{ 16 - 18 } { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }
هذا تهديد ووعيد ، لمن استمر في طغيانه وتعديه ، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة ، فقال : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } وهو الله تعالى ، العالي على خلقه .
{ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } بكم وتضطرب ، حتى تتلفكم وتهلككم{[1178]}
ثم حذر - سبحانه - من بطشه وعقابه فقال : { أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } . .
والخسف : انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض فصير باطنا ، والباطن ظاهرا . .
والمَوْر : شدة الاضطراب والتحرك . يقال : مار الشئ مَوْرا ، إذا ارتج واضطرب ، والمراد بمن فى السماء : الله - عز وجل - بدون تحيز أو تشبيه أو حلول فى مكان .
قال الإمام الآلوسى : قوله : { أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء } وهو الله - عز وجل - كما ذهب إليه غير واحد ، فقيل على تأويل : من في السماء أمره وقضاؤه ، يعني أنه من التجوز في الإِسناد ، أو أن فيه مضافا مقدرا ، وأصله : من في السماء أمره ، فلما حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر ، وقيل على تقدير : خالق من في السماء . .
وقيل في بمعنى على ، ويراد العلو بالقهر والقدرة . .
وأئمة السلف لم يذهبوا إلى غيره - والآية عندهم من المتشابه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : آمنوا بمتشابهه ، ولم يقل أولوه . فهم مؤمنون بأنه - عز وجل - في السماء : على المعنى الذي أراده - سبحانه - مع كمال التنزيه . وحديث الجارية - التي قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم أين الله ؟ فأشارت إلى السماء - من أقوى الأدلة في هذا الباب . وتأويله بما أول به الخلف ، خروج عن دائرة الإِنصاف عند ذوي الألباب . .
والمعنى : أأمنتم - أيها الناس - من في السماء وهو الله - عز وجل - أن يذهب الأرض بكم ، فيجعل أعلاها أسفلها . . فإذا هي تمور بكم وتضطرب ، وترتج ارتجاجا شديدا تزول معه حياتكم .
فالمقصود بالآية الكريمة تهديد الذين يخالفون أمره ، بهذا العذاب الشديد ، وتحذيرهم من نسيان بطشه وعقابه .
والباء في قوله { بِكُم } للمصاحبة . أي : يخسفها وأنتم مصاحبون لها بذواتكم ، بعد أن كانت مذللة ومسخرة لمنفعتكم . .
والآن - وبينما هم في هذا الأمان على ظهر الأرض الذلول ، وفي هذا اليسر الفائض بإذن الله وأمره . . الآن يهز هذه الأرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها رجا فإذا هي تمور . ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور . . يهز هذه الأرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم ، لينتبهوا من غفلة الأمان والقرار ، ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب ، ويعلقوا قلوبهم بقدر الله :
( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ? أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ? فستعلمون كيف نذير ! ولقد كذب الذين من قبلهم . فكيف كان نكير ? ) . .
والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول ، ويحلبونها فينالون من رزق الله فيها نصيبهم المعلوم ! يعرفون كيف تتحول إلى دابة غير ذلول ولا حلوب ، في بعض الأحيان ، عندما يأذن الله بأن تضطرب قليلا فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو يتحطم ! ويمور كل ما عليها ويضطرب فلا تمسكه قوة ولا حيلة . ذلك عند الزلازل والبراكين ، التي تكشف عن الوحش الجامح ، الكامن في الدابة الذلول ، التي يمسك الله بزمامها فلا تثور إلا بقدر ، ولا تجمح إلا ثواني معدودات يتحطم فيها كل ما شيد الإنسان على ظهرها ؛ أو يغوص في جوفها عندما تفتح أحد أفواهها وتخسف كسفه منها . . وهي تمور . . البشر ولا يملكون من هذا الأمر شيئا ولا يستطيعون .
