قوله : { أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السماء } .
تقدم اختلاف القراء في الهمزتين المفتوحتين نحو { أَأَنذَرْتَهُمْ }[ البقرة : 6 ] تخفيفاً وتحقيقاً وإدخال ألف بينهما وعدمه في سورة «البقرة » .
وأن قنبلاً يقرأ هنا{[57421]} : بإبدال الهمزة الأولى واواً في الوصل «وإليْهِ النشورُ وأمنتُمْ » ، وهو على أصله من تسهيل الثانية بين بين ، وعدم ألف بينهما ، وأما إذا ابتدأ ، فيحقق الأولى ، ويسهل الثانية بين بين على ما تقدم ، ولم تبدل الأولى واواً ، لزوال موجبه وهو انضمام ما قبلها ، وهي مفتوحة نحو «مُوجِل ، ويُؤاخِذكُم » ، وقد مضى في سورة «الأعراف » عند قوله تعالى : { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ }[ الأعراف : 123 ] ، وإنما عددناه تذكيراً ، وبياناً .
قوله : { مَّن فِي السماء } . مفعول «أأمِنْتُمْ » وفي الكلام حذف مضاف ، أي : أمنتم خالق السماوات .
وقيل : «فِي » بمعنى «على » ، أي : على السماء ، كقوله :{ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل }[ طه : 71 ] ، أي : على جذوع النخل .
وإنما احتاج القائل بهذين إلى ذلك ؛ لأنه اعتقد أن «مَنْ » واقعة على الباري ، وهو الظاهر ، وثبت بالدليل القطعي أنه ليس بمتحيّز لئلا يلزم التجسيم ، ولا حاجة إلى ذلك ؛ فإن «مَنْ » هنا المراد بها : الملائكة سكان السماءِ ، وهم الذين يتولّون الرحمة والنقمة .
وقيل : خوطبوا بذلك على اعتقادهم ؛ فإن القوم كانوا مجسمة مشبِّهة ، والذي تقدم أحسن .
قال ابن الخطيب{[57422]} : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين ؛ لأن ذلك يقتضي إحاطة السَّماءِ به من جميع الجوانب ، فيكونُ أصغر منها ، والعرش أكبر من السماء بكثير ، فيكون حقيراً بالنسبة إلى العرش ، وهو باطل بالاتفاق ، ولأنه قال : { قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض }[ الأنعام : 12 ] فلو كان فيهما لكان مالكاً لنفسه ، فالمعنى : إما من في السماوات عذابه ، وإما أن ذلك ما كانت العرب تعتقد ، وإما من في السماء سلطانه وملكه وقدرته ، كما قال تعالى :{ وَهُوَ الله فِي السماوات وَفِي الأرض } [ الأنعام : 3 ] فإنَّ الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين ، والغرض من ذكر السَّماءِ تفخيم سلطان الله ، وتعظيم قدرته ، والمراد الملك الموكل بالعذاب ، وهو جبريلُ يخسفها بإذن الله .
قوله : { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض } و { أَن يُرْسِلَ } فيه وجهان :
أحدهما : أنهما بدلان من { مَنْ فِي السماء } بدل اشتمال ، أي : أمنتم خسفه ، وإرساله .
قاله أبو البقاء{[57423]} .
والثاني : أن يكون على حذف «مِنْ » ، أي : أمنتم من الخسف والإرسال ، والأول أظهر .
قال القرطبيُّ : ويحتمل أن يكون المعنى : أمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون ، { فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } أي : تذهب وتجيء ، والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء . قال الشاعر : [ الطويل ]
4801 - رَمَيْنَ فأقْصَدْنَ القُلُوبَ ولَنْ تَرَى***دَماً مَائِراً إلاَّ جرى في الحيَازِمِ{[57424]}
وإذا خسف بإنسان دارت به الأرض ، فهو المور .
قال ابن الخطيب : إن الله - تعالى - يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك ، فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها ، فيذهبون والأرض فوقهم تمُور ، فتقلبهم إلى أسفل السافلين .
قال القرطبي{[57425]} : قال المحققُون : أمنتم من فوق السَّماء ، كقوله : { فَسِيحُواْ فِي الأرض }[ التوبة : 2 ] أي : فوقها لا بالمماسة والتحيُّز ، لكن بالقهر والتدبير .
وقيل : معناه : أمنتم من على السماء ، كقوله : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل } ، أي : عليها ، ومعناه أنه مدبرها ومالكها ، كما يقال : فلان على «العراق » ، أي : وليها وأميرها ، والأخبار في هذا صحيحة ، وكثيرة منتشرة مشيرة إلى العلوّ ، لا يدفعها إلا ملحد ، أو جاهل أو معاند ، والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت ، ووصفه بالعلو والعظمة ، لا بالأماكن والجهات والحدود ؛ لأنها صفات الأجسامِ ، وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء ؛ لأن السماء مهبط الوحْي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس ، ومعدن المطهرين من الملائكة ، وإليها ترفع أعمال العباد ، وفوقها عرشه وجنته ، كما جعل اللَّهُ الكعبة قبلة للصلاة ، فإنه خلق الملائكة وهو غير محتاجٍ إليها ، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ، ولا مكان له ولا زمان ، وهو الآن على ما عليه كان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.