا بلام التعريف . والمرسى بمعنى الإرساء والإثبات ، والرسوّ الثبات والاستقرار ولعله لا يطلق إلا على ما فيه ثقل ومنه رسا الجبل وأرست السفينة ولا أثقل من الساعة على الخلائق { قل إنما علمها } أي علم وقت إرسائها وإثباتها وإقرارها { عند ربي } قد استأثر به لم يخبر به أحداً من ملك مقرب ولا نبي مرسل يكاد يخفيها من نفسه ليكون أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى وقت الموت لذلك { لا يجليها } لا يظهرها { لوقتها } أي للخبر عن وقتها قبل مجيئها أحد { إلا هو } والحاصل أنه لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإخبار والإعلام إلا هو { ثقلت في السموات والأرض } قال الحسن : أي ثقل مجيئها على أهل السموات لانشقاق السماء وتكوير الشمس وانتثار النجوم ، وعلى أهل الأرض لأن في ذلك اليوم فناءهم وهلاكهم . أو ثقل هذا اليوم على الخلائق بما فيه من الشدائد والأهوال ، أو ثقل تحصيل العلم بوقتها المعين عليهم أي أشكل واستبهم حتى صار ثقيلاً على الأفهام { لا تأتيكم إلا بغتة } إلا فجأة على حين غفلة منكم . وهذه الجمل مؤكدات ومبينات لما تقدمها ولهذا فقد العاطف . عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه » وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «والذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة وإن الرجل ليرفع اللقمة إلى فيه حتى تحول الساعة بينه وبين ذلك » ثم كرر { يسألونك } للتأكيد ولما نيط به من زيادة قوله { كأنك حفي عنها } فكان السؤال الأول عن وقت قيام الساعة ، والسؤال الثاني عن كنه ثقل الساعة شدتها ومهابتها ولهذا خص باسم الله في قوله { قل إنما علمها عند الله } لأن أعظم أسماء الله مهابة هو الله ، وأما الرب فيدل على التربية والرحمة دون الهيبة والعزة ، وفي الحفي وجوه : فقيل إنه البار اللطيف و «عن » بمعنى «الباء » أي كأنك بارّ بهم لطيف العشرة معهم وهذا قول الحسن وقتادة والسدي ، والضمير عائد إلى قريش التي ادعت القرابة وجعلوها وسيلة إلى أن يخبرهم بالساعة . والمعنى أنك لا تكون حفياً بهم ما داموا على كفرهم ولو أخبرت بوقتها وأمرت بالإخبار عنها لكنت مبلغه القريب والبعيد من غير تخصيص كسائر ما أوحي إليك . وعلى هذا القول جاز أن يكون { عنها } متعلقاً ب { يسألونك } أي يسألونك عنها كأنك حفي أي عالم بها فحذف قوله «بها » لطول الكلام أو لأنه معلوم . وقيل : { عنها } يتعلق بمحذوف . وحفي «فعيل » من حفي فلان بالمسألة أي استقصى ، والمعنى كأنك بليغ في السؤال عنها لأن من أكثر السؤال علم . وهذا التركيب يفيد المبالغة ومنه إحفاء الشارب ، وأحفى في المسألة إذا ألحف . وقيل : المراد كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه وتؤثره يعني أنك تكره السؤال عنها لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أنه مختص بذلك العلم أو لا يعلمون أن القيامة حق وإنما يقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا ، أو لا يعلمون السبب الذي لأجله خفيت معرفة وقتها المعين عن الخلق .

/خ195