101- ولو أوتى هؤلاء من الآيات ما اقترحوا لصرفوها عن وجهها ، ولم يؤمنوا بها ، ولقد آتينا موسى تسع آيات واضحات{[119]} ومع ذلك كفروا ، وقال فرعون : أني لأظنك مسحورا يا موسى .
{ 101 - 104 } { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا * فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا }
أي : لست أيها الرسول المؤيد بالآيات ، أول رسول كذبه الناس ، فلقد أرسلنا قبلك موسى ابن عمران الكليم ، إلى فرعون وقومه ، وآتيناه { تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } كل واحدة منها تكفي لمن قصده اتباع الحق ، كالحية ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والرجز ، وفلق البحر .
فإن شككت في شيء من ذلك { فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ } مع هذه الآيات { إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا }
والمراد بالآيات التسع فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . . . } : العصا ، واليد ، والسنون ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ؛ والدم . قال ذلك ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم .
وقد جاء الحديث عن هذه الآيات فى مواضع أخرى من القرآن الكريم ، منها قوله - تعالى - : { فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } وقوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين وَنَقْصٍ مِّن الثمرات . . . } وقوله - سبحانه - : { فَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم } وقوله - عز وجل - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } والمعنى : لا تظن - أيها الرسول الكريم - أن إيمان هؤلاء المشركين من قومك ، متوقف على إجابة ما طلبوه منك . وما اقترحوه عليك من أن تفجر لهم من الأرض ينبوعًا ، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب . . الخ . لا تظن ذلك :
فإن الخوارق مهما عظمت لا تنشئ الإِيمان فى القلوب الجاحدة الحاقدة ، بدليل أننا قد أعطينا أخاك موسى تسع معجزات ، واضحات الدلالة على صدقه فى نبوته ، ولكن هذه المعجزات لم تزد المعاندين من قومه إلا كفرًا على كفرهم ورجسًا على رجسهم . فاصبر - أيها الرسول - على تعنت قومك وأذاهم ، كما صبر أولو العزم من الرسل قبلك .
وتحديد الآيات بالتسع ، لا ينفى أن هناك معجزات أخرى أعطاها الله - تعالى - لموسى - عليه السلام - إذ من المعروف عند علماء الأصول ، أن تحديد العدد بالذكر ، لا يدل على نفى الزائد عنه .
قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : وهذا القول - المروى عن ابن عباس وغيره - ظاهر جلى حسن قوى . . فهذه الآيات التسع ، التى ذكرها هؤلاء الأئمة ، هى المرادة هنا . . .
وقد أوتى موسى - عليه السلام - آيات أخرى كثيرة منها : ضربه الحجر بالعصا ، وخروج الماء منه . . وغير ذلك مما أوتوه بنوا إسرائيل بعد خروجهم من مصر ، ولكن ذكر هنا هذه الآيات التسع التى شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر وكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرا وجحودا .
ثم قال : وقال الإِمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ، قال : " سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادى قال : قال يهودى لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبى حتى نسأله عن هذه الآية : { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . . . } فسألاه : فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " لا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ، ولاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ، ولا تسخروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببرئ إلى ذى سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفروا من الزحف " . . فقبَّلا يديه ورجليه " .
ثم قال : " أما هذا الحديث فهو حديث مشكل . وعبد الله بن سلمة فى حفظه شئ ، وتكلموا فيه ، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات ، بالعشر الكلمات ، فإنها وصايا فى التوراة ، لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون . . . " .
والحق أن ما رجحه الإِمام ابن كثير من أن المراد بالآيات التسع هنا : ما آتاه الله - تعالى - لنبيه موسى - عليه السلام - من العصا ، واليد . . . هو الذى تسكن إليه النفس ، لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ . . . } يؤيد أن المراد بها ما تقدم من العصا ، واليد ، والسنين . . ولأنها هى التى فيها الحجج ، والبراهين والمعجزات الدالة على صدق موسى - عليه السلام - . أما تلك الوصايا التى وردت فى الحديث فلا علاقة لها بقيام الحجة على فرعون - كما قال الإِمام ابن كثير .
هذا ، والخطاب فى قوله - تعالى - : { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ } يرى بعضهم أنه للنبى صلى الله عليه وسلم والمسئولون هم المؤمنون من بنى إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه .
وعلى هذا التفسير يكون قوله : { إذ جاءهم } ظرف لقوله { آتينا } وجملة { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } معترضة بين العامل والمعمول .
والمعنى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ، وقت أن أرسله الله - تعالى - إلى فرعون وقومه ، فاسأل - أيها الرسول الكريم - المؤمنين من بنى إسرائيل عن ذلك ، ستجد منهم الجواب عما جرى بين موسى وأعدائه عن طريق ما طالعوه فى التوراة .
