ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يمضى في طريقه ، وأن يجهر بدعوته وأن يعرض عن المشركين ، فقد كفاه - سبحانه - شرهم فقال - تعالى - : { فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } .
وقوله { فاصدع . . } من الصدع بمعنى الإِظهار والإعلان . ومنه قولهم : انصدع الصبح ، إذا ظهر بعد ظلام الليل والصديع الفجر لانصداعه أى ظهوره . ويقال : صدع فلان بحجته ، إذا تكلم بها جهارًا .
أى : فاجهر - أيها الرسول الكريم - بدعوتك ، وبلغ ما أمرناك بتبليغه علانية ، وأعرض عن سفاهات المشركين وسوء أدبهم .
قال عبد الله بن مسعود : ما زال النبى صلى الله عليه وسلم مستخفيا بدعوته حتى نزلت هذه الآية . فخرج هو وأصحابه ،
وحين يصل السياق إلى هذا الحد ، يتجه بالخطاب إلى الرسول [ ص ] أن يمضي في طريقه . يجهر بما أمره الله أن يبلغه . ويسمى هذا الجهر صدعا - أي شقا - دلالة على القوة والنفاذ . لا يقعده عن الجهر والمضي شرك مشرك فسوف يعلم المشركون عاقبة أمرهم . ولا استهزاء مستهزيء فقد كفاه الله شر المستهزئين :
( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ؛ إنا كفيناك المستهزئين ، الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ) . .
يقول تعالى آمرًا رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه{[16290]} والصَّدع به ، وهو مواجهة المشركين به ، كما قال ابن عباس : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } أي : أمضه . وفي رواية : افعل ما تؤمر .
وقال مجاهد : هو الجهر بالقرآن في الصلاة .
وقال أبو عبيدة ، عن{[16291]} عبد الله بن مسعود : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا ، حتى نزلت : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } فخرج هو وأصحابه{[16292]}
وقوله : { وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } أي : بلغ ما أنزل إليك من ربك ، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله . { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] ولا تخفْهم ؛ فإن الله كافيك إياهم ، وحافظك منهم ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ]
قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن رجل ، عن ابن عباس قال : كان رأسُهم الوليد بن المغيرة ، وهو الذي جمعهم .
وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة ، نحو سياق محمد بن إسحاق ، عن يزيد ، عن عروة ، بطوله ، إلا أن سعيدًا يقول : الحارث بن غيطلة . وعكرمة يقول : الحارث بن قيس .
قال الزهري : وصدقا ، هو الحارث بن قيس ، وأمه غيطلة .
وكذا روي عن مجاهد ، ومقسم ، وقتادة ، وغير واحد ، أنهم كانوا خمسة .
{ فاصدع } معناه فانفد وصرح بما بعثت به ، والصدع التفريق بين ملتئم كصدع الزجاجة ونحوه ، فكأن المصرح بقول يرجع إليه ، يصدع به ما سواه مما يضاده ، والصديع الصبح{[7230]} لأنه يصدع الليل ، وقال مجاهد : نزلت في أن يجهر بالقرآن في الصلاة ، وفي { تؤمر } ضمير عائد على { ما } ، تقديره ما تؤمر به أو تؤمره وفي هذين تنازع ، وقوله { وأعرض عن المشركين } من آيات المهادنات التي نسختها آية السيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.