الآية 16 وقوله تعالى : { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور } هذه الآية في موضع المحاجة على [ منكري البعث في وجوه :
أحدها : أنه ]{[21694]} يقول ، والله أعلم : إذا أنكرتم البعث ، وقد عرفتم الفرق بين العدو والولي ، وبين المطيع والعاصي ، فكيف أمنتم عذابه في الدنيا أن ينزل بكم من فوق رؤوسكم ومن تحت أرجلكم ؟ أو قد عصيتموه ، وعاديتموه بتكذيبكم رسوله واختياركم عبادة غيره ، فكيف أمنتم نزول عذابه عليكم في حالتكم هذه ، وأنتم لا تقرون بالآخرة ليتأخر عنكم العذاب ؟
ثم قوله : { أأمنتم } أي قد أمنتم .
والثاني : أنكم كيف أمنتم عذاب الله تعالى ، وأنتم تنكرون البعث لتكون المحنة في الدنيا للجزاء في الآخرة ؟ وهم يرون المحنة في الدنيا ، لأنهم كانوا يزعمون أن من وسع عليه النعيم في الدنيا ، فإنما وسع جزاء لعمله ، ومن ضيق عليه العيش ، فإنما ضيق عقوبة له بما أساء من عمله كما قال الله تعالى : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن } { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن } [ الفجر : 15 و 16 ] .
فكانوا يعدون التضييق والتوسيع في الدنيا جزاء لصنيعهم ، وكانوا يقرون بالمحنة في الدنيا .
والمحنة تكون من الرجاء والخوف ، وقد رجوتم إنزال الرزق عليكم من السماء ، ورجوتم أن يخرج لكم من الأرض ما تتعيشون به ، وترزقون منه ، فكيف لا تحذرون نزول العذاب عليكم من السماء ، أو إتيانه من الأرض كما رجوتم النفع منها / 584- ا/ جميعا .
والثالث : أنكم إذا أنكرتم الرسول ، وجحدتموه ، وقد انتهى إليكم حال من سبقكم من مكذبي الرسل ، كيف عذبوا ، واستؤصلوا ؟ فمنهم من أهلك بإمطار الحجارة عليه من السماء ، ومنهم من أهلك بالخسف بالأرض ، فكيف أمنتم أنتم أن ينزل عليكم ما نزل بهم ، وقد أوجدتم أنتم وتعاطيتم ما تعاطاه الذين أهلكوا من التكذيب ؟ .
ثم قوله تعالى : { من في السماء } أراد [ ب { في السّماء } ]{[21695]} نفسه ؛ أخبر أنه إله السماء ، لا على تثبيت أنه في الأرض سواه ، وعلى النفي أن يكون [ هو ]{[21696]} إله الأرض ، بل هو في السماء إله وفي الأرض إله . هذا كقوله تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } [ المجادلة : 7 ] ليس فيه أن النجوى إذا كانت بين اثنين فهو لا يكون ثالثهم .
وجائز أن يكون قوله : { أأمنتم من في السماء } أي أأمنتم من في السماء ملكه وسلطانه ؟ ولم يروا أحد انتهى ملكه إلى السماء ، فكيف تأمنون من بلغ ملكه السماء في معاداتكم إياه ، وأنتم لا تجترئون على معاداة ملك من ملوك الأرض الذي يجاوز ملكه الأرض [ تنبيها من وتخويفا ]{[21697]} من سلطانه ، فيكف تأمنون عذاب من بلغ ملكه ما ذكرنا .
وقوله تعالى : { فإذا هي تمور } قيل : تهوي في الأرض أبدا إلى أسفل السافلين . وقيل : تمور بأهلها بقعرها على ما كانت من قبل تمور على ظهرها قبل أن توتد بالجبال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.