المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

3- وبلاغ من الله ورسوله إلى الناس عامة ، في مجتمعهم يوم الحج الأكبر ، أن الله ورسوله بريئان من عهود المشركين الخائنين - في أيها المشركون الناقضون للعهد - إذا رجعتم عن شرككم بالله ، فإن ذلك خير لكم في الدنيا والآخرة ، أما إن أعرضتم وبقيتم على ما أنتم عليه ، فاعلموا أنكم خاضعون لسلطان الله . وأنت - أيها الرسول - أنذر جميع الكافرين بعذاب شديد الإيلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

هذا ما وعد اللّه به المؤمنين ، من نصر دينه وإعلاء كلمته ، وخذلان أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة ، من بيت اللّه الحرام ، وأجلوهم ، مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز .

نصر اللّه رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة ، وأذل المشركين ، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار .

فأمر النبي{[361]}  مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر ، وهو يوم النحر ، وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم ، من جميع جزيرة العرب ، أن يؤذن بأن اللّه بريء ورسوله من المشركين ، فليس لهم عنده عهد وميثاق ، فأينما وجدوا قتلوا ، وقيل لهم : لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا ، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة .

وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ، وأذن ببراءة -يوم النحر- ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه .

ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة ، ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال : { فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ْ }

أي : فائتيه ، بل أنتم في قبضته ، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين . { وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ْ } أي : مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والأسر ، والجلاء ، وفي الآخرة ، بالنار ، وبئس القرار


[361]:- كذا في ب، وفي أ: الله.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك الموعد الذي تعلن فيه هذه البراءة من المشركين حتى لا يكون لهم عذر بعد هذا الإِعلان فقال - تعالى - :

{ وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر أَنَّ الله برياء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ . . . } .

الأذان : الإِعلام تقول : آذنته بالشئ إذا أعلمته به . ومنه الأذان للصلاة أى الإِعلام بحلول وقتها . وهو بمعنى الإِيذان كما أن العطاء بمعنى الإِعطاء .

قال الجمل : وهو مرفوع بالابتداء . و { مِّنَ الله } إما صفته أو متعلق به { إِلَى الناس } الخبر ، ويجوز أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف . أى : وهذه ، أى : الآيات الآتى ذكرها إعلام من الله ورسوله . .

والمعنى : وهذه الآيات إيذان وإعلان من الله ورسوله إلى الناس عامة يوم الحج الأكبر بأن الله ورسوله قد برئا من عهود المشركين ، وأن هذه العهود قد نبذت إليهم ، بسبب إصرارهم على شركهم ونقضهم لمواثيقهم .

وأسند - سبحانه - الأذان إلى الله ورسوله ، كما أسنتدت البراءة إليهما ، إعلاء لشأنه وتأكيدا لأمره :

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أى فرق بين معنى الجملة الأولى والثانية ؟ قلت : تلك إخبار بثبوت البراءة ، وهذه إخبار بوجوب الإِعلام بما ثبت .

فإن قلت : لم علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين وعلق الأذان بالناس ؟ قلت : لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم وأما الأذان فعام لجميع الناس " من عاهد ومن لم يعاهد ، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث " .

واختير يوم الحج الأكبر لهذا الإِعلام ، لأنه اليوم الذي يضم أكبر عدد من الناس يمكن أن يذاع الخبر عن طريقهم في جميع أنحاء البلاد .

وأصح ما قيل في يوم الحج الأكبر أنه يوم النحر . وقيل : هو يوم عرفة ، وقيل : هو جميع أيام الحج .

وقد رجح ابن جرير - بعد أن بسط الأقوال في ذلك - أن المراد بيوم الحج الأكبر : يوم النحر فقال . وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا : قول من قال : يوم الحج الأكبر ، يوم النحر ، لتظاهر الأخبار عن جماعة من الصحابة أن علياً بما أرسله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين يوم النحر ، هذا مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم النحر : " أتدرون أى يوم هذا ؟ هذا يوم الحج الأكبر " .

وقال بعض العلماء : قال ابن القيم : والصواب أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر ، لأنه ثبت في الحصيحين أن أبا بكر وعليا أذنا بذلك يوم النحر لا يوم عرفة . وفى سنن أبى داود بأصح إسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يوم الحج الأكبر يوم النحر " ، وكذا قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة .

ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه ، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع ثم يوم النحر تكون الوافدة والزيارة . . ويكون فيه ذبح القرابين ، وحلق الرءوس ، ورمى الجمار ، ومعظم أفعال الحج .

وقد ساق ابن كثير جملة من الأحاديث التي ما اكن ينادى به على بن أبى طالب والناس يوم الحج الأكبر ومن ذلك ما أخرجه الإِمام أحمد عن محرز بن أبى هريرة عن أبيه قال : كنت مع على بن أبى طالب حين بعثه النبى - صلى الله عليه وسلم - ينادى ، فكان إذا صحل ناديت - أى كان إذا بح صوته وتعب من كثرة النداء ناديت - قلت : بأى شئ كنتم تنادون ؟ قال : بأربع : لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، ومن كانله عهد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعهده إلى مدته .

