الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

{ أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَآءِ } وقال ابن عباس : أمنتم عذاب مَنْ في السماء أن عصيتموه . وقيل : معنى { أَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَآءِ } : قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته ، وقيل : إنّما قال : { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي السَّمَآءِ } لأنّهم كانوا يعترفون بأنّه إله السماء ، ويزعمون أنّ الأصنام آلهة الأرض ، وكانوا يدعون الله من جهة السماء ، وينتظرون نزول أمره بالرحمة والسطوة منها .

وقال المحقّقون : معنى قوله : { فِي السَّمَآءِ } أي فوق السماء كقوله تعالى :

{ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ } [ التوبة : 2 ] ، أي فوقها لا بالمماسة والتحيز ، ولكن بالقهر والتدبير .

وقيل : معناه على السماء كقوله :

{ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ } [ طه : 71 ] ومعناه : إنّه مالكها ومدبّرها والقائم عليها ، كما يقال : فلان على العراق والحجاز ، وفلان على خراسان وسجستان ، يعنون أنّه واليها وأميرها .

وأعلم أنّ الآيات والأخبار الصحاح في هذا الباب كثيرة ، وكلّها إلى العلو مشيرة ، ولا يدفعها إلاّ ملحد جاحد ، أو جاهل معاند ، والمراد بها والله أعلم ، توقيره وتعظيمه وتنزيهه عن السفل والتحت ، ووصفه بالعلو والعظمة ، دون أن يكون موصوفاً بالأماكن والجهات والحدود والحالات ؛ لأنّها صفات الأجسام ، وأمارات الحدث ، والله سبحانه وتعالى كان ولا مكان ، فخلق الأمكنة غير محتاج إليها ، وهو على ما لا يزل ، ألا يرى أنّ الناس يرفعون أيديهم في حال الدعاء إلى السماء ، مع إحاطة علمه وقدرته ومملكته بالأرض وغيرها أحاطتها بالسماء ، إلاّ أنّ السماء مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحلّ القدس ، ومعدن المطهرين المقرّبين من ملائكته ، وإليها تُرفع أعمال عباده ، وفوقها عرشه وجنّته ، وبالله التوفيق .

{ أَن يَخْسِفَ } يغور { بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } قال الحسن : تُحرّك بأهلها ، وقال الضحّاك : تدور بهم وهم في قعرها ، وقال ابن كيسان : تهوي بهم .