الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

قوله : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق }[ 5 ] ، الآية .

قال الكسائي{[26794]} : " الكاف " : نعت لمصدر : { يجادلونك } ، والتقدير{[26795]} : يجادلونك في الحق مجادلة { كما أخرجك }{[26796]} .

وقال الأخفش{[26797]} : " الكاف " نعت ل : " حق " ، والتقدير{[26798]} : هم المؤمنون حقا { كما أخرجك }{[26799]} .

وقيل : " الكاف " في موضع رفع ، والتقدير{[26800]} : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } { فاتقوا الله } ، كأنه ابتداء وخبر{[26801]} .

وقال أبو عبيدة : هو قسم{[26802]} ، أي : لهم درجات ومغفرة ورزق كريم ، والذي أخرجك من بيتك بالحق ، ف : " الكاف " بمعنى : " الواو " {[26803]} .

وقال الزجاج{[26804]} : " الكاف " في موضع نصب ، والتقدير{[26805]} : الأنفال ثابتة{[26806]} لك ثباتا { كما أخرجك ربك } ، والمعنى : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } وهم كارهون ، كذلك تنفل من رأيت{[26807]} .

وقال الفراء التقدير : امض لأمرك في الغنائم ، ونفِّل من شئت وإن كرهوا { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق }{[26808]} .

وقيل : " الكاف " في موضع رفع ، والتقدير{[26809]} :

{ إنما المومنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ، إلى : { لهم درجات عند ربهم{[26810]} ومغفرة ورزق كريم } ، هذا وعد وحق { كما أرجك ربك من بيتك بالحق }{[26811]} .

وقيل المعنى : { وأصلحوا ذات بينكم } ذلك خير لكم { كما أخرجك } ف : " الكاف " : نعت لخبر ابتداء محذوف هو الابتداء{[26812]} .

وقيل التقدير{[26813]} : { قل الانفال لله والرسول } { كما أخرجك }{[26814]} .

قال عكرمة في الآية : { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مومنين } { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق }{[26815]} ، أي : الطاعة خير لكم ، كما كان إخراجك من بيتك بالحق خيرا لك{[26816]} .

وقوله : { وإن فريقا من المومنين لكارهون }[ 5 ] .

قال ابن عباس : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأبي سفيان أنه مقبل من الشام ، ندب إليه{[26817]} من المسلمين ، وقال : هذه عير قريش{[26818]} فيها/أموالهم ، فاخرجوا إليها ، لعل الله أن ينفلكموها{[26819]} ! فانتدب الناس ، فخفّ بعضهم وثقُل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا{[26820]} . فنزلت : { وإن فريقا من المومنين لكارهون }{[26821]} .

قال السدي : { لكارهون } : لطلب المشركين{[26822]} .

{ لله والرسول }[ 1 ] ، وقف{[26823]} .

و{ مومنين }[ 1 ] ، وقف{[26824]} .

ويكون تقدير{[26825]} الآية وتفسيرها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما نظر إلى قلة المسلمين يوم بدر وإلى كثرة المشركين قال : " من قتل قتيلا فله كذا وكذا ، وإن أسر أسيرا فله كذا وكذا{[26826]} " ليرغبهم في القتال ، فلما هزمهم الله عز وجل ، وأظفره بهم ، قام إليه سعد بن عبادة{[26827]} ، فقال له : يا رسول الله ، إن أعطيت هؤلاء ما وعدتهم بقي خلق من المسلمين بغير شيء ، فأنزل الله : { قل الانفال لله والرسول } ، أي : يصنع فيها ما يشاء . فأمسكوا لما سمعوا ذلك على كراهية منهم له ، فأنزل الله عز وجل : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } ، أي : امض لأمر الله في الغنائم ، وهم كارهون لذلك ، أي : بعضهم ، كما مضيت لأمر الله عز وجل في خروجك وهم له كارهون ، أي : بعضهم{[26828]} .

فإن جعلت التقدير{[26829]} : { يسئلونك عن الانفال } كما جادلوك يوم بدر ، فقالوا : لم تخرجنا للقتال فنستعد{[26830]} له ، إنما أخرجتنا للغنيمة ، فلا يحسن الوقف على ما قبل " الكاف " على هذا{[26831]} .

وعلى قول أبي عبيدة أن " الكاف " في موضع : واو القسم ، يحسن الوقف على ما قبل " الكاف " كأنه قال : والذي أخرجك من بيتك بالحق ، كما قال : { وما خلق الذكر والانثى }{[26832]} ، أي : والذي خلق الذكر{[26833]} .


