{ 18-21 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه ، سرا وعلانية ، في جميع الأحوال ، وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامره وشرائعه وحدوده ، وينظروا ما لهم وما عليهم ، وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرهم في يوم القيامة ، فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم وقبلة قلوبهم ، واهتموا بالمقام بها ، اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها ، وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقفهم عن السير أو تعوقهم أو تصرفهم ، وإذا علموا أيضا ، أن الله خبير بما يعملون ، لا تخفى عليه أعمالهم ، ولا تضيع لديه ولا يهملها ، أوجب لهم الجد والاجتهاد .
وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه ، وأنه ينبغي له أن يتفقدها ، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه ، والتوبة النصوح ، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه ، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله ، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه ، وإتقانه ، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره ، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة .
ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بتقواه وبتقديم العمل الصالح الذى ينفعهم يوم يلقونه ، ونهاهم عن التشبه بالقوم الفاسقين . . . فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ . . . } .
والمراد بالغد فى قوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ . . } يوم القيامة . .
أى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان { اتقوا الله } أى صونوا أنفسكم عن كل ما يغضب الله - تعالى - ، وراقبوه فى السر والعلن . وقفوا عند حدوده فلا تتجاوزوها .
{ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أى : ولتنظر كل نفس ، ولتتأمل فى الأعمال التى عملتها فى الدنيا . والتى ستحاسب عليها فى يوم القيامة ، فإن كانت خيرا ازدادت منها ، وإن كانت غير ذلك أقلعت عنها .
وعبر - سبحانه - عن يوم القيامة بالغد ، للإشعار بقربه ، وأنه آت لا ريب فيه ، كما يأتى اليوم الذى يلى يومك . والعرب تخبر عن المستقبل القريب الغد كما فى قول الشاعر :
فإن يك صدر هذا اليوم ولى . . . فإن غدا لناظره قريب
وقال - سبحانه - : { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ } لإفادة العموم ، أى : كل نفس عليها أن تنظر نظرة محاسبة ومراجعة فى أعمالها بحيث لا تقدم إلا على ما كان صالحا منها .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى تنكير النفس والغد ؟ قلت : أما تنكير النفس فاستقلالا للأنفس النواظر فيما قدمت للآخرة ، كأنه قيل : ولتنظر نفس واحدة فى ذلك ، وأما تنكير الغد ، فلتعظيمه وإبهام أمره ، كأنه قيل : لغد لا يعرف كنهه لعظمه .
وعن مالك بن دينار : مكتوب على باب الجنة : وجدنا ما عملنا ، وربحنا ما قدمنا ، وخسرنا ما خلفنا . .
وكرر - سبحانه - الأمر بالتقوى فقال : { واتقوا الله } للتأكيد . أى : اتقوا الله بأن تؤدوا ما كلفكم به من واجبات ، وبأن تجتنبوا ما نهاكم عنه من سيئات .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } تعليل للحض على التقوى أى : اتقوه فى كل ما تأتون وما تذرون ، لأنه - تعالى - لا تخفى عليه خافية من أعمالكم ، بل هو - سبحانه - محيط بها إحاطة تامة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقون يوم القيامة .
وقد جاء الأمر بتقوى الله - تعالى - فى عشرات الآيات من القرآن الكريم ، لأن تقوى الله - تعالى - هى جماع كل خير ، وملاك كل بر ، ومن الأدلة على ذلك . أننا نرى القرآن يبين لنا أن تقوى الله قد أمر بها كل نبى قومه ، قال - تعالى - : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ } وتارة نجد القرآن الكريم يبين لنا الآثار الطيبة التى تترتب على تقوى الله فى الدنيا والآخرة ، فيقول : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض . . } ويقول : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } .
ويقول - سبحانه - : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين } ويقول - عز وجل - : { إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.