فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النمل

هي ثلاث وتسعون آية ، وقيل أربع وتسعون . قال القرطبي : وهي مكية كلها في قول الجميع . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت سورة النمل بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

قوله : { طس } قد مرّ الكلام مفصلاً في فواتح السور ، وهذه الحروف إن كانت اسماً للسورة ، فمحلها الرفع على الابتداء ، وما بعده خبره ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذا اسم هذه السورة ، وإن لم تكن هذه الحروف اسماً للسورة ، بل مسرودة على نمط التعديد ، فلا محل لها ، والإشارة بقوله : { تِلْكَ } إلى نفس السورة ؛ لأنها قد ذكرت إجمالاً بذكر اسمها ، واسم الإشارة مبتدأ ، وخبره { آيَاتُ القرآن } والجملة خبر المبتدأ الأوّل على تقدير أنه مرتفع بالابتداء { وكتاب مُّبِين } قرأ الجمهور بجرّ كتاب عطفاً على القرآن أي تلك آيات القرآن وآيات كتاب مبين ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله : { وكتاب } القرآن نفسه ، فيكون من عطف بعض الصفات على بعض مع اتحاد المدلول ، وأن يكون المراد بالكتاب : اللوح المحفوظ ، أو نفس السورة ، وقرأ ابن أبي عبلة { وكتاب مبين } برفعهما عطفاً على آيات . وقيل هو على هذه القراءة على تقدير مضاف محذوف ، وإقامة المضاف إليه مقامه : أي وآيات كتاب مبين ، فقد وصف الآيات بالوصفين : القرآنية الدالة على كونه مقروءاً مع الإشارة إلى كونه قرآناً عربياً معجزاً ، والكتابية الدالة على كونه مكتوباً مع الإشارة إلى كونه متصفاً بصفة الكتب المنزلة ، فلا يكون على هذا من باب عطف صفة على صفة مع اتحاد المدلول ، ثم ضم إلى الوصفين وصفاً ثالثاً ، وهي الإبانة لمعانيه لمن يقرؤه ، أو هو من أبان بمعنى : بان معناه واتضح إعجازه بما اشتمل عليه من البلاغة . وقدّم وصف القرآنية هنا نظراً إلى تقدّم حال القرآنية على حال الكتابة ، وأخَّره في سورة الحجر فقال : { الرَ تِلْكَ ءايات الكتاب وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] . نظراً إلى حالته التي قد صار عليها ، فإنه مكتوب . والكتابة سبب القراءة ، والله أعلم . وأما تعريف القرآن هنا ، وتنكير الكتاب ، وتعريف الكتاب في سورة الحجر ، وتنكير القرآن فلصلاحية كلّ واحد منهما للتعريف والتنكير .