المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

5- وإن النصر بيد الله ، ومقاليد الأمور إليه ، وإنَّ حال المؤمنين في خلافهم حول الغنائم كحالهم عندما أمرك الله بالخروج لقتال المشركين ببدر ، وهو حق ثابت ، فإن فريقاً من أولئك المؤمنين كانوا كارهين للقتال مؤكدين كراهيتهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها ، لأن من قام بها استقامت أحواله وصلحت أعماله ، التي من أكبرها الجهاد في سبيله . فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي ، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به ، . كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه اللّه تعالى ، وقد قدره وقضاه .

وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } . .

اختلف أهل التأويل في الجالب لهذه الكاف التي في قوله : كما أخْرَجَكَ وما الذي شبه بإخراج الله نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته بالحقّ . فقال بعضهم : شبه به في الصلاح للمؤمنين ، اتقاؤهم ربهم ، وإصلاحهم ذات بينهم ، وطاعتهم الله ورسوله . وقالوا : معنى ذلك : يقول الله : وأصلحوا ذات بينكم ، فإن ذلك خير لكم ، كما أخرج الله محمدا صلى الله عليه وسلم من بيته بالحقّ كان خيرا له . ذكر من قال ذلك .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عكرمة : فاتّقُوا اللّهَ وأصْلِحوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ . . . الاَية : أي إن هذا خير لكم ، كما كان إخراجك من بيتك بالحقّ خيرا لك .

وقال آخرون : معنى ذلك : كما أخرجك ربك يا محمد من بيتك بالحقّ على كره من فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ قال : كذلك يجادلونك فِي الحقّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كمَا أخْرَجَك رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ كذلك يجادلونك في الحقّ ، القتال .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ قال : كذلك أخرجك ربك .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أنزل الله في خروجه يعني خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بدر ومجادلتهم إياه ، فقال : كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ وَإنّ فَرِيقا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ لطلب المشركين ، يُجادِلُونَكَ في الحَقّ بَعْدَما تَبَيّنَ .

اختلف أهل العربية في ذلك ، فقال بعض نحويي الكوفيين : ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضي لأمره في الغنائم ، على كُره من أصحابه ، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون . وقال آخرون منهم : معنى ذلك : يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر ، فقالوا : أخرجتنا للعير ، ولم تعلمنا قتالاً فنستعدّ له . وقال بعض نحويي البصرة : يجوز أن يكون هذا الكاف في : كمَا أخْرَجَكَ على قوله : أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّا كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ وقيل : الكاف بمعنى «على » .

وقال آخرون منهم : هي بمعنى القسم . قال : ومعنى الكلام : والذي أخرجك ربك .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال في ذلك بقول مجاهد ، وقال معناه : كما أخرجك ربك بالحقّ على كره من فريق من المؤمنين ، كذلك يجادلونك في الحقّ بعدما تبين . لأن كلا الأمرين قد كان ، أعني خروج بعض من خرج من المدينة كارها ، وجِدَالهم في لقاء العدوّ عند دنوّ القوم بعضهم من بعض ، فتشبيه بعض ذلك ببعض مع قرب أحدهما من الاَخر أولى من تشبيهه بما بعد عنه . وقال مجاهد في الحقّ الذي ذكر أنهم يجادلون فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدما تبينوه : هو القتال .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يُجادِلُونَكَ في الحَقّ قال : القتال .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وأما قوله : مِنْ بَيْتِكَ فإن بعضهم قال : معناه من المدينة . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي بزة : كمَا أخْرَجكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ المدينة إلى بدر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني محمد بن عباد بن جعفر ، في قوله : كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ قال : من المدينة إلى بدر .

وأما قوله : وإنّ فَرِيقا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ فإن كرَاهتهم كانت كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن مسلم الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، عن عبد الله بن عباس ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشأم ، ندب إليهم المسلمين ، وقال : «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فيها أمْوَالُهُمْ ، فاخْرُجُوا إليها لعَلّ الله أنْ يُنَفّلَكُمُوهَا » فانتدب الناس ، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَإنّ فَرِيقا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ لطلب المشركين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

اختلف الناس في الشيء الذي تتعلق به الكاف من قوله { كما } حسبما نبين من الأقوال التي أنا ذاكرها بعد بحول الله ، والذي يلتئم به المعنى ويحسن سرد الألفاظ قولان ، وأنا أبدأ بهما ، قال الفراء : التقدير : امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا كما أخرجك ربك ، هذا نص قوله في هداية مكي رحمه الله ، والعبارة بقوله : امض لأمرك ونفل من شئت غير محررة ، وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال : إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال ، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم ، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة ، فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم ها هنا للخروج ، وحكم الله في النفل بأنه لله وللرسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته ، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع الله ، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله { يجادلونك } كلاماً مستأنفاً يراد به الكفار ، أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان .

قال القاضي أبو محمد : وهذا الذي ذكرت من أن { يجادلونك } في الكفار منصوص{[1]} والقول الثاني قال مجاهد والكسائي وغيرهما : المعنى في هذه الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون هم .

قال القاضي أبو محمد : والتقدير على هذا التأويل يجادلونك في الحق مجادلة ككراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك ، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهية وكذلك وقع التشبيه في المعنى ، وقائل هذه المقالة يقول إن المجادلين هم المؤمنون ، وقائل المقالة الأولى يقول إن المجادلين هم المشركون ، فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقال الأخفش : الكاف نعت ل { حقاً } [ الأنفال : 4 ] ، والتقدير هم المؤمنون حقاً كما أخرجك .

قال القاضي أبو محمد : والمعنى على هذا التأويل كما تراه لا يتناسق وقيل الكاف في موضع رفع والتقدير : كما أخرجك ربك فاتقوا الله كأنه ابتداء وخبر .

قال القاضي أبو محمد : وهذا المعنى وضعه هذا المفسر وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر ، وقال أبو عبيدة : هو قسم أي لهم درجات ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك بتقدير والذي أخرجك ، فالكاف في معنى الواو و «ما » بمعنى الذي ، وقال الزجّاج : الكاف في موضع نصب والتقدير الأنفال ثابتة لك ثباتاً كما أخرجك ربك ، وقيل : الكاف في موضع التقدير لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ، هذا وعد حق كما أخرجك ، وقيل المعنى : وأصلحوا ذات بينكم ذلك خير لكم كما أخرجك ، والكاف نعت لخبر ابتداء محذوف ، وقيل التقدير : قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك ، وهذا نحو أول قول ذكرته ، وقال عكرمة : التقدير وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما أخرجك ربك أي الطاعة خير لكم كما كان إخراجك خيراً لكم{[2]} ، وقوله { من بيتك } يريد من المدينة يثرب ، قاله جمهور المفسرين وقال ابن بكير : المعنى كما أخرجك من مكة وقت الهجرة .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.