وسمى يوم النحر بالحج الأكبر ، لأن العمرة كانت تمسى بالحج الأصغر ولأن ما يفعل فيه معظم الحج - كما قال ابن القيم .

هذا ، وللعلماء أقوال في إعراب لفظ { وَرَسُولِهِ } من قوله - تعالى - { أَنَّ الله برياء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ } . وقد لخص الشيخ الجمل هذه الأقوال تلخيصا حسنا فقال : قوله { وَرَسُولُهُ } بالرفع باتفاق السبعة وقرئ شاذا بالجر على المجاورة . أو على أن الواو للقسم وقرئ شاذا أيضاً بالنصب على أنه مفعول معه ، أو معطوف على لفظ الجلالة ، وفى الرفع ثلاثة وجوه : أحدها أنه مبتدأ والخبر محذوف أى : ورسوله برئ منهم ، وإنما حذف للدلالة عليه . والثانى أنه معطوف على الضمير المستتر في الخبر . . والثالث : أنه معطوف على محل اسم أن . .

ثم أردف - سبحانه - هذا الإعلام بالبراءة من عهود المشركين بترغيبهم في الإِيمان وتحذيرهم من الكفر والعصيان فقال : { فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَبَشِّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .

أى : فإن تبتم أيها المشركون من كفركم ، ورجعتم إلى الإِيمان بالله وحده واتبعتم ما جاءكم به محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو أى المتاب والرجوع إلى الحق { خَيْرٌ لَّكُمْ } من التمادى في الكفر والضلال : { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } وأعرضتم عن الإِيمان ، وأبيتم إلا الإِقامة على باطلكم { فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله } أى : فأيقنوا أنكم لا مهرب لكم من عقاب الله ، ولا إفلات لكم من أخذه وبطشه ، لأنكم أينا كنتم فأنتم في قبضته وتحت قدرته .

وقوله : { وَبَشِّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } تذييل قصد به تأكيد زجرهم عن التولى والإِعراض عن الحق .

أى : وبشر - يا محمد - هؤلاء الذين كفروا بالحق لما جاءهم بالعذاب الأليم في الآخرة بعد إنزال الخزى والمذلة بهم في الدنيا .

ولفظ البشارة ورد هنا على سبيل الاستهزاء بهم ، كما يقال : تحيتهم الضرب ، وإكرامهم الشتم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

1

بعد ذلك يبين الموعد الذي تعلن فيه هذه البراءة وتبلغ إلى المشركين لينذروا بها وبالموعد المضروب فيها :

{ وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر : أن الله بريء من المشركين ورسوله . فإن تبتم فهو خير لكم ، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله ، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } . .

ويوم الحج الأكبر اختلفت الروايات في تحديده : أهو يوم عرفة أم يوم النحر . والأصح أنه يوم النحر : والأذان البلاغ ؛ وقد وقع للناس في الموسم ؛ وأعلنت براءة الله ورسوله من المشركين كافة - من ناحية المبدأ - وجاء الاستثناء في الإبقاء على العهد إلى مدته في الآية التالية . . والحكمة واضحة في تقرير المبدأ العام ابتداء في صورة الشمول ؛ لأنه هو الذي يمثل طبيعة العلاقات النهائية . أما الاستثناء فهو خاص بحالات تنتهي بانتهاء الأجل المضروب . وهذا الفهم هو الذي توحي به النظرة الواسعة لطبيعة العلاقات الحتمية بين المعسكر الذي يجعل الناس عبيداً لله وحده ، والمعسكرات التي تجعل الناس عبيداً للشركاء ، كما أسلفنا في التقديم للسورة والتقديم لهذا المقطع منها كذلك .

ومع إعلان البراءة المطلقة يجيء الترغيب في الهداية والترهيب من الضلالة :

{ فإن تبتم فهو خير لكم ، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله ، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } . .

وهذا الترهيب وذلك الترغيب في آية البراءة ؛ يشيران إلى طبيعة المنهج الإسلامي . إنه منهج هداية قبل كل شيء . فهو يتيح للمشركين هذه المهلة لا لمجرد أنه لا يحب أن يباغتهم ويفتك بهم متى قدر - كما كان الشأن في العلاقات الدولية ولا يزال ! - ولكنه كذلك يمهلهم هذه المهلة للتروي والتدبر ، واختيار الطريق الأقوم ؛ ويرغبهم في التوبة عن الشرك والرجوع إلى الله ، ويرهبهم من التولي ، وييئسهم من جدواه ، وينذرهم بالعذاب الأليم في الآخرة فوق الخزي في الدنيا . ويوقع في قلوبهم الزلزلة التي ترجها رجاً لعل الركام الذي ران على الفطرة أن ينفض عنها ، فتسمع وتستجيب !

ثم . . هو طمأنة للصف المسلم ، ولكل ما في قلوب بعضه من مخاوف ومن تردد وتهيب ؛ ومن تحرج وتوقع .

فالأمر قد صار فيه من الله قضاء . والمصير قد تقرر من قبل الابتداء !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَأَذَانٌ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الأكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِيَءٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُوَاْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .

