المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

95- إن دلائل قدرة الله على البعث ، واستحقاقه وحده للعبادة ، وبعثه للناس من قبورهم ، متوافرة متنوعة ، فهو وحده الذي يشق الحب ، ويخرج منه النبات ، ويشق النوى ويخرج منه الشجر ، ويخرج الحي من الميت كالإنسان من التراب ، ويخرج الميت من الحي كاللبن من الحيوان ، ذلك القادر العظيم هو الإله الحق ، فليس هناك صارف يصرفكم عن عبادته إلى عبادة غيره{[61]} .


[61]:من دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى خلق الحب والنوى والجنين في كل مكان منها يشغل حيزا ضيقا منها. أما باقي جسم الحبة أو النواة فيتكون من مواد مكتنزة غير حية وعندما يتنبه الجنين ويبدأ في الإنبات تتحول هذه المواد المكتنزة إلى حالة صالحة لتغذية الجنين ويبدأ في النمو وتتكون الخلايا الحية حتى تنتقل الحبة الثانية من طور الإنبات إلى طور البادرة فيبدأ النبات في الاعتماد على غذائه من الأملاح المذابة في ماء التربة التي يمتصها الجنين مع تكون الأوراق الخضراء من مواد كربوايدراتية كالسكريات والنشويات في وجود ضوء الشمس وعندما تتم دورة حياة النبات تتكون الثمار وبداخلها الحب والنوى من جديد (انظر التعليق العلمي على تفسير الآية 27 من سورة آل عمران).
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

{ 95 - 98 } { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

يخبر تعالى عن كماله ، وعظمة سلطانه ، وقوة اقتداره ، وسعة رحمته ، وعموم كرمه ، وشدة عنايته بخلقه ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ } شامل لسائر الحبوب ، التى يباشر الناس زرعها ، والتي لا يباشرونها ، كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار ، فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت ، على اختلاف أنواعها ، وأشكالها ، ومنافعها ، ويفلق النوى عن الأشجار ، من النخيل والفواكه ، وغير ذلك . فينتفع الخلق ، من الآدميين والأنعام ، والدواب . ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى ، ويقتاتون ، وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك . ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول ، ويذهل الفحول ، ويريهم من بدائع صنعته ، وكمال حكمته ، ما به يعرفونه ويوحدونه ، ويعلمون أنه هو الحق ، وأن عبادة ما سواه باطلة .

{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } كما يخرج من المني حيوانا ، ومن البيضة فرخا ، ومن الحب والنوى زرعا وشجرا .

{ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ } وهو الذي لا نمو فيه ، أو لا روح { مِنَ الْحَيِّ } كما يخرج من الأشجار والزروع النوى والحب ، ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك .

{ ذَلِكُمْ } الذي فعل ما فعل ، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها { اللَّهُ } رَبُّكُمْ أي : الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين ، وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه ، وغذاهم بكرمه . { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فأنى تصرفون ، وتصدون عن عبادة من هذا شأنه ، إلى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا ؟ "

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

وبعد أن ساق - سبحانه - ألواناً من الدلائل على وحدانيته ، وعلى صدق نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، شرع - سبحانه - فى سرد مظاهر قدرته ، وكمال علمه وحكمته عن طريق التأمل فى هذا الكون العجيب ، وفى بدائع مخلوقاته فقال - تعالى - : { إِنَّ الله . . . } .

قوله : { إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى } .

فالق : أى شاق ، والفلق هو الشق وقيل ، فالق بمعنى خالق وأنكر ابن جرير الطبرى ذلك وقال : لا يعرف فى كلام العرب فلق الشىء بمعنى خلق .

والحب : ما ليس له نوى كالحنطة والشعير .

والنوى : جمع نواة وهو الموجود فى داخل الثمرة ، مثل نوى التمر وغيره .

