المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ} (139)

139- قولوا لهم : أتجادلوننا في الله زاعمين أنه لا يصطفى أنبياء إلا منكم ! وهو ربكم ورب كل شيء ، لا يختص به قوم دون قوم ، يصيب برحمته من يشاء ، ويجزي كل قوم بأعمالهم ، غير ناظر إلى أنسابهم ولا أحسابهم ، وقد هدانا الطريق المستقيم في أعمالنا ، ورزقنا صفة الإخلاص له .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ} (139)

{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }

المحاجة هي : المجادلة بين اثنين فأكثر ، تتعلق بالمسائل الخلافية ، حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله ، وإبطال قول خصمه ، فكل واحد منهما ، يجتهد في إقامة الحجة على ذلك ، والمطلوب منها ، أن تكون بالتي هي أحسن ، بأقرب طريق يرد الضال إلى الحق ، ويقيم الحجة على المعاند ، ويوضح الحق ، ويبين الباطل ، فإن خرجت عن هذه الأمور ، كانت مماراة ، ومخاصمة لا خير فيها ،

وأحدثت من الشر ما أحدثت ، فكان أهل الكتاب ، يزعمون أنهم أولى بالله من المسلمين ، وهذا مجرد دعوى ، تفتقر إلى برهان ودليل . فإذا كان رب الجميع واحدا ، ليس ربا لكم دوننا ، وكل منا ومنكم له عمله ، فاستوينا نحن وإياكم بذلك . فهذا لا يوجب أن يكون أحد الفريقين أولى بالله من غيره ، لأن التفريق مع الاشتراك في الشيء ، من غير فرق مؤثر ، دعوى باطلة ، وتفريق بين متماثلين ، ومكابرة ظاهرة . وإنما يحصل التفضيل ، بإخلاص الأعمال الصالحة لله وحده ، وهذه الحالة ، وصف المؤمنين وحدهم ، فتعين أنهم أولى بالله من غيرهم ، لأن الإخلاص ، هو الطريق إلى الخلاص ، فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، بالأوصاف الحقيقية التي يسلمها أهل العقول ، ولا ينازع فيها إلا كل مكابر جهول ، ففي هذه الآية ، إرشاد لطيف لطريق المحاجة ، وأن الأمور مبنية على الجمع بين المتماثلين ، والفرق بين المختلفين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ} (139)

ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في تذكيرهم ودحض حجتهم فقال تعالى : { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ . أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

ومعنى الآية الكريمة : قل يا محمد لأهل الكتاب الذين قالوا لك ولأصحابك { كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ } وزعموا أن دينهم هو المعتبر عند الله دون دينك ، قل لهم : أتجادلوننا في دين الله وهو ملة الإِسلام التي بعثني به للعالمين هدى ورحمة ، وتزعمون أن الهداية فيما أنتم عليه من اليهودية والنصرانية ، وتستبعدون عليه - تعالى - أن ينزل وحيه على من ليس منكم ، بدعوى أنكم أقرب إلى الله منا ، وأنكم أبناء الله وأحياؤه ، والحال أنه - سبحانه - هو { رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي خالقنا وخالقكم ورازقنا ورازقكم ومحاسبنا ومحاسبكم على ما يصدر منا ومنكم من أعمال .

وقوله تعالى : { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } معناه : لكل منا ومنكم أعمال يترتب عليها الثواب والعقاب ، فكما أننا نتساوى معكم في أن الله ربنا وربكم فكذلك نتساوى معكم في استحقاق الجزاء على الأعمال التي نعملهاه ، فانظروا إلى أعمالنا وأعمالكم تجدوا أعمالنا خيراً من أعمالكم ، لأننا نزيد عليكم لإِخلاص لله فثي تلك الأعمال فلا تستبعدوا أن يؤهل أهل إخلاصه بإكرامهم بالنبوبة .

فقوله تعالى : { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } حجتان مبطلتان لدعوى أهل الكتاب أنهم أحق لأن تكون النبوة فيهم لأن نسبة العباد إلى الله - تعالى - واحدة هو ربهم وهم عباده ، والتفاضل في المنازل لديه إنما يكون بالأعمال الصالحة والإِخلاص لله فيها ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، ويختص بوحيه من يراه أهلا لذلك ، وقد شاء - سبحانه - أن ينزل وحيه على محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي ، بدين عام خالد فيه الهداية والنور والفلاح في الدنيا والآخرة .

وقوله تعالى : { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } بيان لسبب أحقية المسلمين بالهداية والكرامة ، والمعنى ، ونحن - يا معشر المسلمين - لربنا موحدون ، مخلص لله العبادة والعمل ، ولا نشرك معه آلهة أخرى ، أما أنتم فقد أشركتم وضللتم فقال بعضكم : " عزير ابن الله " وقال بعضكم { المسيح ابن الله } فنحن أهدى منكم سبيلا ، وأقوم قيلا .

ولم يصف المسلمون أعمالهم بالحسن ، ولا أعمال المخاطبين بالسوء تجنباً لنفور المخاطبين من سماع خطابهم ، بل أوردوا كلامهم مورد قوله تعالى { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } كما أنهم لم يقولوا : ونحن مخلصون وأنتم مخطئون ، بل اقتصروا على نسبة الإِخلاص لأنفسهم ، وفي ذلك تعريض لطيف بأن المخاطبين غير مخلصين لله ، فإن إخبار الإِنسان باشتراكه مع جماعة في أمر أو أمور ، وإفراد نفسه بعد ذلك بأمر ، يومئ إلى أن هذا الأمر الذي أثبته لنفسه خاصة معدوم في أولئك الجماعة .

فمعنى الجملة : ونحن مخلصون في أعمالنا لله وحده ، ولم نخلطها بشيء من الشرك كما فعل غيرنا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ} (139)

يقول الله تعالى مرشدا نبيه صلوات الله وسلامه عليه{[2857]} إلى درء مجادلة المشركين : { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ } أي : أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد ، واتباع أوامره وترك زواجره { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } المتصرف فينا وفيكم ، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له ! { وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي : نحن برآء منكم ، وأنتم بُرَآء منا ، كما قال في الآية الأخرى : { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ]وقال تعالى : { فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [ آل عمران : 20 ]{[2858]} وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 80 ] وقال { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } الآية [ البقرة : 258 ] .

وقال في هذه الآية الكريمة : { [ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ]{[2859]} وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } أي : نحن{[2860]} برآء منكم كما أنتم برآء منا ، ونحن له مخلصون ، أي في العبادة والتوجه .


[2857]:في جـ: "صلى الله عليه وسلم".
[2858]:في جـ: "عن إبراهيم عليه السلام".
[2859]:زيادة من و.
[2860]:في جـ، ط: "أي ونحن".