المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

20- واذكر - أيها الرسول - حينما قال موسى لقومه : يا قوم اذكروا بالشكر والطاعة نعم الله عليكم ، حيث اختار منكم أنبياء كثيرين ، وجعلكم أعزة كالملوك ، بعد أن كنتم أذلاّء في مملكة فرعون ، ومنحكم من النعم الأخرى ما لم يؤت أحداً غيركم من العالمين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

{ 20 - 26 } { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ }

إلى آخر القصة{[260]}  لما امتن الله على موسى وقومه بنجاتهم من فرعون وقومه وأسرهم واستبعادهم ، ذهبوا قاصدين لأوطانهم ومساكنهم ، وهي بيت المقدس وما حواليه ، وقاربوا وصول بيت المقدس ، وكان الله قد فرض عليهم جهاد عدوهم ليخرجوه من ديارهم . فوعظهم موسى عليه السلام ؛ وذكرهم ليقدموا على الجهاد فقال لهم : { اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } بقلوبكم وألسنتكم . فإن ذكرها داع إلى محبته تعالى ومنشط على العبادة ، { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ } يدعونكم إلى الهدى ، ويحذرونكم من الردى ، ويحثونكم على سعادتكم الأبدية ، ويعلمونكم ما لم تكونوا تعلمون { وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا } تملكون أمركم ، بحيث إنه زال عنكم استعباد عدوكم لكم ، فكنتم تملكون أمركم ، وتتمكنون من إقامة دينكم .

{ وَآتَاكُمْ } من النعم الدينية والدنيوية { مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ } فإنهم في ذلك الزمان خيرة الخلق ، وأكرمهم على الله تعالى . وقد أنعم عليهم بنعم ما كانت لغيرهم .


[260]:- في ب: كتب الآيات إلى قوله: "فلا تأس على القوم الفاسقين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مّلُوكاً وَآتَاكُمْ مّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن الْعَالَمِينَ } . .

وهذا أيضا من الله تعريف لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قديم بتمادي هؤلاء اليهود في الغيّ وبعدهم عن الحقّ وسوء اختبارهم لأنفسهم وشدّة خلافهم لأنبيائهم وبطء إنابتهم إلى الرشاد ، مع كثرة نعم الله عندهم وتتابع أياديه وآلائه عليه ، مسليا بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يحلّ به من علاجهم وينزل به من مقاساتهم في ذات الله . يقول الله له صلى الله عليه وسلم : لا تأس على على ما أصابك منهم ، فإن الذهاب عن الله والبعد من الحقّ وما فيه لهم الحظّ في الدنيا والاَخرة من عاداتهم وعادات أسلافهم وأوائلهم ، وتعزّ بما لاقى منهم أخوك موسى صلى الله عليه وسلم ، واذكر إذ قال موسى لهم : يا قَوْم اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ يقول : اذكروا أياديَ الله عندكم وآلاءه قِبَلكم . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ قال : أيادي الله عندكم وأيامه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ يقول : عافية الله .

وإنما أخترنا ما قلنا ، لأن الله لم يخصص من النعم شيئا ، بل عمّ ذلك بذكر النعم ، فذلك على العافية وغيرها ، إذ كانت العافية أحد معاني النعم .

القول في تأويل قوله تعالى : إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا .

يعني بذلك جلّ ثناؤه ، أن موسى ذكّر قومه من بني إسرائيل بأيام الله عندهم وبآلائه قِبَلهم ، فحرّضهم بذلك على اتباع أمر الله في قتال الجبارين ، فقال لهم : اذكروا نعمة الله عليكم أنْ فَضّلَكم بأن جعل فيكم أنبياء يأتونكم بوحيه ويخبرونكم بآياته الغيب ، ولم يعط ذلك غيركم في زمانكم هذا . فقيل إن الأنبياء الذين ذكرهم موسى أنهم جُعِلوا فيهم هم الذين اختارهم موسى ، إذ صار إلى الجبل وهم السبعون الذين ذكرهم الله ، فقال : واخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا .

وجَعَلَكُمْ مُلُوكا سخر لكم من غيركم خدّ ما يخدمونكم . وقيل : إنما قال ذلك لهم موسى ، لأنه لم يكن في ذلك الزمان أحد سواهم يخدمه أحد من بني آدم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذْ قال مُوسَى لقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُم أنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال : كنا نحدّث أنهم أوّل من سخر لهم الخدم من بني آدم وملكوا .

وقال آخرون : كلّ من ملك بيتا وخادما وامرأة ، فهو مَلِك كائنا من كان من الناس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا أبو هانىء ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل ، فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ نعم . قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم . قال : فأنت من الأغنياء . فقال : إن لي خادما . قال : فأنت من الملوك .

حدثنا الزبير بن بكار ، قال : حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض ، قال : سمعت زيد بن أسلم ، يقول : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاٍ فلا أعلم إلاّ أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كانَ لَهُ بَيْتٌ وَخادِمٌ فَهُوَ مَلِكٌ » .

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، أنه تلا هذه الاَية : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا فقال : وهل الملكِ إلاّ مركب وخادم ودار ؟

فقال قائلو هذه المقالة : إنما قال لهم موسى ذلك ، لأنهم كانوا يملكون الدور والخدم ، ولهم نساء وأزواج . ذكر من قال ذلك :

حدثنا سفيان بن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، قال : أراه عن الحكم : وَجَعَلَكمْ مُلُوكا قال : كانت بنو إسرائيل إذا كان للرجل منهم بيت وامرأة وخادم ، عدّ ملكا .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان . ح ، وحدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن الحكم : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال : الدار والمرأة والخادم . قال سفيان : أو اثنتين من الثلاثة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن ابن عباس في قوله : وَجَعَلكُمْ مُلُوكا قال : البيت والخادم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن الحكم أو غيره ، عن ابن عباس ، في قوله : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال : الزوجة والخادم والبيت .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال : جعل لكم أزواجا وخدما وبيوتا .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عليّ بن محمد الطنافسي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج بن تميم ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قول الله : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار يسمى ملكا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبدالرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال : ملّكهم الخدم . قال قتادة : كانوا أوّل من ملك الخدم .

حدثني الحرث بن محمد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال : جعل لكم أزواجا وخدما وبيوتا .

وقال آخرون : إنما عنى بقوله : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا أنهم بملكون أنفسهم وأهليهم وأموالهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا يملك الرجل منكم نفسه وأهله وماله .

القول في تأويل قوله تعالى : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ .

اختلف فيمن عنُوا بهذا الخطاب ، فقال بعضهم : عُني به أمة محمد صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ قالا : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : عُني به قوم موسى صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : هم قوم موسى .

حدثني الحارث بن محمد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان ، قال : حدثنا سفيان عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ قال : هم بين ظهرانيه يومئذٍ .

ثم اختلفوا في الذي آتاهم الله ما لم يؤت أحد من العالمين ، فقال بعضهم : هو المنّ والسلوى والحجر والغمام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمينَ قال : المنّ والسلوى والحجر والغمام .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ يعني أهل ذلك الزمان ، المنّ والسلوى والحجر والغمام .

وقال آخرون : هو الدار والخادم والزوجة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا بشر بن السريّ ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ قال : الرجل يكون له الدار والخادم والزوجة .

حدثني الحرث . قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ المنّ والسلوى والحجر والغمام .

وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، خطاب لبني إسرائيل ، حيث جاء في سياق قوله : اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ومعطوفا عليه . ولا دلالة في الكلام تدلّ على أن قوله : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ مصروف عن خطاب الذين ابتدىء بخطابهم في أوّل الاَية . فإذا كان ذلك كذلك ، فأن يكون خطابا لهم أولى من أن يقال : هو مصروف عنهم إلى غيرهم . فإن ظنّ ظانّ أن قوله : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ لا يجوز أن يكون خطابا لبني إسرائيل ، إذ كانت أمة محمد قد أوتيت من كرامة الله نبيها عليه الصلاة والسلام محمدا ، ما لم يؤت أحدا غيرهم ، وهم من العالمين فقد ظنّ غير الصواب ، وذلك أن قوله : وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَمِينَ خطاب من موسى صلى الله عليه وسلم لقومه يومئذٍ ، وعنى بذلك عالمي زمانه لا عالمي كلّ زمان ، ولم يكن أُوتي في ذلك الزمان من نعم الله وكرامته ما أُوتي قومه صلى الله عليه وسلم أحد من العالمين ، فخرج الكلام منه صلى الله عليه وسلم على ذلك لا على جميع كلّ زمان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

{ وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء } فأرشدكم وشرفكم بهم ولم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ، { وجعلكم ملوكا } أي وجعل منكم أو فيكم ، وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون حتى قتلوا يحيى وهموا بقتل عيسى ، وقيل : لما كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله وجعلهم مالكين لأنفسهم وأمورهم سماهم ملوكا . { وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } من فلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى ونحوها مما آتاهم الله ، وقيل : المراد بالعالمين عالمي زمانهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

عطف القصة على القصص والمواعظ . وتقدّم القول في نظائر { وإذ قال } في مواضع منها قوله تعالى : { وإذ قال ربّك للملائكة } في البقرة ( 30 ) .

ومناسبة موقع هذه الآيات هنا أنّ القصة مشتملة على تذكير بنعم الله تعالى عليهم وحثّ على الوفاء بما عاقدوا الله عليه من الطاعة تمهيداً لطلب امتثالهم .

وقدّم موسى عليه السلام أمره لبني إسرائيل بحرب الكنعانيين بتذكيرهم بنعمة الله عليهم ليُهيّىء نفوسهم إلى قبول هذا الأمر العظيم عليهم وليُوثقهم بالنصر إن قاتلوا أعداءهم ، فذكر نعمة الله عليهم ، وعَدّ لهم ثلاث نعم عظيمة :

أولاها : أنّ فيهم أنبياء ، ومعنى جَعْل الأنبياء فيهم فيجوز أن يكون في عمود نسبهم فيما مضى مثل يوسف والأسباط وموسى وهارون ، ويجوز أن يراد جعل في المخاطبين أنبياءَ ؛ فيحتمل أنّه أراد نفسه ، وذلك بعد موت أخيه هارون ، لأنّ هذه القصّة وقعتْ بعد موت هارون ؛ فيكون قوله { أنبياءَ } جمعاً أريد به الجنس فاستوى الإفراد والجمع ، لأنّ الجنسية إذا أريدت من الجمع بطلت منه الجمعية ، وهذا الجِنس انحصر في فرد يومئذٍ ، كقوله تعالى { يحكم بها النبيئون الذين أسلموا للذين هادوا } [ المائدة : 44 ] يريد محمداً صلى الله عليه وسلم أو أراد من ظهر في زمن موسى من الأنبياء . فقد كانت مريم أخت موسى نبيئة ، كما هو صريح التوراة ( إصحاح 15 من الخروج ) . وكذلك ألْدَاد ومَيْدَاد كانا نبيئين في زمنَ موسى ، كما في التّوراة ( إصحاح11 سفر العدد ) . وموقع النعمة في إقامة الأنبياء بينهم أنّ في ذلك ضمانَ الهدى لهم والجري على مراد الله تعالى منهم ، وفيه أيضاً حسن ذكر لهم بين الأمم وفي تاريخ الأجيال .

والثانية : أنْ جعلهم ملوكاً ، وهذا تشبيه بليغ ، أي كالملوك في تصرّفهم في أنفسهم وسلامتهم من العبوديّة الّتي كانت عليهم للقبط ، وجعلهم سادة على الأمم التي مرّوا بها ، من الآموربين ، والعَناقيين ، والحشبونيين ، والرفائيين ، والعمالقة ، والكنعانيين ، أو استعمل فعل { جعلكم } في معنى الاستقبال مثل { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] قصداً لتحقيق الخبر ، فيكون الخبر بشارة لهم بما سيكون لهم .

والنعمة الثالثة : أنّه آتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين ، ومَا صدقُ ( ما ) يجوز أن يكون شيئاً واحداً ممّا خَصّ الله به بني إسرائيل ، ويجوز أن يكون مجموع أشياء إذ آتاهم الشريعة الصحيحة الواسعة الهدى المعصومة ، وأيّدهم بالنّصر في طريقهم ، وساق إليهم رزقَهُم المنّ والسلوى أربعين سنة ، وتولّى تربية نفوسهم بواسطة رُسله .