الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

قوله : { أَأَمِنتُمْ } : قد تقدَّم اختلافُ القراءِ في الهمزَتَيْن المفتوحتين نحو

{ أَأَنذَرْتَهُمْ } [ البقرة : 6 ] تحقيقاً وتخفيفاً وإدخالِ ألفٍ بينهما وعَدَمِه في البقرة ، وأن قُنْبلاً يَقرأ هنا بإبدالِ الهمزة الأولى واواً في الوصل . فيقول : { وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } و { أَمِنْتُمْ } وهو على أصلِه مِنْ تسهيلِ الثانيةِ بينَ بينَ وعَدَمِ ألفٍ بينهما ، وأمَّا إذا ابتدأ فيُحقِّق الأولى ويُسَهِّلُ الثانيةَ بينَ بينَ على ما تقدَّم ، ولم يُبْدل الأولى واواً لزوالِ مُوجِبه ، وهو انضمامُ ما قبلها وهي مفتوحةٌ نحو : مُوَجَّل ويُواخِذُكم ، وهذا قد مضى في سورة الأعراف عند قولِه : { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ } [ الأعراف : 123 ] وإنما أَعَدْتُه بياناً وتذكيراً .

قوله : { مَّن فِي السَّمَآءِ } ، مفعولُ " أَمِنْتُم " ، وفي الكلامِ حَذْفُ مضافٍ أي : أمِنْتُمْ خالقَ مَنْ في السماوات . وقيل : " في " بمعنى على أي : على السماء ، وإنما احتاج القائلُ بهذَيْن إلى ذلك ، لأنه اعتقد أن " مَنْ " واقعةٌ على الباري تعالى وهو الظاهرُ ، وثَبَتَ بالدليل القطعيِّ أنه ليس بمتحيِّزٍ لئلا يلزَمَ التجسيمُ . ولا حاجةَ إلى ذلك فإن " مَنْ " هنا المرادُ بها الملائكةُ سكانُ السماء ، وهم الذين يَتَوَلَّوْن الرحمة والنِّقْمة . وقيل : خُوطبوا بذلك على اعتقادِهم ، فإنَّ القومَ كانوا مُجَسِّمة مشبِّهَةً ، والذي تقدَّم أحسنُ .

وقوله : { أَن يَخْسِفَ } و " أَنْ يرسلَ " فيه وجهان ، أحدُهما : أنهما بدلان مِنْ " مَنْ في السماء " بَدلُ اشتمال ، أي : أَمِنْتُمْ خَسْفَه وإرسالَه ، كذا قاله أبو البقاء . والثاني : أَنْ يكونَ على حَذْفِ " مِنْ " أي : أَمِنْتُم مِنَ الخَسْفِ والإِرسالِ ، والأولُ أظهرُ . وقد تقدَّم أنَّ " نذير " " ونكير " مصدران بمعنى الإِنكار والإِنذار . وأثبت ورش يا " نَذيري " وَقْفاً ، وحذَفَها وَصْلاً ، وحَذَفَها الباقون في الحالَيْن .