ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تتبدل فقالك { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين } .
والجملة الكريمة عطف على محذوف ، والتقدير : تلك سنتنا في خلقنا نهلك الأمم المكذبة { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } الذين أرسلناهم لإِخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان ، الكاف في { كذلك } بمعنى : مثل ، وهى صفة لمصدر محذوف ، واسم الإِشارة يعود على الإِتجاه الذي تكفل الله به للرسل السابقين ولمن آمن بهم ولفظ { حقا } منصوب بفعل مقدر أى : حق ذلك علينا حقا أى : مثل ذلك الإِتجاء الذي تكلفن به لرسلنا ولمن آمن بهم . ننج المؤمنين بك - أيها الرسول الكريم - ، ونعذب المصرين على تكذيبك ، وهذا وعد أخذناه على ذاتنا فضلا منا وكرما .
{ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } وبذلك ترى الآيات الكريمة قد حضت الضالين على الاقتداء بقوم يونس - عليه السلام - لكى ينجوا من العذاب ، وذكرتهم بنفاذ إرادة الله وقدتره ، ودعتهم إلى التفكر في ملكوت السموات والأرض ، وأخبرتهم بأن سنة الله ماضية في إنجاء المؤمنين ، وفى إهلاك المكذبين .
وبعد هذا الحديث المتنوع الذي زخرت به سورة يونس - عليه السلام - عن وحدانية الله وقدرته ، وعن صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم ، وعن النفس الإِنسانية وأحوالها ، وعن يوم القيامة وأهوالها . .
وقوله : { فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ } أي : فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام الله في الذين خلوا من قبلهم من الأمم المكذبة لرسلهم ، { قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا }{[14442]} أي : ونهلك المكذبين بالرسل ، { كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ } [ أي ]{[14443]} حقا : أوجبه تعالى على نفسه الكريمة : كقوله { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 12 ] كما جاء في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت{[14444]} غضبي " {[14445]}
وقوله { ننجي رسلنا } الآية ، لما كان العذاب لم تحصر مدته وكان النبي والمؤمنون بين أظهر الكفرة وقع التصريح بأن عادة الله سلفت بإنجاء رسله ومتبعيهم ، فالتخويف على هذا أشد ، وكلهم قرأ «ننجّي » مشددة الجيم إلا الكسائي ، وحفصاً عن عاصم فإنهما قرأ «ننْجِي » بسكون النون وتخفيف الجيم ، وقرأ عاصم في سورة الأنبياء في بعض ما روي عنه «نُجي » بضم النون وحذف الثانية وشد الجيم ، كأن النون أدغمت فيها ، وهي قراءة لا وجه لها ، ذكر ذلك الزجاج{[6236]} . وحكى أبو حاتم نحوها عن الأعمش ، وخط المصحف في هذه اللفظة «ننج » بجيم مطلقة دون ياء وكذلك قرأ الكسائي في سورة مريم { ثم ننْجِي الذين اتقوا }{[6237]} بسكون النون وتخفيف الجيم ، والباقون بفتح النون وشد الجيم ، والكاف في قوله { كذلك } يصح أن تكون في موضع رفع ، ويصح أن تكون في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.