مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

قوله تعالى { وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين }

واعلم أن وجه الاتصال هو أن الواو في قوله { وإذ قال موسى لقومه } واو عطف ، وهو متصل بقوله { ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسراءيل } كأنه قيل : أخذ عليهم الميثاق وذكرهم موسى نعم الله تعالى وأمرهم بمحاربة الجبارين فخالفوا في القول في الميثاق ، وخالفوه في محاربة الجبارين . وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : أنه تعالى من عليهم بأمور ثلاثة : أولها : قوله { إذ جعل فيكم أنبياء } لأنه لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ، فمنهم السبعون الذين اختارهم موسى من قومه فانطلقوا معه إلى الجبل ، وأيضا كانوا من أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهؤلاء الثلاثة بالاتفاق كانوا من أكابر الأنبياء ، وأولاد يعقوب أيضا كانوا على قول الأكثرين أنبياء ، والله تعالى اعلم موسى أنه لا يبعث الأنبياء إلا من ولد يعقوب ومن ولد إسماعيل ، فهذا الشرف حصل بمن مضى من الأنبياء ، وبالذين كانوا حاضرين مع موسى ، وبالذين أخبر الله موسى أنه سيبعثهم من ولد يعقوب وإسماعيل بعد ذلك ، ولا شك أنه شرف عظيم ، وثانيها : قوله { وجعلكم ملوكا } وفيه وجوه : أحدها : قال السدي : يعني وجعلكم أحرارا تملكون أنفسكم بعد ما كنتم في أيدي القبط بمنزلة أهل الجزية فينا ، ولا يغلبكم على أنفسكم غالب ، وثانيها : أن كل من كان رسولا ونبيا كان ملكا لأنه يملك أمر أمته ويملك التصرف فيهم ، وكان نافذ الحكم عليهم فكان ملكا ، ولهذا قال تعالى : { فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم ملكا عظيما } وثالثها : أنه كان في أسلافهم وأخلافهم ملوك وعظماء ، وقد يقال فيمن حصل فيهم ملوك : أنتم ملوك على سبيل الاستعارة ، ورابعها : أن كل من كان مستقلا بأمر نفسه ومعيشته ولم يكن محتاجا في مصالحه إلى أحد فهو ملك . قال الزجاج : الملك من لا يدخل عليه أحد إلا بإذنه . وقال الضحاك : كانت منازلهم واسعة وفيها مياه جارية ، وكانت لهم أموال كثيرة وخدم يقومون بأمرهم ، ومن كان كذلك كان ملكا .

والنوع الثالث : من النعم التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية قوله { وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } وذلك لأنه تعالى خصهم بأنواع عظيمة من الإكرام : أحدها : أنه تعالى فلق البحر لهم ، وثانيها : أنه أهلك عدوهم وأورثهم أموالهم ، وثالثها : أنه أنزل عليهم المن والسلوى ، ورابعها : أنه أخرج لهم المياه العذبة من الحجر ، وخامسها : أنه تعالى أظلل فوقهم الغمام ، وسادسها : أنه لم يجتمع لقوم الملك والنبوة كما جمع لهم ، وسابعها : أنهم في تلك الأيام كانوا هم العلماء بالله وهم أحباب الله وأنصار دينه .