يقول تعالى ذكره : وإعلام من الله ورسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر . وقد بيّنا معنى الأذان فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده .

وكان سليمان بن موسى يقول في ذلك ما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : زعم سليمان بن موسى الشامي أنه قوله : وأذانٌ مِنَ اللّهِ ورَسُولِهِ قال : الأذان القصص ، فاتحة براءة حتى تختم : وإنْ خفتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فذلك ثمان وعشرون آية .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأذانٌ مِنَ اللّهِ ورَسُولِهِ قال : إعلام من الله ورسوله .

ورفع قوله : وأذانٌ مِنَ اللّهِ عطفا على قوله : بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ كأنه قال : هذه براءة من الله ورسوله ، وأذان من الله .

وأما قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ فإنه قيل اختلافا بين أهل العلم ، فقال بعضهم : هو يوم عرفة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أبو زرعة ، وهبة الله بن راشد ، قالا : أخبرنا حيوة بن شريح ، قال : أخبرنا أبو صخر ، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصهباء البكري ، وهو يقول : سألت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه يقيم للناس الحجّ ، وبعثني معه بأربعين آية من براءة ، حتى أتى عرفة ، فخطب الناس يوم عرفة فلما قضى خطبته التفت إليّ ، فقال قم يا عليّ وأدّ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة ثم صدرنا حتى أتينا منى ، فرميت الجمرة ، ونحرت البدنة ، ثم حلقت رأسي ، وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة ، فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم ، فمن ثم إخال حسبتم أنه يوم النحر ، ألا وهو يوم عرفة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت أبا جحيفة عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : يوم عرفة ، فقلت : أمن عندك أو من أصحاب محمد ؟ قال : كل ذلك .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الحجّ الأكبر : يوم عرفة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن عمر بن الوليد الشني ، عن شهاب بن عباد العصري ، عن أبيه ، قال : قال عمر رضي الله عنه : يوم الحجّ الأكبرّ : يوم عرفة . فذكرته لسعيد بن المسيب ، فقال : أخبرك عن ابن عمر أن عمر قال : الحجّ الأكبر : عرفة .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا عمر بن الوليد الشني ، قال : حدثنا شهاب بن عباد العصري ، عن أبيه ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه يقول : هذا يوم عرفة يوم الحجّ الأكبر يصومنه أحد قال : فحججت بعد أبي ، فأتيت المدينة ، فسألت عن أفضل أهلها ، فقالوا : سعيد بن المسيب . فأتيته فقلت : إني سألت عن أفضل أهل المدينة ، فقالوا : سعيد بن المسيب ، فأخبرني عن صوم يوم عرفة فقال : أخبرك عمن هو أفضل مني أضعافا : عمر أو ابن عمر ، كان ينهى عن صومه ، ويقول : هو يوم الحجّ الأكبر .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا عبد الصمد بن حبيب ، عن معقل بن داود ، قال : سمعت ابن الزبير يقول : يوم عرفة هذا يوم الحجّ الأكبر فلا يصمه أحد .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا غالب بن عبيد الله ، قال : سألت عطاء عن يوم الحجّ الأكبر : فقال : يوم عرفة ، فأفض منها قبل طلوع الفجر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ، ثم قال : «أمّا بَعْدُ » وكان لا يخطب إلا قال : «أما بعد » «فإنّ هذَا يَوْم الحَجّ الأكْبَرِ » .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن مجاهد ، قال : يوم الحجّ الأكبر : يوم عرفة .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن سلمة بن محب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم عرفة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني طاوس ، عن أبيه ، قال : قلنا : ما الحجّ الأكبر ؟ قال : يوم عرفة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن محمد بن قيس بن مخرمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة فقال : «هَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ » .

وقال آخرون : هو يوم النحر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن سلام ، عن الأجلح ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن علي قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، قال : سألت عليا عن الحجّ الأكبر ، فقال : هو يوم النحر .

حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا سليمان الشيباني ، قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى ، عن الحجّ الأكبر ، قال : فقال يوم النحر .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عياش العامري ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : يوم الحج الأكبر يوم النحر .

قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك ، قال : دخلت أنا وأبو سلمة على عبد الله بن أبي أوفى ، قال : فسألته عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : يوم النحر ، يوم يهراق فيه الدم .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن الشيبانيّ ، قال : سألت ابن أبي أوفى عن يوم الحجّ الأكبر ؟ قال : يوم النحر .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الشيباني ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى ، وسئل عن قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال : هو اليوم الذي يراق فيه الدم ويحلق فيه الشعر .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت يحيى بن الجزار يحدّث عن عليّ : أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة ، فجاءه رجل فأخذ بلجام بغلته ، فسأله عن الحجّ الأكبر ، فقال : هو يومك هذا ، خلّ سبيلها

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن مالك بن مغول وشتير ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : سئل عن يوم الحجّ الأكبر ، قال : هو يوم النحر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن عليّ ، أنه لقيه رجل يوم النحر ، فأخذ بلجامه ، فسأله عن يوم الحجّ الأكبر ، قال : هو هذا اليوم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن قيس ، عن عبد الملك بن عمير وعياش العامري ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : هو اليوم الذي يهراق فيه الدماء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أبي أوفى ، قال : الحجّ الأكبر ، يوم تهراق فيه الدماء ، ويحلق فيه الشعر ، ويحلّ فيه الحرام .

