البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

قرأ نافع وأبو عمرو والبزي : { أأمنتم } بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، وأدخل أبو عمرو وقالون بينهما ألفاً ، وقنبل : بإبدال الأولى واواً لضمة ما قبلها ، وعنه وعن ورش أوجه غير هذه ؛ والكوفيون وابن عامر بتحقيقهما .

{ من في السماء } : هذا مجاز ، وقد قام البرهان العقلي على أن تعالى ليس بمتحيز في جهة ، ومجازه أن ملكوته في السماء لأن في السماء هو صلة من ، ففيه الضمير الذي كان في العامل فيه ، وهو استقر ، أي من في السماء هو ، أي ملكوته ، فهو على حذف مضاف ، وملكوته في كل شيء .

لكن خص السماء بالذكر لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ ، ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأمره ونهيه ، أو جاء هذا على طريق اعتقادهم ، إذ كانوا مشبهة ، فيكون المعنى : أأمنتم من تزعمون أنه في السماء ؟ وهو المتعالي عن المكان .

وقيل : من على حذف مضاف ، أي خالق من في السماء .

وقيل : من هم الملائكة .

وقيل : جبريل ، وهو الملك الموكل بالخسف وغيره .

وقيل : من بمعنى على ، ويراد بالعلو القهر والقدرة لا بالمكان ، وفي التحرير : الاجماع منعقد على أنه ليس في السماء بمعنى الاستقرار ، لأن من قال من المشبهة والمجسمة أنه على العرش لا يقول بأنه في السماء .

{ أن يخسف بكم الأرض } وهو ذهابها سفلاً ، { فإذا هي تمور } : أي تذهب أو تتموج ، كما يذهب التراب في الريح .