فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

قوله : { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق } . قال الزجاج : الكاف في موضع نصب ، أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، أي مثل إخراج ربك ، والمعنى : امض لأمرك في الغنائم . ونفل من شئت ، وإن كرهوا ، لأن بعض الصحابة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل لكل من أتى بأسير شيئاً قال : بقي أكثر الناس بغير شيء . فموضع الكاف نصب كما ذكرنا . وبه قال الفراء . وقال أبو عبيدة : هو قسم ، أي والذي أخرجك ، فالكاف بمعنى الواو ، و ما بمعنى الذي . وقال الأخفش سعيد بن مسعدة المعنى أولئك هم المؤمنون حقاً كما أخرجك ربك . وقال عكرمة المعنى : أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك ربك .

وقيل : كما أخرجك متعلق بقوله : { لَّهُمْ درجات } أي هذا الوعد للمؤمنين حق في الآخرة { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق } الواجب له ، فأنجز وعدك وظفرك بعدوّك وأوفى لك . ذكره النحاس واختاره . وقيل الكاف في { كما } كاف التشبيه على سبيل المجازاة كقول القائل لعبده : كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك ، وسألت مدداً فأمددتك وقوّيتك وأزحت علتك ، فخذهم الآن فعاقبهم . وقيل : إن الكاف في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه الحال كحال إخراجك . يعني أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب ، ذكره صاحب الكشاف . وبالحق متعلق بمحذوف ، والتقدير : إخراجاً متلبساً بالحق الذي لا شبهة فيه ، وجملة { وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ } في محل نصب على الحال ، أي كما أخرجك في حال كراهتهم لذلك ، لأنه لما وعدهم الله إحدى الطائفتين ، إما العير أو النفير ، رغبوا في العير لما فيها من الغنيمة والسلامة من القتال كما سيأتي بيانه .

/خ8