محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

وقوله تعالى : 5 { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤنين لكارهون }

{ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } الكاف في { كما } كاف التشبيه ، والعامل فيه يحتمل وجوها ، فإما هو معنى الفعل الذي دل عليه { قل الأنفال لله } تقديره نزع الأنفال من أيديهم بالحق ، كما أخرجك بالحق . وإما هو معنى الحق ، يعني هذا الذكر حق ، كما أخرجك بالحق . وإما أنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه ، أي حالهم هذه في كراهة تنفيل الغزاة ، كحال إخراجك من بيتك للحرب في كراهتهم له ( كما سيأتي في تفصيل القصة ) ، وهذا قول الفراء ، فإنه قال :الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته ، بالقصة المتقدمة ، التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها ، مع أنها أولى بحالهم .

وقوله تعالى : { من بيتك } أراد به بالمدينة ، أو المدينة نفسها ، لأنها مثواه . أي إخراجه إلى بدر ، وزعم بعض أن المراد إخراجه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة للهجرة . وهو ساقط برده سياق القصة البدرية في الآيات بعدُ . وملخصها{[4308]} أن أبا سفيان قدم بعيرٍ من الشام في تجارة عظيمة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها ، فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها ، وهم النفير . وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل ، فنجت ، فقيل لأبي جهل : ارجع فأبى وسار إلى بدر ، فشاور صلى الله عليه وسلم ، وقال لهم : " إن الله وعدني إحدى الطائفتين " ، فوافقوه على قتال النفير ، وكره بعضهم ذلك ، وقالوا : لم نستعد له ، كما قال تعالى : { يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } .


[4308]:انظر سيرة ابن هشام الصفحة رقم 257 من الجزء الثاني (طبعة الحلبي) والصفحة رقم 428 و 427 (طبعة جوتنجن).