فلما قاموا مع عيسى بنصر دين الله وإقامة شرعه آمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ، فاقتتلت الطائفتان فأيد الله الذين آمنوا بنصره على عدوهم فأصبحوا ظاهرين . فلهذا قال تعالى هنا { ومكروا } أي : الكفار بإرادة قتل نبي الله وإطفاء نوره { ومكر الله } بهم جزاء لهم على مكرهم { والله خير الماكرين } رد الله كيدهم في نحورهم ، فانقلبوا خاسرين .
ثم حكى- سبحانه ما كان من بنى إسرائيل فقال : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين } والمكر : التدبير المحكم . أو صرف غيرك عما يريده بحيلة . وهو مذموم إن تحرى به الفاعل الشر والقبيح كما فعل اليهود مع عيسى - عليه السلام - ومحمود أن تحرى به الفاعل الخير والجميل .
والمعنى : أن أولئك اليهود الذين أحسن عيسى منهم الكفر دبروا له القتل غيلة واتخذوا كل الوسائل لتنفيذ مآربهم الذميمة . فأحبط الله - تعالى - مكرهم ، وأبطل تدبيرهم بأن نجى نبيه عيسى - عليه السلام - من شرورهم { والله خَيْرُ الماكرين } أى أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا ، وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب .
ويمضي السياق إلى خاتمة القصة بين عيسى - عليه السلام - وبني إسرائيل :
( ومكروا ومكر الله ، والله خير الماكرين . إذ قال الله : يا عيسى إني متوفيك ، ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ؛ ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ، فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة ، وما لهم من ناصرين . وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ، والله لا يحب الظالمين ) . .
والمكر الذي مكره اليهود الذين لم يؤمنوا برسولهم - عيسى عليه السلام - مكر طويل عريض . فقد قذفوه عليه السلام وقذفوا الطاهرة أمه مع يوسف النجار خطيبها الذي لم يدخل بها كما تذكر الأناجيل . . وقد اتهموه بالكذب والشعوذة ؛ ووشوا به إلى الحاكم الروماني " بيلاطس " وادعوا أنه " مهيج " يدعو الجماهير للانتقاض على الحكومة ! وأنه مشعوذ يجدف ويفسد عقيدة الجماهير ! حتى سلم لهم بيلاطس بأن يتولوا عقابه بأيديهم ، لأنه لم يجرؤ - وهو وثني - على احتمال تبعة هذا الإثم مع رجل لم يجد عليه ريبة . . وهذا قليل من كثير . .
( ومكروا ومكر الله . والله خير الماكرين ) . .
والمشاكلة هنا في اللفظ هي وحدها التي تجمع بين تدبيرهم وتدبير الله . . والمكر التدبير . . ليسخر من مكرهم وكيدهم إذا كان الذي يواجهه هو تدبير الله . فأين هم من الله ؟ وأين مكرهم من تدبير الله ؟
{ ومكروا } أي الذين أحس منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة . { ومكر الله } حين رفع عيسى عليه الصلاة والسلام وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل . والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والازدواج . { والله خير الماكرين } أقواهم مكرا وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.