وهم يبدون في هول الزلزال والبركان والخسف كالفئران الصغيرة محصورة في قفص الرعب ، من حيث كانت آمنة لاهية غافلة عن القدرة الكبرى الممسكة بالزمام !
والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب ، وتحرق وتصعق . وهم بإزائها ضعاف عاجزون ، بكل ما يعلمون وما يعملون . والعاصفة حين تزأر وتضرب بالحصى الحاصب ، وتأخذ في طريقها كل شيء في البر أو البحر أو الجو يقف الإنسان أمامها صغيرا هزيلا حسيرا حتى يأخذ الله بزمامها فتسلس وتلين !
والقرآن يذكر البشر الذين يخدعهم سكون الدابة وسلامة مقادتها ، ويغريهم الأمان بنسيان خالقها ومروضها . يذكرهم بهذه الجمحات التي لا يملكون من أمرها شيئا . والأرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور ، وتقذف بالحمم وتفور . والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب لا تقف له قوة في الأرض من صنع البشر ، ولا تصده عن التدمير . . يحذرهم وينذرهم في تهديد يرج الأعصاب ويخلخل المفاصل .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَأَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } .
يقول تعالى ذكره : أأَمنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ أيها الكافرون أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فإذا هِيَ تَمُورُ ، يقول : فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب ، أمْ أمِنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ وهو الله أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا ، وهو التراب فيه الحصباء الصغار ، فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ، يقول : فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم ، إذ كذبتم به ، ورددتموه على رسولي .
أأمنتم من في السماء ، يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم ، أو الله تعالى ، على تأويل من في السماء أمره أو قضاؤه ، أو على زعم العرب ، فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء ، وعن ابن كثير : وأمنتم بقلب الهمزة الأولى واوا لانضمام ما قبلها ، وآمنتم بقلب الثانية ألفا وهو قراءة نافع وأبي عمرو ورويس ، أن يخسف بكم الأرض فيغيبكم فيها كما فعل بقارون ، وهو بدل الاشتمال . فإذا هي تمور : تضطرب ، والمور التردد في المجيء والذهاب .
قرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر : «أأمنتم » بهمزتين مخففتين دون مد ، وقرأ أبو عمرو ونافع : «النشور آمنتم » بمد وهمزة ، وقرأ ابن كثير : «النشور وأمنتم » ببدل الهمزة واواً لكونها بعد ضمة ، وهو بعد الواو . وقوله تعالى : { من في السماء } جار على عرف تلقي البشر أوامر الله تعالى ، ونزول القدر بحوادثه . وخسف الأرض : أن تذهب سفلاً ، و { تمور } معناه : تذهب وتتموج كما يذهب التراب الموار ، وكما يذهب الدم الموار . ومنه قول الأعرابي : وغادرت التراب موراً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم خوف كفار مكة، فقال: {أأمنتم} عقوبة {من في السماء} يعني الرب تبارك وتعالى نفسه.
{أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} يعني: فإذا هي تدور بكم إلى الأرض السفلى، مثل قوله: {يوم تمور السماء مورا} [الطور:9]...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"أأَمنْتُمْ مَن فِي السّماءِ "أيها الكافرون "أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فإذا هِيَ تَمُورُ"، يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب.
"أمْ أمِنْتُمْ مَن فِي السّماءِ" وهو الله "أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا"، وهو التراب فيه الحصباء الصغار، "فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ"، يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم، إذ كذبتم به، ورددتموه على رسولي.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هذه الآية في موضع المحاجة على منكري البعث في وجوه:
أحدها: أنه يقول، والله أعلم: إذا أنكرتم البعث، وقد عرفتم الفرق بين العدو والولي، وبين المطيع والعاصي، فكيف أمنتم عذابه في الدنيا أن ينزل بكم من فوق رؤوسكم ومن تحت أرجلكم؟ أو قد عصيتموه، وعاديتموه بتكذيبكم رسوله واختياركم عبادة غيره، فكيف أمنتم نزول عذابه عليكم في حالتكم هذه، وأنتم لا تقرون بالآخرة ليتأخر عنكم العذاب؟ ثم قوله: {أأمنتم} أي: قد أمنتم.
