تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

المفردات :

ملوكا : أحرار ، عندكم ما تملكون به من أموركم ، بعد أن كنتم مملوكين للفراعنة .

التفسير :

20-ِ و إذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ . . . الآية .

من شأن القرآن أن يلون في موعظة ، وأن ينتقل القارئ من الخطاب إلى الغائب ؛ ترويجا للنفس وتنشيطا للذهن .

والمعنى : واذكر لهم- أيها الرسول- ما حدث من أسلافهم وقت أن قال موسى- عليه السلام- لقومه ناصحا لهم :

يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ . تذكروا إنعام الله عليكم ، وموسى يذكرهم بألوان النعم التي تفضل الله بها عليهم . ومنها على سبيل المثال :

1- فجر الله لهم من الصخر ينابيع في جوف الصحراء .

2- أنزل الله عليهم المن والسلوى طعاما سائغا من أيسر سبيل .

3- أرسل إليهم الرسل والأنبياء .

4- فضلهم على عالمي زمانهم حين اتبعوا أمر التوراة والتزموا بتعاليم السماء .

5- نجاهم من فرعون وأغرق فرعون وقومه .

6- ملكهم شئون أنفسهم بعد أن كانوا عبيدا لفرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم فنجاهم منه وجعل أمر أنفسهم بأيديهم .

7- أنزل التوراة على موسى وفيها الهداية والرحمة لهم .

إلى غير ذلك من النعم ؛ ومنها أيضا قصة البقرة التي أمروا بذبحها وضرب قتيل بذنبها فيقوم ويقول : قتلني فلان .

إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا . أي : لأنه جعل فيكم أنبياء كثيرين ، ولم يبعث في أمة من الأمم من الأنبياء مثل ما بعث في بني إسرائيل .

وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا . أي : جعلكم أحرارا تملكون أمر أنفسكم وأموالكم ، بعد أن كنتم عبيدا مستذلين لفرعون وجنده .

وقال عبد الرزاق عن ابن عباس في قوله : وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا .

قال : الخادم والمرأة و البيت .

وعنه قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار ؛ سمى ملكا . وقال الحسن البصري : هل الملك إلا مركب وخادم ودار ، رواه ابن جرير .

وقال السدي في قوله : وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ، قال : يملك الرجل منكم نفسه وماله وأهله ، وقد ورد في الحديث : " من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " {[195]} .

وروى ابن جرير الطبري ، أن رجلا قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ .

فقال عبد الله له : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال نعم .

قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم .

قال : فأنت من الأغنياء .

فقال الرجل : إن لي خادما ، قال : فأنت من الملوك .

وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ . وأعطاكم من النعم ما لم يعط غيركم من العالمين ، إذ نجاكم من عدوكم ، وشق البحر لكم ، وأغرق فرعون وجنوده ، وأظلكم بالغمام ، وانزل عليكم المن والسلوى وغير ذلك .


[195]:من أصبح منكم آمنا في سربه: رواه الترمذي في الزهد (2346) وابن ماجه في الزهد (4141) من حديث سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا: قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مروان بن معاوية وحيزت جمعت.