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن يسار ، قال : حدثنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى على بعير ، فقال : هذا يوم الأضحى ، وهذا يوم النحر ، وهذا يوم الحجّ الأكبر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن يسار ، قال : خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى على بعير ، وقال : هذا يوم الأضحى ، وهذا يوم النحر ، وهذا يوم الحجّ الأكبر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن يسار ، قال : خطبنا المغيرة بن شعبة ، فذكر نحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا سليمان الشيباني ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي جحيفة ، قال : الحجّ الأكبر : يوم النحر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، قال : اختصم عليّ بن عبد الله بن عباس ورجل من آل شيبة في يوم الحجّ الأكبر ، قال عليّ : هو يوم النحر ، وقال الذي من آل شيبة : هو يوم عرفة . فأرسل إلى سعيد بن جبير فسألوه ، فقال : هو يوم النحر ، إلا ترى أن من فاته يوم عرفة لم يفته الحجّ ، فإذا فاته يوم النحر فقد فاته الحجّ ؟

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال : الحجّ الأكبر : يوم النحر . قال : فقلت له : إن عبد الله بن شيبة ومحمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس اختلفا في ذلك ، فقال محمد بن عليّ : هو يوم النحر ، وقال عبد الله : هو يوم عرفة . فقال سعيد بن جبير : أرأيت لو أن رجلاً فاته يوم عرفة أكان يفوته الحجّ ؟ وإذا فاته يوم النحر فاته الحجّ .

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن الشيباني ، عن سعيد بن جبير ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : قال : المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : ثني رجل ، عن أبيه ، عن قسس بن عبادة ، قال : ذو الحجة العاشر النحر ، وهو يوم الحجّ الأكبر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن شداد ، قال : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، والحجّ الأصغر : العُمرة .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن مسلم الحجبي ، قال : سألت نافع بن جبير بن مطعم ، عن يوم الحجّ الأكبر ، قال : يوم النحر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : كان يقال : الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم يهراق فيه الدم ، ويحلّ فيه الحرام .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر الذي يحلّ فيه كلّ حرام .

قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ، عن عليّ ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن عون ، قال : سألت محمدا عن يوم الحجّ الأكبر فقال : كان يوما وافق فيه حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجّ أهل الوبر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكيم بن بشير ، قال : حدثنا عمر بن ذرّ ، قال : سألت مجاهدا عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : هو يوم النحر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثور ، عن مجاهد يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر وقال عكرمة : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، يوم يهراق فيه الدماء ، ويحلّ فيه الحرام . قال : وقال مجاهد : يوم يجمع فيه الحجّ كله ، وهو يوم الحجّ الأكبر .

قال : حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن محمد بن عليّ : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

قال : حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، قال : قال عليّ الحجّ الأكبر : يوم النحر . قال : وقال الزهري : يوم النحر : يوم الحجّ الأكبر .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس وعمرو عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : ألا لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان قال الزهري : فكان حميد يقول : يوم النحر : يوم الحجّ الأكبر .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الشعبي ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت عبد الله بن شداد عن الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر ، فقال : الحجّ الأكبر : يوم النحر ، والحجّ الأصغر : العُمرة .

قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت عبد الله بن شداد ، فذكره نحوه .

قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول : يوم الحجّ الأكبر : يوم يوضع في الشعر ، ويهراق فيه الدم ، ويحلّ فيه الحرام .

قال : حدثنا الثوريّ ، عن أبي إسحاق ، عن عليّ ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا قيس ، عن عياش العامري ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، أنه سئل عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : سبحان الله ، هو يوم يهراق فيه الدماء ، ويحلّ فيه الحرام ، ويوضع فيه الشعر وهو يوم النحر .

قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن يسار ، قال : خطبنا المغيرة بن شعبة على ناقة له ، فقال : هذا يوم النحر ، وهذا يوم الحجّ الأكبر .

قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا حسن بن صالح ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، ويحلّ فيه الحرام .

حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم ذلك ، قعد على بعير له النبيّ ، وأخذ إنسان بخطامه أو زمامه ، فقال : «أيّ يوْمٍ هَذَا ؟ » قال : فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه غير اسمه ، فقال : «ألَيْسَ يَوْمُ الحَجّ ؟ » .