والمعنى : أن الله وحده هو الذى يشق الحبة اليابسة كالحنطة فيخرج منها النبات الأخضر النامى ، ويشق النواة الصلبة فيخرج منها النخلة والشجرة النامية ، وفى ذلك أكبر دلالة على قدرة الله التى لا تحد وعلى أنه هو المستحق للعبادة لا غيره .

هذا ، وقد أفاض الإمام الرازى وهو يتحدث عن هذه الآية فى بيان قدرة الله فقال ما ملخصه :

" إذا عرفت هذا فنقول : إنه إذا وقعت الحبة أو النواة فى الأرض الرطبة ثم مر بها قدر من المدة أظهر الله - تعالى - فى تلك الحبة والنواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا آخرن فالأول يخرج من الشجرة الصاعدة إلى الهواء ، والثانى يخرج منه الشجرة الهابطة فى الأرض ثم إن ها هنا عجائب .

فإحداها : أن طبيعة تلك الشجرة إن كانت تقتضى الهوى فى عمق الأرض فكيف تولدت منها الشجرة الصاعدة فى الهواء ؟ وإن كانت تقتضى الصعود فى الهواء فكيف تولدت منها الشجرة الهابطة فى الأرض ؟ فلما تولد منها الشجرتان مع أن الحس والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشجرتين مضادة لطبيعة الشجرة الأخرى - علمنا أن ذلك ليس بمقتضى الطبع والخاصية ، بل بمقتضى الإيجاد والإبداع والتكوين .

وثانيهما : أن باطن الأرض جرم كثيف صلب لا تنفذ المسلة القوية فيه ولا يغوص السكين الحاد القوى فيه ، ثم إنا نشاهد أطراف تلك العروق فى غاية الدقة واللطافة وبحيث لو دلكها الإنسان بإصبعه بأدنى قوة لصارت كالماء ، ثم إنها مع غاية اللطافة تقوى على النفوذ فى تلك الارض الصلبة ، والغوص فى بواطن تلك الأجرام الكثيفة . فحصول هذه القرى الشديدة لهذه الأجرام الضعيفة التى هى فى غاية اللطافة لا بد وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم .

ثم قال - رحمه الله - بعد كلام طويل : فانظر أيها المسكين بعين رأسك فى تلك الورقة الواحدة من تلك الشجرة ، واعرف كيفية خلقه تلك العروق والأوتار فيها ، ثم انتقل من مرتبة إلى ما فوقها حتى تعرف أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة فى الأرواح البشرية ، فحينئذ ينفتح لك باب من المكاشفات لا آخر له ، ويظهر لك أن أنواع نعم الله فى حقك غير متناهية كما قال : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا } وكل ذلك إنما ظهر من كيفية خلقه تلك الورقة من الحبة والنواة .

وقوله { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } أى : يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات والشجر مما لا ينمو كالنطفة والحبة .

والجملة الكريمة مستأنفة مبينة لما قبلها ولذلك ترك العطف ، وقيل خبر ثان ولم يعطف لاستقلاله فى الدلالة على عظمة الله - تعالى - .

وقوله : { وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي } أى : مخرج الميت كالحب والنوى من النبات والبيضة والنطفة من الحيوان .

قال صاحب المنار : فإن قيل إن علماء المواليد يزعمون أن فى كل اصول الأحياء حياة فكل ما ينبت من ذلك ذو حياة كامنة إذا عقم بالصناعة لا ينبت ، قلنا : إن هذا اصطلاح لهم يسمون القوة أو الخاصية التى يكون بها الحب قابلا للإنبات حياة ، ولكن هذا لا يصح فى اللغة إلا بضرب من التجوز وإنما حقيقة الحياة فى اللغة ما يكون به الجسم متغذياً نامياً بالفعل ، وهذا أدنى مراتب الحياة عند العرب ، ولها مراتب أخرى كالإحساس والقدرة والإرادة والعلم والعقل والحكمة والنظام ، وهذا أعلى مراتب الحياة فى المخلوق .

