المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

19- وهو - سبحانه - يعلم النظرة الخائنة للعين ، وما تخفيه الصدور من المكنونات .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ } وهو النظر الذي يخفيه العبد من جليسه ومقارنه ، وهو نظر المسارقة ، { وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } مما لم يبينه العبد لغيره ، فالله تعالى يعلم ذلك الخفي ، فغيره من الأمور الظاهرة من باب أولى وأحرى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

ثم أكد - سبحانه - شمول علمه لكل شئ فقال : { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور } .

والمراد بخائنة الأعين : النظرة الخائنة التى يتسلل بها المتسلل ليطلع على ما حرم الله الاطلاع عليه .

والجملة خبر لمبتدأ محذوف . والإِضافة فى قوله { خَآئِنَةَ الأعين } على معنى من ، وخائنة : نعت لمصدر محذوف .

أى : هو - سبحانه - يعلم النظرة الخائنة من الأعين ، وهى التى يوجهها صاحبها فى تسلل وخفية إلى محارم الله - تعالى - كما يعلم - سبحانه - الأشياء التى يخفيها الناس فى صدورهم ، وسيجازيهم على ذلك فى هذا اليوم بما يستحقون .

قال القرطبى : " ولما جئ بعبد الله بن أبى سرح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن أهل مكة ، وطلب له الأمان عثمان بن عفان ، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ، ثم قال : " نعم " .

فلما انصرف قال صلى الله عليه وسلم لمن حوله : " ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه " .

فقال رجل من الأنصار : فهلا أو مأت إلى يا رسول الله ؟ فقال : " إن النبى لا تكون له خائنة أعين " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

** وقوله : يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ يقول جلّ ذكره مخبرا عن صفة نفسه : يعلم ربكم ما خانت أعين عباده ، وما أخفته صدورهم ، يعني : وما أضمرته قلوبهم يقول : لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى ما يحدّث به نفسه ، ويضمره قلبه إذا نظر ماذا يريد بنظره ، وما ينوي ذلك بقلبه وَاللّهُ يَقْضِي بالحَقّ يقول : والله تعالى ذكره يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها ، وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق ، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم ، وصرفوها عن محارمه حذارَ الموقف بين يديه ، ومسألته عنه بالحُسنى ، والذين ردّدوا النظر ، وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدَرت ، جزاءها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عبد الله بن أحمد المَرْوَزِيّ ، قال : حدثنا عليّ بن حسين بن واقد ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا سعيد بن جبير ، عن ابن عباس يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ إذا نظرت إليها تريد الخيانة أم لا وما تُخْفِي الصّدُورُ إذا قدرت عليها أتزني بها أم لا ؟ قال : ثم سكت ، ثم قال : ألا أخبركم بالتي تليها ؟ قلت نعم ، قال : وَاللّهُ يَقْضِي بالْحَقّ قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ، وبالسيئة السيئة إنّ اللّهَ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ قال الحسن : فقلت للأعمش : حدثني الكلبيّ ، إلا أنه قال : إن الله قادر على أن يجزي بالسيئة السيئة ، وبالحسنة عشرا . وقال الأعمش : إن الذي عند الكلبيّ عندي ، ما خرج مني إلا بحقير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ قال : نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : خائِنَةَ الأَعْيُنِ : أي يعلم همزه بعينه ، وإغماضه فيما لا يحبّ الله ولا يرضاه .

وقوله : وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ يقول : والأوثان والاَلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك من دونه لا يقضون بشيء ، لأنها لا تعلم شيئا ، ولا تقدر على شيء ، يقول جلّ ثناؤه لهم : فاعبدوا الذي يقدر على كلّ شيء ، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فيجزي محسنكم بالإحسان ، والمسيء بالإساءة ، لا ما لا يقدر على شيء ولا يعلم شيئا ، فيعرف المحسن من المسيء ، فيثيب المحسن ، ويعاقب المسيء .

وقوله : إنّ اللّهَ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ يقول : إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس ، البصير بما تفعلون من الأفعال ، محيط بكل ذلك محصيه عليكم ، ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة : «وَالّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ » بالتاء على وجه الخطاب . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء على وجه الخبر .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

{ يعلم خائنة الأعين } النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم واستراق النظر إليه ، أو خيانة الأعين . { وما تخفى الصدور } من الضمائر والجملة خبر خامس للدلالة على أنه ما من خفي إلا وهو متعلق العلم والجزاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

وقوله : { يعلم خائنة الأعين } متصل بقوله : { سريع الحساب } [ غافر : 17 ] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون . وقالت فرقة : { يعلم } متصل بقوله : { لا يخفى على الله منهم شيء } [ غافر : 16 ] ، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل . والخائنة : مصدر كالخيانة ، ويحتمل في الآية أن يكون { خائنة } اسم فاعل ، كما تقول : ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها .

وهذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيات ، فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى ، أو يريد بها صاحبها معنى ، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه عبد الله بن أبي سرح ليسلم بعد ردته بشفاعة عثمان ، فتلكأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بايعه ، ثم قال عليه السلام لأصحابه : «هلا قام إليه رجل حين تلكأت عليه فضرب عنقه ؟ » ، فقالو يا رسول الله : ألا أومأت إلينا ؟ فقال عليه السلام : «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين »{[9980]} وفي بعض الكتب المنزلة من قول الله عز وجل : أنا مرصاد الهمم ، أنا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون . وقال مجاهد : { خائنة الأعين } : مسارقة النظر إلى ما لا يجوز : ثم قوى تعالى هذه الأخبار بأنه يعلم ما تخفي الصدور مما لم يظهر على عين ولا غيرها ، ومثل المفسرون في هذه الآية بنظر رجل إلى امرأة هي حرمة لغيره ، فقالوا { خائنة الأعين } : هي النظرة الثانية . { وما تخفي الصدور } : أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن المرء دفعها ، وهذا المثال جزء من { خائنة الأعين } .


[9980]:أخرج أبو داود، والنسائي، وابن مردويه، عن سعد رضي الله تعالى عنه، قال: (لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فاختبأ عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به، فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى أن يبايعه، ثم بايعه، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك؟ هلا أومأت إلينا بعينك، قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

يجوز أن تكون جملة { يعلم خائِنة الأعين } خبراً عن مبتدأ محذوف هو ضمير عائد إلى اسم الجلالة من قوله : { إن الله سريع الحساب } [ غافر : 17 ] على نحو ما قرر قبله في قوله : { رفيعُ الدرجات } [ غافر : 15 ] . ومجموع الظاهر والمقدر استئناف للمبالغة في الإِنذار لأنهم إذا ذُكِّروا بأن الله يعلم الخفايا كان إنذاراً بالغاً يقتضي الحذر من كل اعتقاد أو عمل نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه ، فبعد أن أيْأَسهم من شفيع يسعى لهم في عدم المؤاخذة بذنوبهم أيأسهم من أن يتوهموا أنهم يستطيعون إخفاء شيء من نواياهم أو أدنى حركات أعمالهم على ربهم . ويجوز أن تكون خبراً ثانياً عن اسم إنَّ في قوله : { إن الله سريع الحساب } [ غافر : 17 ] ، وما بينهما اعتراض كما مرّ على كلا التقديرين .

و { خائِنة الأعين } مصدر مضاف إلى فاعله فالخائنة مصدر على وزن اسم الفاعل مثل العَافية للمعافاة ، والعاقبة ، والكاذبة في قوله تعالى : { ليس لوقعتها كاذبة } [ الواقعة : 2 ] ويجوز إبقاء { خائنة } على ظاهر اسم الفاعل فيكون صفة لموصوف محذوف دل عليه { الأعين ، } أي يعلم نظرة الأعين الخائنة .

وحقيقة الخيانة : عمل مَن أؤتُمِن على شيء بضد مَا أؤتُمنَ لأجله بدون علم صاحب الأمانة ، ومن ذلك نقضُ العهد بدون إعلان بنبذه . ومعنى : { خائِنة الأعين } خيانة النظر ، أي مسارقة النظر لشيء بحضرة من لا يحب النظر إليه . فإضافة { خائنة } إلى { الأعين } من إضافة الشيء إلى آلتِه كقولهم : ضرب السيف .

والمراد ب { خائنة الأعين } النظرة المقصود منها إشعار المنظور إليه بما يسوء غيرها الحاضرَ استهزاء به أو إغراء به . وإطلاق الخائنة بمعنى الخيانة على هذه النظرة استعارة مكنية ، شبه الجليس بالحليف في أنه لما جلس إليك أو جلست إليه فكأنه عاهدك على السلامة ، ألا ترى أن المجالسة يتقدّمها السلام وهو في الأصل إنباء بالمسالمة فإذا نظرت إلى آخر غَيْرِكُما نظراً خفياً لإِشارة إلى ما لا يرضي الجليسَ من استهزاء أو إغراء فكأنك نقضت العهد المدخول عليه بينكما ، فإطلاق الخيانة على ذلك تفظيع له ، ويتفاوت قربُ التشبيه بمقدار تفاوت ما وقعت النظرة لأجله في الإِساءة وآثار المضرة . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما يَكون لنبي أن تكون له خَائنة الأعين » ، أي لا تصدر منه .

و { وما تُخفي الصدور } النوايا والعزائم التي يضمرها صاحبها في نفسه ، فأطلق الصدر على ما يكنّ الأعضاء الرئيسية على حسب اصطلاح أصحاب اللغة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يعلم خائنة الأعين} يعني الغمزة فيما لا يحل بعينه والنظرة في المعصية.

