الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال " ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا ، فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاد ففعلنا ، فإذا نحن ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعدتنا ، فسر بذلك وحمد الله وقال : عدة أصحاب طالوت . فقال : ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ؟ فقلنا : يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ، ثم قال : ما ترون في قتال القوم ؟ فقلنا مثل ذلك ، فقال المقداد : لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) ( المائدة الآية 24 ) فأنزل الله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } إلى قوله { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين - إما القوم وإما العير - طابت أنفسنا ، ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أنشدك وعدك . فقال ابن رواحة : يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك - ورسول الله أفضل من أن نشير عليه - إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده . فقال : يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده فإن الله لا يخلف الميعاد ، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه القوم فانهزموا ، فأنزل الله ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) ( الأنفال الآية 17 ) فقتلنا وأسرنا . فقال عمر : يا رسول الله ما أرى أن تكون لك أسرى ، فإنما نحن داعون مؤلفون ؟ فقلنا معشر الأنصار : إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا . فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ ، ثم قال : ادعوا لي عمر فدعي له ، فقال له : إن الله قد أنزل علي ( ما كان لنبي أن تكون له أسرى ) ( الأنفال الآية 56 ) الآية " .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ، ثم خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر ، ثم خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله إيانا تريد . . . ؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ، ولا نكونن كالذين قالوا لموسى ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) ( المائدة الآية 24 ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ، ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره ، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له ، فصل حبال من شئت ، واقطع حبال من شئت ، وعاد من شئت ، وسالم من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت . فنزل القرآن على قول سعد { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } إلى قوله { ويقطع دابر الكافرين } وإنما رسول الله يريد غنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال " .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } قال : كذلك أخرجك ربك إلى قوله { يجادلونك في الحق } قال : القتال .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } قال : خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } قال : لطلب المشركين { يجادلونك في الحق بعدما تبين } أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به { كأنما يساقون إلى الموت } حين قيل هم المشركون .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء العدو ، وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر ، أمر الناس فتعبوا للقتال وأمرهم بالشوكة ، فكره ذلك أهل الإيمان ، فأنزل الله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } إلى قوله { وهم ينظرون } أي كراهية لقاء المشركين .

وأخرج البزار وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال : نزل الإسلام بالكره والشدة فوجدنا خير الخير في الكره ، خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فأسكننا سبخة بين ظهراني حرة فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر ، وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر على الحال التي ذكر الله { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } إلى قوله { وهم ينظرون } فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر فوجدنا خير الخير في الكره .

وأخرج ابن جرير عن الزبيري قال : كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير .