النمل مكية ، وعدد آياتها ثلاث وتسعون آية .
وقد ابتدأت بالحروف الصوتية تنبيها لمنزلة القرآن الذي يجانس كلام العرب ، ومع ذلك أعجزهم ، وهي فوق ذلك تنبيه لمن يتغافل عن الاستماع ، وجاءت بعد ذلك بقصة موسى ، وذكر بعض معجزاته عليه السلام وقصة داود عليه السلام ووراثة ولده سليمان لملكه ، وحشر الجن والإنس والطير له ، وفهمه عليه السلام لكلام الحيوان ، وشكره هذه النعمة ، ثم غيبة الهدهد ، ومجيئه بقصة بلقيس ، وعبادتها وقومها للشمس ، وإرسال سليمان عليه السلام إليها كتابا ، وردها عليه بهدية بعد استشارتها قومها ، وإحضار عرشها عن طريق من عنده علم من الكتاب ، ودخولها قصر سليمان الذي أدهشها ، فأعلنت طاعتها وإيمانها به .
وقد ذكرت قصة صالح مع قومه وقصة لوط عليه السلام وقومه ، ونجاته وأهله وإهلاك الفاسقين ونبهت السورة الكريمة إلى ما في خلق السماوات والأرض من دلائل على قدرته ووحدانيته .
وأشارت إلى مقام القرآن الكريم في الدعوة ، وإعراض المشركين عنه مع كمال إعجازه وذكرت ما سيكون من خروج دابة تكلم الناس أنهم كانوا بآياتنا لا يوقنون . ثم وجهت الأنظار إلى الكون ، وكيف يفرغ كل من فيه عند النفخ للبعث والنشور . ونبهت إلى حال الأرض وأن جبالها تمر مر السحاب ورسمت ما يتبعه الرسول في دعوته ، ووجوب أن يحمد الله سبحانه .
1- طس - حرفان صوتيان ابتدأت بهما السورة الكريمة تنبيها إلى سر الإعجاز في القرآن مع الإشارة إلى أنه من جنس ما يتكلمون ، ولتنبيه الأذهان للاستماع إليه .
ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن ويشير إليه إشارة دالة على التعظيم فقال : { تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ } أي : هي أعلى الآيات وأقوى البينات وأوضح الدلالات وأبينها على أجل المطالب وأفضل المقاصد ، وخير الأعمال وأزكى الأخلاق ، آيات تدل على الأخبار الصادقة والأوامر الحسنة والنهي عن كل عمل وخيم وخلق ذميم ، آيات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة مبلغ الشمس للأبصار ، آيات دلت على الإيمان ودعت للوصول إلى الإيقان ، وأخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة ، على طبق ما كان ويكون . آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الكاملة ، آيات عرفتنا برسله وأوليائه ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا ، ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين ولم يهتد بها جميع المعاندين صونا لها عن من لا خير فيه ولا صلاح ولا زكاء في قلبه ، وإنما اهتدى بها من خصهم الله بالإيمان واستنارت بذلك قلوبهم وصفت سرائرهم .
1- سورة النمل ، من السور المكية : وهي السورة السابعة والعشرون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة الشعراء .
قال القرطبي : سورة النمل ، مكية كلها في قول الجميع( {[1]} ) .
2- وسميت بسورة النمل ، لقوله –تعالى- : [ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة ] .
قال الآلوسي : " وتسمى أيضاً –كما في الدر المنثور- سورة سليمان ، وعدد آياتها خمس وتسعون آية –عند الحجازيين- ، وأربع وتسعون –عند البصريين- وثلاث وتسعون –عند الكوفيين- " ( {[2]} ) .
3- وقد افتتحت سورة النمل بالثناء على القرآن الكريم ، وعلى المؤمنين الذي يحافظون على فرائض الله –تعالى- ، ويوقنون بالآخرة وما فيها من ثواب أو عقاب . . .
أما الذين لا يؤمنون بالآخرة ، فقد أنذرتهم بسوء المصير [ أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون ] .
4- ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن جانب من قصة موسى –عليه السلام- فذكرت لنا ما قاله موسى لأهله عند ما آنس من جانب الطور ناراً ، وما قاله الله –تعالى- له عندما جاءها ، وما أمره –سبحانه- به ، في قوله –تعالى- : [ وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مديراً ولم يعقب . يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ] .
5- ثم تحدثت السورة بعد ذلك عما منحه الله –تعالى- لداود وسليمان –عليهما السلام- من علم واسع ، ومن عطاء كبير ، وحكت ما قالته نملة عندما رأت سليمان وجنوده ، كما حكت ما دار بين سليمان –عليه السلام- وبين الهدهد ، وما دار بينه –عليه السلام- وبين ملكة سبأ من كتب ومحاورات انتهت بإسلام ملكة سبأ ، حيث قالت : [ رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ] .
ثم ساقت السورة جانباً من قصة صالح –عليه السلام- مع قومه ، فتحدثت عن الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، والذين بيتوا السوء لنبيهم صالح وللمؤمنين معه ، فكانت نتيجة مكر هؤلاء المفسدين الخسار والهلاك . كما قال –تعالى- [ ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون . فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ، أنا دمرناهم وقومهم أجمعين . فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا . . ] .
7- وبعد أن ساقت السورة جانباً من قصة لوط –عليه السلام- مع قومه . أتبعت ذلك بالحديث عن وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، فذكرت ألواناً من الأدلة على ذلك ، وقد قال –سبحانه- في أعقاب كل دليل [ أإله مع الله ] ، وكرر ذلك خمس مرات ، في خمس آيات .
8- وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر وحدانية الله وقدرته –سبحانه- ، أخذت السورة الكريمة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تثبيت فؤاده ، وفي بيان أن هذا القرآن هداية ورحمة .
قال –تعالى- : [ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون . وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين . إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم . فتوكل على الله إنك على الحق المبين ] .
9- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة بالحديث عن علامات الساعة وأهوالها ، وعن عاقبة المؤمنين ، وعاقبة الكافرين ، وعن المنهج الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر غيره باتباعه ، فقال –تعالى- : [ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ، وله كل شيء ، وأمرت أن أكون من المسلمين . وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين . وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ، وما ربك بغافل عما تعملون ] .
1- وبعد : فهذا عرض مجمل لسورة النمل . ومنه نرى أن السورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أدلة وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، ومن مظاهر فضله –تعالى- على عباده . وعن علمه –سبحانه- المحيط بكل شيء ، وعن آياته الكونية التي يكشف منها للناس ما يشاء كشفه وبيانه .
كما نرى أن السورة الكريمة قد اشتملت على جانب كبير منها ، خصوصاً قصص بعض أنبياء بني إسرائيل ، فقد حدثتنا عن جانب من قصة موسى ، وداود ، وسليمان . ثم بينت أن على بني إسرائيل المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعودوا إلى القرآن ، ليعرفوا منه الأمر الحق في كل ما اختلفوا فيه ، قال –تعالى- : [ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ] .
كما نراها تجمع في توجيهاتها وإرشاداتها بين الترغيب والترهيب ، وبين التذكير بنعم الله التي تشاهدها في هذا الكون ، وبين التحذير من أهوال يوم القيامة ، وتختم بهذه الآية الجامعة : [ وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ، وما ربك بغافل عما تعملون ] .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
سورة النمل : من السور التى افتتحت ببعض الحروف المقطعة ، وهو قوله - تعالى - { طس } .
وقد ذكرنا آراء العلماء فى هذه الحروف المقطعة بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس ، وهود ، ويوسف . . . إلخ .
وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة قد رودت فى افتتاح بعض السور ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه ، للذين تحداهم القرآن .
فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك الكافرين الذين زعموا أن هذا القرآن ليس من عنده - تعالى - : هاكم القرآن ترونه مؤلفاً من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوماً من حروف هى من جنس الحروف الهجائية ، التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك فى أنه من عند الله - تعالى - فهاتوامثله ، أو هاتوا عشر سور من مثله ، أو هاتوا سورة واحدة من مثله .
فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - عز وجل - .
واسم الإشارة { تِلْكَ } يعود إلى الآيات القرآنية التى تضمنتها هذه السورة الكريمة . أو إلى جميع آيات القرآن التى نزلت قبل ذلك .
وهو - أى لفظ { تِلْكَ } - مبتدأ وخبره قوله - سبحانه - { آيَاتُ القرآن } ، أى : تلك الآيات الحكيمة التى أنزلناها إليك - أيها الرسول الكريم - هى آيات القرآن ، الذى أنزلناه إليك لتخرج الناس به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .
فإضافة الآيات إلى القرآن لتعظيم شأنها ، وسمو منزلتها .
وقوله - تعالى - : { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } معطوف على القرآن من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى ، كقولهم هذا فعل فلان السخى والجواد الكريم .
قال الآلوسى : " والمبين : وإما من أبان المتعدى ، أى : مظهر ما فى تضاعيفه من الحكم والأحكام وأحوال القرون الأولى . . . وإما من أبان اللازم ، بمعنى بان . أى : ظاهر الإعجاز . وهو على الاحتمالين ، صفة مادحة لكتاب ، مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة . . " .
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور ، وكل الأقوال مترتب ها هنا ، وعلى القول بأنها حروف من أسماء الله تعالى فالأسماء هنا لطيف وسميع وكونها إشارة إلى نوع حروف المعجم أبين الأقوال ، وعطف «الكتاب » على { القرآن } وهما لمسمى واحد من حيث هما صفتان لمعنيين ، فالقرآن لأنه اجتمع والكتاب لأنه يكتب ، وقرأ ابن أبي عبلة «وكتابٌ مبينٌ » بالرفع{[8977]} .
أشهر أسمائها سورة النمل . وكذلك سميت في صحيح البخاري وجامع الترمذي . وتسمى أيضا سورة سليمان ، وهذان الاسمان اقتصر عليهما في الإتقان وغيره .
وذكر أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن أنها تسمى سورة الهدهد . ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ النمل ولفظ الهدهد لم يذكرا في سورة من القرآن غيرها ، وأما تسميتها سورة سليمان فلأن ما ذكر فيها من ملك سليمان مفصلا لم يذكر مثله في غيرها .
وهذه السورة مكية بالاتفاق كما حكاه ابن عطية والقرطبي والسيوطي وغير واحد . وذكر الخفاجي أن بعضهم ذهب إلى مكية بعض آياتها كذا ولعله سهو صوابه مدنية بعض آياتها ولم أقف على هذا لغير الخفاجي .
وهي السورة الثامنة والأربعون في عداد نزول السور ، نزلت بعد الشعراء وقبل القصص . كذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير .
وقد عدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة خمسا وتسعين ، وعند أهل الشام والبصرة والكوفة أربعا وتسعين .
أول أغراض هذه السورة افتتاحها بما يشير إلى إعجاز القرآن ببلاغة نظمه وعلو معانيه ، بما يشير إليه الحرفان المقطعان في أولها .
والتنويه بشأن القرآن وأنه هدى لمن ييسر الله الاهتداء به دون من جحدوا أنه من عند الله .
والتحدي بعلم ما فيه من أخبار الأنبياء .
والاعتبار بملك أعظم ملك أوتيه نبي . وهو ملك داود وملك سليمان عليهما السلام . وما بلغه من العلم بأحوال الطير ، وما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة .
وأشهر أمة في العرب أوتيت قوة وهي أمة ثمود . والإشارة إلى ملك عظيم من العرب وهو ملك سبأ . وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تقارنها سياسة الأمة ثم يعقبها ملك ، وهو خلافة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأن الشريعة المحمدية سيقام بها ملك للأمة عتيد كما أقيم لبني إسرائيل ملك سليمان .
ومحاجة المشركين في بطلان دينهم وتزييف آلهتهم وإبطال أخبار كهانهم وعرافيهم ، وسدنة آلهتهم . وإثبات البعث وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطها .
وأن القرآن مهيمن على الكتب السابقة . ثم موادعة المشركين وإنباؤهم بأن شأن الرسول الاستمرار على إبلاغ القرآن وإنذارهم بأن آيات الصدق سيشاهدونها والله مطلع على أعمالهم .
قال ابن الفرس ليس في هذه السورة إحكام ولا نسخ . ونفيه أن يكون فيها إحكام ولا نسخ معناه أنها لم تشتمل على تشريع قار ولا على تشريع منسوخ . وقال القرطبي في تفسير آية { وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } الآية نسختها آية القتال اه ، يعني الآية النازلة بالقتال في سورة البراءة . وتسمى آية السيف ، والقرطبي معاصر لابن الفرس إلا أنه كان بمصر وابن الفرس بالأندلس ، وقوله { لأعذبنه عذابا شديدا } ويؤخذ منهما حكمان كما سيأتي .