حدثنا سهل بن محمد الحساني ، قال : حدثنا أبو جابر الحرثي ، قال : حدثنا هشام بن الغازي الجرشي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : وقف رسوله الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع ، فقال : «هَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ » .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن مرّة الهمداني ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة حمراء مخضرمة ، فقال : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ يَوْمُكُمْ ؟ » قالوا : يوم النحر ، قال : «صَدَقْتُمْ يَوْمَ الحَجّ الأكْبَر » .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عمرو بن مرّة ، قال : حدثنا مرّة ، قال : حدثنا رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بأربع كلمات حين حجّ أبو بكر بالناس ، فنادى ببراءة : إنه يوم الحجّ الأكبر ، ألا إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ألا ولا يطوف بالبيت عريان ، ألا ولا يحجّ بعد العام مشرك ، ألا ومن كان بينه وبين محمد عهد فأجله إلى مدته ، والله بريء من المشركين ورَسُولُه .

حدثني يعقوب ، قال : ثني هشيم ، عن حجاج بن أرطاة ، عن عطاء ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال : يوم النحر : يوم يحلّ فيه المحرم ، وينحر فيه البدن . وكان ابن عمر يقول : هو يوم النحر ، وكان أبي يقوله . وكان ابن عباس يقول : هو يوم عرفة . ولم أسمع أحدا يقول إنه يوم عرفة إلا ابن عباس . قال ابن زيد : والحجّ يفوت بفوت يوم النحر ولا يفوت بفوت يوم عرفة ، إن فاته اليوم لم يفته الليل ، يقف ما بينه وبين طلوع الفجر .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : يوم الأضحى : يوم الحجّ الأكبر .

حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : ثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفتي هذه ، حسبته قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة حمراء مخضرمة ، فقال : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ هَذَا يَوْمُ النّحْرِ وهَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ » .

وقال آخرون : معنى قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ حين الحجّ الأكبر ووقته . قال : وذلك أيام الحجّ كلها لا يوم بعينه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ حين الحجّ ، أيامه كله .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الحجّ الأكبر : أيام مِني كلها ، ومجامع المشركين حين كانوا بذي المجاز وعكاظ ومجنّة ، حين نودي فيهم : أن لا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا وأن لا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : كان سفيان يقول : يوم الحجّ ، ويوم الجمل ، ويوم صفين : أي أيامه كلها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال حين الحج ، أي أيامه كلها .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا : قول من قال : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ : يوم النحر لتظاهر الأخبار عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليّا نادى بما أرسله به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسالة إلى المشركين ، وتلا عليهم براءة يوم النحر . هذا مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم النحر : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ هَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ . وبعد : فإن اليوم إنما يضاف إلى معنى الذي يكون فيه ، كقول الناس : يوم عرفة ، وذلك يوم وقوف الناس بعرفة ، ويوم الأضحى ، وذلك يوم يضحون فيه ويوم الفطر ، وذلك يوم يفطرون فيه وكذلك يوم الحجّ ، يوم يحجون فيه . وإنما يحجّ الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر ، لأن في ليلة نهار يوم النحر الوقوف بعرفة كان إلى طلوع الفجر ، وفي صبيحتها يعمل أعمال الحجّ فأما يوم عرفة فإنه وإن كان الوقوف بعرفة فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر ، والحجّ كله يوم النحر .

وأما ما قال مجاهد من أن يوم الحجّ إنما هو أيامه كلها ، فإن ذلك وإن كان جائزا في كلام العرب ، فليس بالأشهر الأعرف في كلام العرب من معاينه ، بل غلب على معنى اليوم عندهم أنه من غروب الشمس إلى مثله من الغد ، وإنما محمل تأويل كتاب الله على الأشهر الأعرف من كلام من نزل الكتاب بلسانه .

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لهذا اليوم : يوم الحجّ الأكبر ، فقال بعضهم : سمي بذلك لأن ذلك كان في سنة اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : إنما سمي الحجّ الأكبر من أجل أنه حجّ أبو بكر الحجة التي حجها ، واجتمع فيها المسلمون والمشركون ، فلذلك سمي الحجّ الأكبر ، ووافق أيضا عيد اليهود والنصارى .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن الحرث بن نوفل ، قال : يوم الحجّ الأكبر كانت حجة الوداع اجتمع فيه حجّ المسلمين والنصارى واليهود ولم يجتمع قبله ولا بعده .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن ، قال قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال : إنما سمي الحجّ الأكبر لأنه يوم حجّ فيه أبو بكر ، ونبذت فيه العهود .

وقال آخرون : الحجّ الأكبر : القران ، والحجّ الأصغر : الإفراد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو بكر النهشلي ، عن حماد ، عن مجاهد ، قال : كان يقول : الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر فالحجّ الأكبر : القران ، والحجّ الأصغر : إفراد الحجّ .

وقال آخرون : الحجّ الأكبر : الحجّ ، والحجّ الأصغر : العمرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الحجّ الأكبر : الحجّ ، والحجّ الأصغر : العمرة .

قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن داود ، عن عامر ، قال : قلت له : هذا الحجّ الأكبر ، فما الحجّ الأصغر ؟ قال : العُمرة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال : كان يقال : الحجّ الأصغر : العمرة في رمضان .

قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان يقول : الحجّ الأصغر : العمرة .

قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي أسماء ، عن عبد الله بن شداد ، قال : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، والحجّ الأصغر : العمرة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري : أن أهل الجاهلية كانوا يسمون الحجّ الأصغر : العمرة .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي قول من قال : الحجّ الأكبر الحجّ لأنه أكبر من العمرة بزيادة عمله على عملها ، فقيل له الأكبر لذلك . وأما الأصغر فالعمرة ، لأن عملها أقلّ من عمل الحجّ ، فلذلك قيل لها الأصغر لنقصان عملها عن عمله .

وأما قوله : أنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فإن معناه : أن الله بريء من عهد المشركين ورسوله بعد هذه الحجة . ومعنى الكلام : وإعلام من الله ورسوله إلى الناس في يوم الحجّ الأكبر ، أن الله ورسوله من عهد المشركين بريئان كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : أنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ أي بعد الحجة .

القول في تأويل قوله تعالى : فإنْ تُبْتُمْ فهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإنْ تَوَلّيْتُمْ فاعْلَمُوا أنّكُمْ غيرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أليمٍ .

يقول تعالى : فإن تبتم من كفركم أيها المشركون ، ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الاَلهة والأنداد ، فالرجوع إلى ذلك خير لكم من الإقامة على الشرك في الدنيا والاَخرة . وإنْ تَوَلّيْتُمْ يقول : وإن أدبرتم عن الإيمان بالله وأبيتم إلا الإقامة على شرككم . فاعْلَمُوا أنّكُمْ غيرُ مُعْجِزي اللّهِ يقول : فأيقنوا أنكم لا تفيتون الله بأنفسكم من أن يحلّ بكم عذابه الأليم وعقابه الشديد على إقامتكم على الكفر ، كما فعل بذويكم من أهل الشرك ، من إنزال نقمه به وإحلاله العذاب عاجلاً بساحته . وَبَشّر الّذِينَ كَفَرُوا يقول : واعلم يا محمد الذين جحدوا نبوّتك وخالفوا أمر ربهم بعذاب موجع يحلّ بهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : فإنْ تُبْتُمْ قال آمنتم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

{ وأذان من الله ورسوله إلى الناس } أي إعلام فعال بمعنى الإفعال كالأمان والعطاء ، ورفعه كرفع { براءة } على الوجهين . { يوم الحج الأكبر } يوم العيد لأن فيه تمام الحج معظم أفعاله ، ولأن الإعلام كان فيه ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال " هذا يوم الحج الأكبر " وقيل يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " . ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر ، أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله فإنه أكبر من باقي الأعمال ، أو لأن ذلك الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب ، أو لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين .

{ أن الله } أي بأن الله . { بريء من المشركين } أي من عهودهم . { ورسوله } عطف على المستكن في { بريء } ، أو على محل { إن } واسمها في قراءة من كسرها إجراء للأذان مجرى القول ، وقرئ بالنصب عطفا على اسم إن أو لأن الواو بمعنى مع ولا تكرير فيه ، فإن قوله { براءة من الله } إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين . { فإن تبتم } من الكفر والغدر . { فهو } فالتوب { خير لكم وإن تولّيتم } عن التوبة أو تبتم على التولي عن الإسلام والوفاء . { فاعلموا أنكم غير معجزي الله } لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا في الدنيا . { وبشّر الذين كفروا بعذاب أليم } في الآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

وقوله تعالى : { وأذان من الله ورسوله إلى الناس } الآية ، { وأذان } معناه إعلام وإشهار ، و { الناس } ها هنا عام في جميع الخلق ، و { يومَ } منصوب على الظرف والعامل فيه { آذان } وإن كان قد وصف فإن رائحة الفعل باقية ، وهي عاملة في الظروف ، وقيل لا يجوز ذلك إذ قد وصف المصدر فزالت عنه قوة الفعل ، ويصح أن يعمل فيه فعل مضمر تقتضيه الألفاظ ، وقيل العامل في صفة الأذان وقيل العامل فيه { مخزي } .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد ، و { يوم الحج الأكبر } قال عمر وابن عمر وابن المسيب وغيرهم : هو يوم عرفة ، وقال به علي ، وروي عنه أيضاً أنه يوم النحر ، وروي ذلك عن أبي هريرة وجماعة غيرهم ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال منذر بن سعيد وغيره : كان الناس يوم عرفة مفترقين إذ كانت الحمس تقف بالمزدلفة وكان الجمع يوم النحر بمنى ، فلذلك كانوا يسمونه الحج الأكبر أي من الأصغر الذي هم فيه مفترقون .