ونقل بعض المفسرين عن ابن عباس أن معنى الجملتين : يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ومثله إخراج البار من الفاجر والصالح من الطالح والعالم من الجاهل وعكسه ، وذلك بحمله الحياة والموت على المعنوى منها كما فى قوله - تعالى - { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } ويبدو لنا أن حمل الحياة والموت هنا على المعنى المعنوى لا يناسبه سياق الآيات التى معنا ، لأنها تتحدث عن آثار قدرة الله المحسوسة ليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، ويتأمل كل ذى عقل فى مظاهر قدرة الله فى كونه يهتدى إلى طريق الحق والصواب .

وقوله { وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي } معطوف على ما قبله وهو قوله { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } لأنه إخبار بضد مضمونه وهو وضع آخر عجيب دال على كمال القدرة .

وجىء بجملة { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } معطوف على { فَالِقُ } لا على { يُخْرِجُ } لأنه بيان لفالق الحب والنوى .

قال - رحمه الله : فإن قلت : كيف قال { وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي } بلفظ اسم الفاعل بعد قوله : { خْرِجُ الحي مِنَ الميت } ؟ قلت : عطفه على فالق الحب والنوى لا على الفعل ، ويخرج الحى من الميت : موقعه موقع الجملة المبينة لقوله { فَالِقُ الحب والنوى } لأن فالق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحى من الميت ، لأن النامى فى حكم الحيوان ألا ترى إلى قوله - تعالى - { وَيُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } { ذلكم الله فأنى تُؤْفَكُونَ } الأفك - بفتح الهمزة - مصدر أفكه يأفكه من باب ضرب إذا صرفه عن مكان أو عن عمل ، ويقال أفكت الأرض أفكا : أى صرف عنها المطر .

والإشارة بذلكم لزيادة التمييز ، وللتعريض بغباوة المخاطبين والمشركين لغفلتهم عن هذه الدلالة على أنه هو المستحق للعبادة .

والمعنى : ذلكم المتصف بما ذكر من مقتضى الحكمة البالغة والقدرة النفاذة هو الله خالق كل شىء فكيف تصرفون عن عبادة من يخلق إلى عبادة من لا يخلق ، وتشركون معه من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضراً ؟

قال الإمام الرازى : والمقصود منه أن الحى والميت متضادات متنافيان ، فحصول المثل عن المثل يوهم أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية .

أما حصول الضد من الضد فيمتنع أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية بل لا بد أن يكون بتقدير المقدر الحكيم والمدبر العليم " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر ، ويتصل المعنى بما قبله لأن القصد :[ أن الله ] لا هذه الأصنام ، وقال مجاهد وأبو مالك هذه إشارة إلى الشق الذي في حبة البر ونواة التمر .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : والعبرة على هذا القول مخصوصة في بعض الحب وبعض النوى ، وليس لذلك وجه ، وقال الضحاك وقتادة والسدي وغيرهما هذه إشارة إلى فعل الله في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ، ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا هو الظاهر الذي يعطي العبرة التامة ، فسبحان الخلاق العليم ، وقال الضحاك : { فالق } بمعنى خالق ، وقال السدي وأبو مالك : { يخرج الحي من الميت } إشارة إلى إخراج النبات الأخضر والشجر الأخضر من الحب اليابس والنوى اليابس ، فكأنه جعل الخضرة والنضارة حياة واليبس موتاً و { مخرج الميت من الحي } إشارة إلى إخراج اليابس من النبات والشجر ، وقال ابن عباس وغيره ، بل ذلك كله إشارة إلى إخراج الإنسان الحي من النطفة الميتة وإخراج النطفة الميتة من الإنسان الحي ، وكذلك سائر الحيوان والطير من البيض والحوت وجميع الحيوان{[1]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول أرجح وإنما تعلق قائلو القول الأول بتناسب تأويلهم مع قوله : { فالق الحب والنوى } وهما على هذا التأويل الراجح معنيان متباينان فيهما معتبر ، وقال الحسن : المعنى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، وقوله : { ذلك } ابتداء وخبر متضمن التنبيه ، { فأنّى تؤفكون } أي تصرفون وتصدون .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