والثاني: أنكم كيف أمنتم عذاب الله تعالى، وأنتم تنكرون البعث لتكون المحنة في الدنيا للجزاء في الآخرة؟ وهم يرون المحنة في الدنيا، لأنهم كانوا يزعمون أن من وسع عليه النعيم في الدنيا، فإنما وسع جزاء لعمله، ومن ضيق عليه العيش، فإنما ضيق عقوبة له بما أساء من عمله كما قال الله تعالى: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن} {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن} [الفجر: 15 و 16]. فكانوا يعدون التضييق والتوسيع في الدنيا جزاء لصنيعهم، وكانوا يقرون بالمحنة في الدنيا. والمحنة تكون من الرجاء والخوف، وقد رجوتم إنزال الرزق عليكم من السماء، ورجوتم أن يخرج لكم من الأرض ما تتعيشون به، وترزقون منه، فكيف لا تحذرون نزول العذاب عليكم من السماء، أو إتيانه من الأرض كما رجوتم النفع منها جميعا.
والثالث: أنكم إذا أنكرتم الرسول، وجحدتموه، وقد انتهى إليكم حال من سبقكم من مكذبي الرسل، كيف عذبوا، واستؤصلوا؟ فمنهم من أهلك بإمطار الحجارة عليه من السماء، ومنهم من أهلك بالخسف بالأرض، فكيف أمنتم أنتم أن ينزل عليكم ما نزل بهم، وقد أوجدتم أنتم وتعاطيتم ما تعاطاه الذين أهلكوا من التكذيب؟.
ثم قوله تعالى: {من في السماء} أراد ب {في السّماء}] نفسه؛ أخبر أنه إله السماء، لا على تثبيت أنه في الأرض سواه، وعلى النفي أن يكون هو إله الأرض، بل هو في السماء إله وفي الأرض إله. هذا كقوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7] ليس فيه أن النجوى إذا كانت بين اثنين فهو لا يكون ثالثهم. وجائز أن يكون قوله: {أأمنتم من في السماء} أي أأمنتم من في السماء ملكه وسلطانه؟ ولم يروا أحدا انتهى ملكه إلى السماء، فكيف تأمنون من بلغ ملكه السماء في معاداتكم إياه، وأنتم لا تجترئون على معاداة ملك من ملوك الأرض الذي لا يجاوز ملكه الأرض تنبيها من وتخويفا من سلطانه، فيكف تأمنون عذاب من بلغ ملكه ما ذكرنا.
وقوله تعالى: {فإذا هي تمور} قيل: تهوي في الأرض أبدا إلى أسفل السافلين. وقيل: تمور بأهلها بقعرها على ما كانت من قبل تمور على ظهرها قبل أن توتد بالجبال.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما لم يكن بعد الاستعطاف إلا الإنذار على الخلاف، قال مهدداً للمكذبين بعذاب دون عذاب جهنم، منكراً عليهم الأمان، بعد إقامة الدليل على أن بيده الملك، وأنه قادر على ما يريد منه بأسباب جنوده وبغير سبب، مقرراً بعد تقرير حاجة الإنسان وعجزه، أنه لا حصن له و لا مانع له بوجه من عذاب الله، فهو دائم الافتقار ملازم للصغار: {أأمنتم} أي أيها المكذبون، وخاطبهم بما كانوا يعتقدون مع أنه إذا حمل على الرتبة وأول السماء بالعلو، أو جعل كناية عن التصرف، لأن العادة جرت غالباً أن من كان في شيء كان متصرفاً فيه، صح من غير تأويل فقال: {من في السماء}، العالية قاهرة لكم، أو المعنى: من الملائكة الغلاظ الشداد الذين صرفهم في مصالح العباد، أو المعنى: في غاية العلو رتبة، أو أن ذلك إشارة إلى أن في السماء أعظم أمره، لأنها ترفع إليها أعمال عباده، وهي مهبط الوحي، ومنزل القطر، ومحل القدس والسلطان والكبرياء، وجهة العرش، ومعدن المطهرين والمقربين من الملائكة، الذين أقامهم الله في تصريف أوامره ونواهيه، والذي دعا إلى مثل هذا التأويل السائغ الماشي