قال القاضي أبو محمد : وهذا زال في حجة أبي بكر لأنه لم يقف بالمزدلفة ، وقد ذكر المهدوي أن الحمس ومن اتبعها وقفوا بالمزدلفة في حجة أبي بكر ، والذي تظاهرت به الأحاديث في هذا المعنى أن علياً رضي الله عنه أذن بتلك الآية يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر ، ثم رأى أنه لم يعلم الناس بالإسماع فتتبعهم بالأذان بها يوم النحر ، وفي ذلك اليوم بعث معه أبو بكر من يعينه بالأذان بها كأبي هريرة وغيره ، وتتبعوا بها أيضاً أسواق العرب كذي المجاز وغيره ، فمن هنا يترجح قول سفيان إن { يوم } في هذه الآية بمعنى أيام ، بسبب ذلك قالت طائفة { يوم الحج الأكبر } عرفة حيث وقع أول الأذان وقالت طائفة أخرى : هو يوم النحر حيث وقع إكمال الأذان ، واحتجوا أيضاً بأنه من فاته الوقوف يوم عرفة فإنه يجزيه الوقوف ليلة النحر ، فليس يوم عرفة على هذا يوم الحج الأكبر .

قال القاضي أبو محمد : ولا حجة في هذا ، وقال سفيان بن عيينة : المراد أيام الحج كلها كما تقول يوم صفين ويوم الجمل يريد جميع أيامه ، وقال مجاهد { يوم الحج الأكبر } أيام منى كلها ، ومجامع المشركين حيث كانوا بذي المجاز وعكاظ حين نودي فيهم ألا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كما قال عثمان لعمر حين عرض عليه زواج حفصة : إني قد رأيت ألا أتزوج يومي هذا ، وكما ذكر سيبويه : تقول لرجل : وما شغلك اليوم ؟ وأنت تريد في أيامك هذه ، واختلف لم وصف بالأكبر ؟ فقال الحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن الحارث بن نوفل لأنه حج ذلك العام المسلمون والمشركون وصادف أيضاً عيد اليهود والنصارى .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف أن يصفه الله في كتابه بالكبر لهذا ، وقال الحسن أيضاً : إنما سمي أكبر لأنه حج فيه أبو بكر ونبذت فيه العهود .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو القول الذي يشبه نظر الحسن ، وبيانه أن ذلك اليوم كان المفتتح بالحق وإمارة الإسلام بتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذت فيه العهود وعز فيه الدين وذل الشرك ، ولم يكن ذلك في عام ثمان حين ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عتاب بن أسيد{[5505]} كان أمر العرب على أوله ، فكل حج بعد حج أبي بكر فمتركب عليه فحقه لهذا أن يسمى أكبر ، وقال عطاء بن أبي رباح وغيره : الحج أكبر بالإضافة إلى الحج الأصغر وهي العمرة ، وقال الشعبي : بالإضافة إلى العمرة في رمضان فإنها الحج الأصغر ، وقال مجاهد : الحج الأكبر القران والأصغر الإفراد ، وهذا ليس من هذه الآية في شيء ، وقد تقدم ما ذكره منذر بن سعيد ويتجه أن يوصف بالأكبر على جهة المدح لا بإضافة إلى أصغر معين ، بل يكون المعنى الأكبر من سائر الأيام فتأمله ، واختصار ما تحتاج إليه هذه الآية على ما ذكر مجاهد وغيره من صورة تلك الحال ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح مكة سنة ثمان ، فاستعمل عليها عتاب بن أسيد وقضى أمر حنين والطائف وانصرف إلى المدينة فأقام بها حتى خرج إلى تبوك ، ثم انصرف من تبوك في رمضان سنة تسع فأراد الحج ثم نظر في أن المشركين يحجون في تلك السنة ويطوفون عراة فقال لا أريد أن أرى ذلك ، فأمر أبا بكر على الحج بالناس وأنفذه ، ثم أتبعه علي بن أبي طالب على ناقته العضباء ، وأمره أن يؤذن في الناس بأربعة أشياء ، وهي :( لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، وفي بعض الروايات ولا يدخل الجنة كافر ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ){[5506]} ، وفي بعض الروايات ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله أربعة أشهر يسيح فيها ، فإذا انقضت ف { إن الله بريء من المشركين ورسوله } .

قال القاضي أبو محمد : وأقول : إنهم كانوا ينادون بهذا كله ، فهذا للذين لهم عهد وتحسس منهم نقضه ، والإبقاء إلى المدة لمن لم يخبر منه نقض ، وذكر الطبري أن العرب قالت يومئذ : نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب ، فلام بعضهم بعضاً وقالوا ما تصنعون وقد أسلمت قريش ؟ فأسلموا كلهم ولم يسح أحد .

