السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (20)

{ وإذ قال موسى لقومه } أي : من اليهود { يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم } أي : إنعامه فذكرهم بثلاثة أمور ، أولها : قوله تعالى : { إذ } أي : حين { جعل فيكم } أي : منكم { أنبياء } فأرشدكم وشرفكم بهم ولم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم وحمزة والكسائي بإظهار ذال «إذ » عند الجيم وأدغمها أبو عمرو وهشام ، وثانيها : قوله تعالى : { وجعلكم ملوكاً } أي : وجعل منكم أو فيكم فقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون حتى قتلوا يحيى وهمّوا بقتل عيسى وقال ابن عباس : وأصحاب خدم وحشم ، قال قتادة : كانوا أوّل من ملك الخدم ولم يكن قبلهم خدم .

وعن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنه قال : ( كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكاً ) وقال أبو عبد الرحمن الجيلي : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المسلمين المهاجرين ؟ فقال عبد الله له : يا هذا ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال : نعم قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم قال : فأنت غنيّ من الأغنياء قال : ألك خادم ؟ قال : نعم قال : أنت من الملوك . وقال السديّ : وجعلكم أحراراً تملكون أمر أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط يستعبدونكم ، وقال الضحاك : كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعاً وفيه نهر جارٍ فهو ملك .

وثالثها : قوله تعالى : { وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين } وذلك ، لأنه تعالى خصهم بأنواع عظيمة من الإكرام كفلق البحر لهم وأهلك عدوّهم وأورثهم أموالهم وأنزل عليهم المنّ والسلوى وأخرج لهم المياه الغزيرة من الحجر وأظلّ فوقهم الغمام ، ولم يجتمع الملك والنبوّة لقوم كما اجتمعا لهم ، وكانوا في تلك الأيام هم العلماء بالله تعالى وهم أحباب الله وأنصار دينه ، وقيل : المراد بالعالمين عالمو زمانهم . وقال الكلبيّ : إن جعلت العالمين عامّاً وجب تخصيص «ما » لئلا يلزم أنهم أوتوا ما لم تؤت هذه الأمّة من الكرامة والفضل وغير ذلك وإن خصصته بعالمي زمانهم ف«ما » باقية على عمومها إذ لا محذور .