الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

وقوله سبحانه : { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق . . . } [ بالأنفال : 5 ] .

اختلف في معنى هذه الآية ، فقال الفَرَّاءَ : التقدير امْضِ لأمرك في الغَنَائِمِ ، وإن كرهوا كما أخرجك رَبُّكَ .

قال ( ع ) : وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال : هذه الكاف شَبَّهَتْ هذه القِصَّةَ التي هي إِخْرَاجُهُ من بيته بالقِصَّةِ المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأَنْفَال ، كأنهم سألوا عن النَّفَلِ ، وتشاجروا ، فأَخرج اللَّه ذلك عنهم ، فكانت فيه الخِيَرَةُ ، كما كَرِهُوا في هذه القصة انْبِعَاثَ النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه اللَّه من بَيْتِهِ ، فكانت في ذلك الخِيَرَةُ ، وعلى هذا التأويل يُمْكِنُ أن يكون قوله : { يجادلونك } [ الأنفال : 6 ] كلاماً مُسْتَأْنَفاً يراد به الكفار ، أي : يجادلونك في شريعة الإسلام من بَعْد ما تَبَيَّنَ الحَقُّ فيها ، كأنما يساقون إلى المَوْتِ في الدُّعَاءِ إلى الإيمان ، وهذا الذي ذكرت من أن { يجادلونك } في الكُفَّار منصوص ، وقال مجاهد وغيره : المعنى في الآية : كما { أخرجك ربك من بَيْتِكَ } [ الأنفال : 5 ] على كَرَاهِيَةٍ من فريق منهم ، كذلك يُجَادِلُونَكَ في قتال كفار «مكة » ، ويوَدُّونَ غير ذَاتِ الشَّوْكَة من بعد ما تَبَيَّنَ لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به ، لا ما يُريدُون هم ، وقائل هذه المَقَالَةِ يقول : إن المجادلين هم المؤمنون ، وقائل المقالة الأولى يقول : إن المُجَادِلِينَ هم المشركون ، وهذان القولان يتم بهما المَعْنَى ، ويحسن رَصْفُ اللفظ .

وقيل غير هذا ، وقوله : { مِن بَيْتِكَ } يريد من «المدينة » «يثرب » قاله الجُمْهُور .