قال القاضي أبو محمد : وحينئذ دخل الناس في دين الله أفواجا ً ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر علياً أن يقرأ على الناس الأربعين آية صدر سورة براءة قبل ثلاثين ، وقيل عشرين ، وفي بعض الروايات عشر آيات ، وفي بعضها تسع آيات ، ذكرها النقاش{[5507]} ، وقال سليمان بن موسى الشامي ثمان وعشرون آية ، فلحق أبا بكر في الطريق فقال له أبو بكر : أمير أو مأمور ، فقال بل مأمور فنهضا حتى بلغا الموسم ، فلما خطب أبو بكر بعرفة : قال : قم يا علي ، فأدِّ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام علي ففعل ، قال ثم وقع في نفسي أن جميع الناس لم يشاهدوا خطبة أبي بكر ، فجعلت أتتبع الفساطيط يوم النحر ، وقرأ جمهور الناس «أن الله بريء » بفتح الألف على تقدير بأن الله ، وقرأ الحسم والأعرج : «إن الله » بكسر الألف على القطع ، إذ الأذان في معنى القول ، وقرأ جمهور الناس «ورسولُه » بالرفع على الابتداء وحذف الخبر «ورسوله بريء منهم » ، هذا هو عند شيخنا الفقيه الأستاذ أبي الحسن بن الباذش{[5508]} رحمه الله معنى العطف على الموضع ، أي تؤنس بالجملة الأولى التي هي من ابتداء وخبر فعطفت عليها هذه الجملة ، وقيل : هو معطوف على موضع المكتوبة قبل دخول «أن » التي لا تغير معنى الابتداء بل تؤكده وإذ قد قرئت بالكسر{[5509]} لأنه لا يعطف على موضع «أن » بالفتح ، وانظره فإنه مختلف في جوازه ، لأن حكم «أن » رفع حكم الابتداء إلا في هذا الموضع وما أشبهه ، وهذا قول أبي العباس وأبي علي رحمهما الله ، ومذهب الأستاذ{[5510]} على مقتضى كلام سيبويه أن لا موضع لما دخلت عليه «أن » إذ هو معرب قد ظهر فيه عمل العامل ولأنه لا فرق بين «أن » وبين ليت ولعل ، والإجماع أن لا موضع لما دخلت عليه هذه{[5511]} ، وقيل : عطف على الضمير المرفوع الذي في «بريء » ، وحسن ذلك أن المجرور قام مقام التوكيد ، كما قامت «لا » في وقوله تعالى :{ ما أشركنا ولا آباؤنا }{[5512]} وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر «رسولَه » بالنصب عطفاً على لفظ المكتوبة ، وبهذه الآية امتحن معاوية أبا الأسود حتى وضع النحو إذ جعل قارئاً يقرأ بخفض «ورسولِه » ، والمعنى في هذه الآية بريء من عهودهم وأديانهم براءة عامة تقتضي المحارجة وإعمال السيف ، وقوله { فإن تبتم } أي عن الكفر ووعدهم مع شرط التوبة وتوعدهم مع شرط التولي ، وجاز أن تدخل البشارة في المكروه لما جاء مصرحاً به مرفوع الأشكال .


[5505]:- عتاب بن أسيد (بفتح الهمزة من أسيد): صحابي جليل، أسلم يوم الفتح، واستعمله النبي صلوات الله وسلامه عليه على مكة وذلك حين سار إلى حنين وحجّ بالناس عام الفتح، وأقرّه أبو بكر على مكة إلى أن مات، قالوا: وكان صالحا فاضلا، وكان حين استعمله النبي صلى الله عليه وسلم شديدا على المريب، لينا على المؤمنين، وكان يقول: والله لا أعلم متخلفا عن هذه الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عنها إلا منافق، وقد تزوج بنت أبي جهل حتى لا يتزوجها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها، وقد ولدت له ابنه عبد الرحمن. (الإصابة. والاستيعاب).
[5506]:- الحديث مروي من طرق كثيرة، فقد أخرجه ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأخرج أحمد، والنسائي، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن المسيب. (الدر المنثور).
[5507]:- هو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد- أبو بكر النقاش- مقرئ مفسر، وكان إمام أهل العراق في القراءات والتفسير، قرأ القرآن على هارون بن موسى الأخفش، وروى الحديث عن أبي مسلم الكجّي، وصنف تفسيرا سماه "شفاء الصدور"، وله: "الإشارة في غريب القرآن" و"الموضح في معاني القرآن" و"دلائل النبوة" و"القراءات". وقد ضعفه جماعة منهم الدارقطني. (طبقات المفسرين). وله ترجمة في إرشاد الأريب، وفي الأنساب، وفي تذكرة الحفاظ، والبداية والنهاية، ووفيات الأعيان، وغيرها.
[5508]:- علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي المعروف بابن الباذش، من العلماء بالعربية من كتبه: "المقتضي من كلام العرب"، و"شرح كتاب سيبويه" و"شرح أصول ابن السّرّاج في النحو" و"شرح الإيضاح" للفارسي. (الأعلام).
[5509]:- واضح أن الواو زائدة قبل كلمة (إذ)- وهكذا وجدناها في جميع الأصول.
[5510]:- يعني بالأستاذ أبا الحسن بن الباذش. وقد سبق التعريف به في الصفحة السابقة.
[5511]:- قال أبو حيان في "البحر المحيط 5-6" (وهذا كلام فيه تعقب لأن علة كون (أنّ) لا موضع لما دخلت عليه ليس ظهور عمل العامل بدليل: "ليس زيد بقائم" و"ما في الدار من رجل"، فإنه ظهر عمل العامل ولهما موضع، وقوله: "والإجماع***الخ" يريد أن (ليت) لا موضع لها من الإعراب بالإجماع، وليس كذلك، لأن الفراء خالف وجعل حكم "ليت، ولعل، وكأن ولكن، وأن" حكم (إن) في كون اسمهن له موضع).
[5512]:- من الآية (148) من سورة (الأنعام).