{وما تخفي الصدور} يعني وما تسر القلوب من الشر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ" يقول جلّ ذكره مخبرا عن صفة نفسه: يعلم ربكم ما خانت أعين عباده، وما أخفته صدورهم، يعني: وما أضمرته قلوبهم يقول: لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى ما يحدّث به نفسه، ويضمره قلبه إذا نظر ماذا يريد بنظره، وما ينوي ذلك بقلبه. "وَاللّهُ يَقْضِي بالحَقّ "يقول: والله تعالى ذكره يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها، وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم، وصرفوها عن محارمه حذارَ الموقف بين يديه، ومسألته عنه بالحُسنى، والذين ردّدوا النظر، وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدَرت جزاءها...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}، الخائنة والخيانة واحدة، وهي ما قال عز وجل: {ولا تزال تطّلع على خائنةٍ منهم إلا قليلا} [المائدة: 13] أي خيانة.

وقال بعضهم: هي النظرة بعد النظرة؛ أما الأولى فليس فيها شيء، وأما الثانية، فعليه مأثمها...

وقال بعضهم: {خائنة الأعين} هي التي ينتظر بها غفلة الناس، إذا غفلوا عنه، نظر إلى ما يهواه ويحبه.

{وما تُخفي الصدور} هو ما ذكر عز وجل: {ليعلم ما تُكنّ صدورهم وما يُعلنون} [النمل: 74. والقصص: 69] يذكر هذا ليكونوا أبدا مراقبين أنفسهم حافظين لها عما لا يحل من السمع والبصر والفؤاد...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} والمعنى أنه سبحانه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، والحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحد كان خوف المذنب منه شديدا جدا...

والمراد بقوله {وما تخفي الصدور} مضمرات القلوب، والحاصل أن الأفعال قسمان: أفعال الجوارح وأفعال القلوب، أما أفعال الجوارح، فأخفاها خائنة الأعين، والله أعلم بها، فكيف الحال في سائر الأعمال، وأما أفعال القلوب، فهي معلومة لله تعالى لقوله {وما تخفي الصدور} فدل هذا على كونه تعالى عالما بجميع أفعالهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كانت الشفاعة إنما تقع وتنفع بشرط براءة المشفوع له من الذنب، إما بالاعتراف بما نسب إليه والإقلاع عنه، وإما بالاعتذار عنه، وكان ذلك إنما يجري عند المخلوقين على الظاهر، ولذلك كانوا ربما وقع لهم الغلط فيمن لو علموا باطنه لما قبلوا الشفاعة فيه، علل تعالى ما تقدم بعلمه أن المشفوع له ليس بأهل لقبول الشفاعة فيه لإحاطة علمه فقال: {يعلم خائنة} ولما كان السياق هنا للإبلاغ في أن علمه تعالى محيط بكل كلي وجزئي، فكان من المعلوم أن الحال يقتضي جمع الكثرة، وأنه ما عدل عنه إلى جمع القلة إلا للإشارة إلى أن علمه تعالى بالكثير كعلمه بالقليل، الكل عليه هين، فالكثير عنده في ذلك قليل فلذا قال: {الأعين} أي خيانتها التي هي أخفى ما يقع من أفعال الظاهر، جعل الخيانة مبالغة في الوصف وهي الإشارة بالعين.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والعين الخائنة تجتهد في إخفاء خيانتها. ولكنها لا تخفى على الله والسر المستور تخفيه الصدور، ولكنه مكشوف لعلم الله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

حقيقة الخيانة: عمل مَن أؤتُمِن على شيء بضد مَا أؤتُمنَ لأجله، بدون علم صاحب الأمانة، ومن ذلك نقضُ العهد بدون إعلان بنبذه، ومعنى: {خائِنة الأعين} خيانة النظر، أي مسارقة النظر لشيء بحضرة من لا يحب النظر إليه، فإضافة {خائنة} إلى {الأعين} من إضافة الشيء إلى آلتِه كقولهم: ضرب السيف، والمراد ب {خائنة الأعين} النظرة المقصود منها إشعار المنظور إليه بما يسوء غيرها الحاضرَ استهزاء به أو إغراء به، وإطلاق الخائنة بمعنى الخيانة على هذه النظرة استعارة مكنية، شبه الجليس بالحليف في أنه لما جلس إليك أو جلست إليه، فكأنه عاهدك على السلامة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما يَكون لنبي أن تكون له خَائنة الأعين»، أي لا تصدر منه.

{وما تُخفي الصدور} النوايا والعزائم التي يضمرها صاحبها في نفسه، فأطلق الصدر على ما يكنّ الأعضاء الرئيسية على حسب اصطلاح أصحاب اللغة.