والمقصود بسؤالهم : الاستشهاد بهم حتى يزداد المؤمنون إيمانًا على إيمانهم ، لأن من شأن الأدلة إذا تضافرت وتعددت ، أن تكون أقوى وأثبت فى تأييد المدعى .
قال الآلوسى : " والمعنى : فاسأل يا محمد مؤمنى أهل الكتاب عن ذلك ، إما لأن تظاهر الأدلة أقوى - فى التثبيت - ، وإما من باب التهييج والإِلهاب ، وإما للدلالة على أنه أمر محقق عندهم ثابت فى كتابهم . وليس المقصود حقيقة السؤال . بل كونهم - أعنى المسئولين - من أهل علمه ، ولهذا يؤمر مثلك بسؤالهم " .
ويرى آخرون أن الخطاب لموسى - عليه السلام - ، وعليه يكون السؤال إما بمعناه المشهور أو بمعنى الطلب ، ويكون قوله { إذ جاءهم } ظرفًا لفعل مقدر .
والمعنى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ، فقلنا له حين مجيئه إلى بنى إسرائيل : اسألهم عن أحوالهم مع فرعون ، أو اطلب منهم أن يؤمنوا بك ويصدقوك ، ويخرجوا معك حين تطلب من فرعون ذلك .
والفاء فى قوله : { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً } هى الفصيحة .
إذ المعنى : فامتثل موسى أمرنا ، وسأل بنى إسرائيل عن أحوالهم ، وطلب من فرعون أن يرسلهم معه ، بعد أن أظهر له من المعجزات ما يدل على صدقه ، فقال فرعون لموسى على سبيل التعالى والتهوين من شأنه - عليه السلام - : يا موسى إنى لأظنك مسحورًا .
أى : سُحرت فخولط عقلك واختل ، وصرت تتصرف تصرفًا يتنافى مع العقل السليم ، وتدعى دعاوى لا تدل على تفكير قويم .
فقوله { مسحورا } اسم مفعول . يقال : سحر فلان فلانًا يسحره سحرًا فهو مسحور ، إذا اختلط عقله .
ويجوز أن يكون قوله { مسحورًا } بمعنى ساحر ، فيكون المعنى : إنى لأظنك يا موسى ساحرًا ، عليمًا بفنون السحر فقد أتيت بأشياء عجيبة يشير بذلك إلى انقلاب العصا حية بعد أن ألقاها - عليه السلام - .
وهذا شأن الطغاة فى كل زمان ومكان ، عندما يرون الحق قد أخذ يحاصرهم ، ويكشف عن ضلالهم وكذبهم . . . يرمون أهله - زورا وبهتانًا - بكل نقيصة .
يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات ، وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون ، وهي : العصا ، واليد ، والسنين{[17871]} ، والبحر ، والطوفان{[17872]} ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، آيات مفصلات . قاله ابن عباس .
وقال محمد بن كعب : هي اليد ، والعصا ، والخمس في الأعراف ، والطَّمْسَة والحجر .
وقال : ابن عباس أيضًا ، ومجاهد ، وعكرمة والشعبي ، وقتادة : هي يده ، وعصاه ، والسنين ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .
وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي . وجعل الحسن البصري " السنين ونقص الثمرات " واحدة ، وعنده أن التاسعة هي : تلقف العصا ما يأفكون . { فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } [ الأعراف : 133 ] أي : ومع هذه الآيات ومشاهدتهم لها ، كفروا بها وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا ، وما نجعت{[17873]} فيهم ، فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك{[17874]} سألوا ، وقالوا : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا } [ الإسراء : 90 ] إلى آخرها ، لما استجابوا ولا آمنوا إلا أن يشاء الله ، كما قال فرعون لموسى - وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الآيات - : ( إِنِّي لأظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) قيل : بمعنى ساحر . والله تعالى أعلم .
فهذه الآيات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المرادة هاهنا ، وهي المعنية في قوله تعالى : { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [ النمل : 10 - 12 ] . فذكر هاتين الآيتين : العصا واليد ، وبين الآيات الباقيات في " سورة الأعراف " وفصلها .
وقد أوتي موسى ، عليه السلام ، آيات أخرَ كثيرة ، منها ضربُه الحجر بالعصا ، وخروج الأنهار منه ، ومنها تظليلهم بالغمام ، وإنزال المنّ والسلوى ، وغير ذلك مما أوتوه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر ، ولكن ذكر هاهنا التسع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر ، وكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرًا وجحودًا . فأما الحديث الذي رواه الإمام [ أحمد ]{[17875]} :
حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مُرَّة قال : سمعت عبد الله بن سلمة{[17876]} يحدث ، عن صفوان بن عَسّال المرادي ، رضي الله عنه ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي [ صلى الله عليه وسلم ]{[17877]} حتى نسأله عن هذه الآية : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) فقال : لا تقل له : نبي فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين . فسألاه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا يهود ، عليكم{[17878]} خاصة أن لا تعدوا في السبت " . فقبلا يديه ورجليه ، وقالا نشهد أنك نبي . [ قال : " فما يمنعكما أن تتبعاني ؟ " قالا لأن داود ، عليه السلام ، دعا ألا يزال من ذريته نبي ]{[17879]} ، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود .
فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج ، به{[17880]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
وهو حديث مشكل ، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء ، وقد تكلموا فيه ، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات ، فإنها ، وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون ، والله أعلم . ولهذا قال موسى لفرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ }
وقوله تعالى : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } اتفق المتأولون والرواة أن الآيات الخمس التي في سورة الأعراف هي من هذه التسع ، وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، واختلفوا في الأربع ، فقال ابن عباس : هي يده ولسانه حين انحلت عقدته ، وعصاه والبحر ، وقال محمد بن كعب القرطبي : هي البحر والعصا والطمسة والحجر ، وقال سألني عن ذلك عمر بن عبد العزيز فأخبرته ، فقال لي : وما الطمسة ؟ فقلت دعا موسى وآمن هارون فطمس الله أموالهم وردها حجارة ، فقال عمر : وهل يكون الفقه إلا هكذا ؟ ثم دعا بخريطة فيها غرائب كانت لعبد العزيز بن مروان ، جمعها بمصر ، فاستخرج منها الحوزة والبيضة والعدسة وهي كلها حجر كانت من بقايا أموال آل فرعون ، وقال الضحاك : هي إلقاء العصا مرتين ، واليد ، وعقدة لسانه ، وقال عكرمة ومطر الوراق ، والشعبي : هي العصا واليد والسنون ونقص الثمرات ، وقال الحسن : هي العصا في كونها ثعباناً وتلقف العصا ما يأفكون ، وقال ابن عباس : هي السنون في بواديهم ، ونقص الثمرات في قراهم ، واليد ، والعصا ، وروى مطرف عن مالك أنها العصا ، واليد ، والجبل إذ نتق ، والبحر ، وروى ابن وهب عنه مكان البحر الحجر ، والذي يلزم من الآية أن الله تعالى خص من آيات موسى إذ هي كثيرة جداً تنيف على أربع وعشرين ، تسعاً بالذكر ووصفها بالبيان ولم يعينها ، واختلف العلماء في تعيينها بحسب اجتهادهم في بيانها أو روايتهم التوقيف في ذلك ، وقالت فرقة آيات موسى إنما أريد بها آيات التوراة التي هي أوامر ونواه ، روى في هذا صفوان بن عسال{[7719]} ، أن يهود المدينة قال لآخر : سر بنا إلى هذا النبي نسأله عن آيات موسى ، فقال له الآخر : لا تقل إنه نبي ، فإنه لو سمعك صار له أربع أعين ، قال : فسارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه ، فقال «هن أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرفوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا يوم الزحف ، وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت »{[7720]} ، وقرأ الجمهور «فاسأل بني إسرائيل » وروي عن الكسائي «فسل » على لغة من قال سأل يسأل{[7721]} ، وهذا كله على معنى الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي اسأل معاصريك عما أعلمناك به من غيب القصة ، ثم قال { إذ جاءهم } يريد آباءهم ، وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم ، ويحتمل أن يريد { فاسأل بني إسرائيل } الأولين الذين جاءهم موسى وتكون إحالته إياه على سؤالهم بطلب إخبارهم والنظر في أحوالهم وما في كتبهم نحو قوله تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا }{[7722]} [ الزخرف : 45 ] وهذا كما تقول لمن تعظه : سل الأمم الخالية هل بقي منها مخلد ؟ ونحو هذا مما يجعل النظر فيه مكان السؤال ، قال الحسن : سؤالك نظرك في القرآن وقرأ ابن عباس «فسأل بني إسرائيل » أي فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب ، وقوله { مسحوراً } اختلف فيه المتأولون ، فقالت فرقة هو مفعول على بابه ، أي إنك قد سحرت ، فكلامك مختل ، وما تأتي به غير مستقيم ، وقال الطبري : هو مفعول بمعنى فاعل كما قال { حجاباً مستوراً }{[7723]} [ الإسراء : 45 ] وكما قالوا مشؤوم وميمون وإنما هو شايم ويامن .
قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يتخرج إلى على النسب أي ذا سحر ملكته وعلمته ، فأنت تأتي بهذه الغرائب لذلك ، وهذه مخاطبة تنقص ، فيستقيم أن يكون { مسحوراً } مفعولاً على ظاهره ، وعلى أن يكون بمعنى ساحر يعارضنا ( أما ){[7724]} ما حكي عنهم أنهم قالوا له على جهة المدح { يا أيها الساحر ادع لنا ربك }{[7725]} [ الزخرف : 49 ] فإما أن يكون القائلون هنالك ليس فيهم فرعون وإما أن يكون فيهم لكنه تنقل من تنقصه إلى تعظيمه ، وفي هذا نظر .