تقدم القول في أن الراجح أن هذه الحروف تعريض بالتحدّي بإعجاز القرآن وأنه مؤتلف من حروف كلامهم . وتقدم ما في أمثالها من المحامل التي حاولها كثير من المتأولين .
ويجيء على اعتبار أن تلك الحروف مقتضبة من أسماء الله تعالى أن يقال في حروف هذه السورة ما روي عن ابن عباس أن : طس مقتضب من طَاءِ اسمه تعالى اللطيف ، ومن سين اسمه تعالى السميع . وأن المقصود القَسَم بهاذين الاسمين ، أي واللطيفِ والسميعِ تلك آيات القرآن المبين .
القول فيه كالقول في صدر سورة الشعراء وخالفت آية هذه السورة سابقتها بثلاثة أشياء : بذكر اسم القرآن وبعطف { وكتاب } على { القرآن } وبتنكير { كتاب } .
فأما ذكر اسم القرآن فلأنه علَم للكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز والهدي . وهذا العَلم يرادف الكتاب المعرَّف بلام العهد المجعول علماً بالغلبة على القرآن ، إلا أن اسم القرآن أدخل في التعريف لأنه علم منقول . وأما الكتاب فعلَم بالغلبة ، فالمراد بقوله : { وكتاب مبين } القرآنُ أيضاً ولا وجه لتفسيره باللَّوح المحفوظ للتفصّي من إشكال عطف الشيء على نفسه لأن التفصي من ذلك حاصل بأنَّ عطفَ إحدى صفتين على أُخرى كثير في الكلام . ولما كان في كلّ من { القرآن } و { كتاب مبين } شائبة الوصف فالأول باشتقاقه من القراءة ، والثاني بوصفه ب { مبين } ، كان عطف أحدهما على الآخر راجعاً إلى عطف الصفات بعضها على بعض ، وإنما لم يؤت بالثاني بدَلاً ، لأن العطف أعلق باستقلال كلا المتعاطفين بأنه مقصود في الكلام بخلاف البدل .
ونظير هذه الآية آية سورة الحجر ( 1 ) { تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبين } فإن { قرآن } في تلك الآية في معنى عطف البيان من { الكتاب } ولكنه عُطف لقصد جمعهما بإضافة { آيات } إليهما .
وإنما قدم في هذه الآية { القرآن } وعطف عليه { كتاب مبين } على عكس ما في طالعة سورة الحجر لأن المقام هنا مقام التنويه بالقرآن ومتبعيه المؤمنين ، فلذلك وصف بأنه { هدى وبشرى للمؤمنين } [ النمل : 2 ] أي بأنهم على هدى في الحال ومبشرون بحسن الاستقبال فكان الأهم هنا للوحي المشتمل على الآيات هو استحضاره باسمه العلم المنقول من مصدر القراءة لأن القراءة تناسب حال المؤمنين به والمتقبلين لآياته فهم يدرسونها ، ولأجل ذلك أدخلت اللام للمح الأصل ، تذكيراً بأنه مقروء مدروس . ثم عطف عليه { كتاب مبين } ليكون التنويه به جامعاً لعنوانيه ومستكملاً للدلالة بالتعريف على معنى الكمال في نوعه من المقروءات ، والدلالة بالتنكير على معنى تفخيمه بين الكُتب كقوله تعالى : { مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } [ المائدة : 48 ] . :
وأما ما في أول سورة الحجر فهو مقام التحسير للكافرين من جراء إعراضهم عن الإسلام فناسب أن يبتدئوا باسم الكتاب المشتق من الكتابة دون القرآن لأنهم بمعزل عن قراءته ولكنه مكتوب ، وحجة عليهم باقية على مر الزمان . وقد تقدم تفصيل ذلك في أول سورة الحجر ، ولهذا عقب هنا ذكر { كتاب مبين } بالحال { هدى وبشرى للمؤمنين } [ النمل : 2 ] .
و { مبين } اسم فاعل إما من ( أبان ) القاصر بمعنى ( بان ) لأن وصفه بأنه بيّن واضح له حظ من التنويه به ما ليس من الوصف بأنه مُوضِّح مبين . فالمبين أفاد معنيين أحدهما : أن شواهد صدقه وإعجازه وهديه لكل متأمل ، وثانيهما : أنه مرشد ومفصِّل .