[26794]:إعراب القرآن للنحاس 2/176، والمحرر الوجيز 2/502، والبحر المحيط 4/456.
[26795]:في الأصل: والتقرين. وهو تحريف.
[26796]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/309، من غير نسبة: "الكاف" في: {كما} في موضع نصب نعت لمصدر: {يجادلونك}، أي: جدالا {كما}. وهذا الوجه الإعرابي شبيه بقول مجاهد في تفسيره:352. وهو الاختيار عند الطبري في: جامع البيان 13/393. ولمزيد من التوضيح، انظر: المحرر الوجيز 2/502، والبحر المحيط 4/456.
[26797]:معاني القرآن 1/345.
[26798]:في الأصل: التقرين، وهو تحريف.
[26799]:مشكل إعراب القرآن 1/310، والبيان في غريب القرآن 1/383، والتبيان في إعراب القرآن 2/616، من غير نسبة. وهو منسوب في إعراب القرآن للنحاس 2/176، والمحرر الوجيز 2/502، وتفسير القرطبي 7/234، والبحر المحيط 4/456.
[26800]:في الأصل: والتقرين، وهو تحريف.
[26801]:مشكل إعراب القرآن 1/310، والمحرر الوجيز 2/502، والبحر المحيط 4/456، من غير نسبة. انظر: معاني القرآن للأخفش 1/345.
[26802]:مجاز القرآن 1/240، بلفظ: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق}، مجازها مجاز القسم، كقولك: والذي أخرجك ربك؛ لأن "ما" في موضع "الذي"...".
[26803]:المحرر الوجيز 2/502. وينظر: التبيان في إعراب القرآن 2/616، والبحر المحيط 4/456. وساقه في مشكل إعراب القرآن 1/310، بلفظ: "وقيل: "الكاف" بمعنى الواو للقسم، أي: الأنفال لله والرسول والذي أخرجك".
[26804]:في "ر": الزجاجي، وهو تحريف؛ لأن القائل هو: أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (ت311هـ)، وليس أبا القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت337هـ).
[26805]:في الأصل: التقرين، وهو تحريف.
[26806]:في الأصل: ثابتت.
[26807]:معاني القرآن وإعرابه 2/399، 400،، بزيادة في ألفاظه. وهو في مشكل إعراب القرآن 1/309، بلفظ: "وقيل: هي[أي: الكاف] نعت لمصدر دل عليه معنى الكلام، تقديره: قل الأنفال ثابتة لله والرسول ثبوتا {كما أخرجك}. انظر: تفسير القرطبي 7/233، والبحر المحيط 4/456.
[26808]:هذا مختصر قول الفراء، كما في إعراب القرآن للنحاس 2/176. وانظره بتمامه في معاني القرآن 1/403. وتعقبه ابن عطية في المحرر الوجيز 2/501، 502 بعد قوله: "...، هذا نص قوله في هداية مكي، رحمه الله،...".
[26809]:في الأصل: والتقرين، وهو تحريف.
[26810]:"درجت عند ربهم" كررت في الأصل.
[26811]:انظر: بتمامه في إعراب القرآن للنحاس 2/176، فهو أحسن الأقوال عنده. وعنه نقل مكي، رحمه الله. وأورده ابن عطية في المحرر الوجيز 2/502، بنص عبارة مكي. واختاره القرطبي في تفسيره 7/234.
[26812]:المحرر الوجيز 2/502، بدون كلمة: الابتداء. وتعقبه أبو حيان في البحر 4/457.
[26813]:في الأصل: التقرين، وهو تحريف.
[26814]:المحرر الوجيز 2/502، وزاد: "وهذا نحو أول قول ذكرته". وأول قول ذكره هو قول الفراء.
[26815]:زيادة من "ر" وجامع البيان.
[26816]:انظر: جامع البيان 13/391، وتفسير ابن كثير 2/286.
[26817]:في مصدري التوثيق، ص: 500، هامش 1: ندب إليه المسلمين.
[26818]:العير، بالكسر، الإبل تحمل المبرة، ثم غلب على كل قافلة، المصباح/عير.
[26819]:أنفلت الرجل ونفلته، بالألف وبالتثقيل: وهبت له النفل وغيره، وهو عطية لا تريد ثوابها منه. المصباح / نفل.
[26820]:جامع البيان 13/394، وسيرة ابن هشام 1/606.
[26821]:جامع البيان 13/395، ولباب النقول في أسباب النزول 189، والدر المنثور 4/14.
[26822]:جامع البيان 13/394، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1659، وتفسير ابن كثير 2/287، والدر المنثور 4/16.
[26823]:وهو حسن، في القطع والإئتناف 348. وكاف في المكتفى 284، ومنار الهدى 156.
[26824]:وهو تام، في القطع والإئتناف 348، والمكتفى 284، والمقصد لتخليص ما في المرشد 156.
[26825]:في الأصل: تقرين، وهو تحريف.
[26826]:جزء من حديث طويل رواه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في النفل، رقم 2360.
[26827]:بل قام إليه: سعد بن معاذ، سيد الأوس، الذي اهتز عرش الرحمن لموته، كما في معاني القرآن للفراء 1/403، وتفسير هود بن محكم الهواري 2/73، وتفسير ابن كثير 2/284، وهو الذي شهد بدرا باتفاق. الإصابة 3/70. أما سعد بن عبادة، سيد الخزرج، فقد اختلف في شهوده بدرا. انظر: الاستيعاب 2/161، وأسد الغابة 2/422، والإصابة 3/55.
[26828]:انظر: معاني القرآن للفراء 1/403، وتأويل مشكل القرآن 220، وتفسير هود بن محكم الهواري 2/73، وتفسير الرازي 8/129، وتفسير ابن كثير 2/284.
[26829]:في الأصل: التقرين، وهو تحريف.
[26830]:في الأصل: فتستعد، بتاء مثناة من فوق، وهو تصحيف.
[26831]:انظر: القطع والإئتناف 348، ومنار الهدى 156.
[26832]:الليل: آية 3.
[26833]:انظر: القطع والإئتناف 348، ومنار الهدى 156.