على لسان العرب قيام الدليل القطعي على أنه سبحانه ليس بمتحيز في جهة، لأنه محيط فلا يحاط به، لأن ذلك لا يكون إلا لمحتاجز.. {يخسف} أي أأمنتم خسفه، ويجوز أن يراد ب "من " الله سبحانه وتعالى كما مضى خطاباً على زعمهم وظنهم أنه في السماء، وإلزاماً لهم بأنه كما قدر على الإمطار والإنبات وغيرهما من التصرفات في الأرض، فهو يقدر على غيره. {بكم الأرض} كما خسف بقارون وغيره. ولما كان الذي يخسف به من الأرض، يصير كالساقط في الهواء، وكان الساقط في الهواء يصير يضطرب، سبب عن ذلك قوله: {فإذا هي} أي الأرض التي أنتم بها {تمور} أي تضطرب وهي تهوي بكم وتجري هابطة في الهواء وتتكفأ إلى حيث شاء سبحانه، قال في القاموس: المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والآن -وبينما هم في هذا الأمان على ظهر الأرض الذلول، وفي هذا اليسر الفائض بإذن الله وأمره.. الآن يهز هذه الأرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها رجا فإذا هي تمور. ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور.. يهز هذه الأرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم، لينتبهوا من غفلة الأمان والقرار، ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب، ويعلقوا قلوبهم بقدر الله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور؟ أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا؟ فستعلمون كيف نذير! ولقد كذب الذين من قبلهم. فكيف كان نكير؟).. والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول، ويحلبونها فينالون من رزق الله فيها نصيبهم المعلوم! يعرفون كيف تتحول إلى دابة غير ذلول ولا حلوب، في بعض الأحيان، عندما يأذن الله بأن تضطرب قليلا فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو يتحطم! ويمور كل ما عليها ويضطرب فلا تمسكه قوة ولا حيلة. ذلك عند الزلازل والبراكين، التي تكشف عن الوحش الجامح، الكامن في الدابة الذلول، التي يمسك الله بزمامها فلا تثور إلا بقدر، ولا تجمح إلا ثواني معدودات يتحطم فيها كل ما شيد الإنسان على ظهرها؛ أو يغوص في جوفها عندما تفتح أحد أفواهها وتخسف كسفه منها.. وهي تمور.. البشر ولا يملكون من هذا الأمر شيئا ولا يستطيعون. وهم يبدون في هول الزلزال والبركان والخسف كالفئران الصغيرة محصورة في قفص الرعب، من حيث كانت آمنة لاهية غافلة عن القدرة الكبرى الممسكة بالزمام! والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب، وتحرق وتصعق. وهم بإزائها ضعاف عاجزون، بكل ما يعلمون وما يعملون. والعاصفة حين تزأر وتضرب بالحصى الحاصب، وتأخذ في طريقها كل شيء في البر أو البحر أو الجو يقف الإنسان أمامها صغيرا هزيلا حسيرا حتى يأخذ الله بزمامها فتسلس وتلين! والقرآن يذكر البشر الذين يخدعهم سكون الدابة وسلامة مقادتها، ويغريهم الأمان بنسيان خالقها ومروضها. يذكرهم بهذه الجمحات التي لا يملكون من أمرها شيئا. والأرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور، وتقذف بالحمم وتفور. والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب لا تقف له قوة في الأرض من صنع البشر، ولا تصده عن التدمير.. يحذرهم وينذرهم في تهديد يرج الأعصاب ويخلخل المفاصل. (فستعلمون كيف نذير)!!!...