اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله } في أوامره ونواهيه ، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه . { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } يعني يوم القيامة ، والعرب تكني عن المستقبل بالغد .

وقيل : ذكر الغد تنبيهاً على أن الساعة قريبة ؛ كقوله : [ الطويل ]

وإنَّ غَداً للنَّاظرينَ قريبُ{[56060]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال الحسن وقتادة : قرب الساعة حتى جعلت كغد ؛ لأن كل آت قريب ، والموت لا محالة آت{[56061]} . ومعنى «ما قدَّمتْ » أي : من خير أو شرّ .

ونكر النفس لاستقلال النفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة ، كأنه قال : فلتنظر نفس واحدة في ذلك ، ونكر الغد ، لتعظيمه وإبهام أمره ، كأنه قيل : الغد لا يعرف كنهه لعظمه{[56062]} .

وقرأ العامة بسكون لام الأمر في قوله : «ولتنظر » ، وأبو حيوة ويحيى{[56063]} بن الحارث بكسرها على الأصل .

والحسن{[56064]} : بكسرها ونصب الفعل ، جعلها لام «كي » ، ويكون المعلل مقدّراً ، أي : ولتنظر نفس حذركم وأعمالكم .

قوله تعالى : { واتقوا الله } تأكيد ، وقيل : كرر لتغاير متعلق التقويين فمتعلق الأولى : أداء الفرائض لاقترانه بالعمل ، والثانية : ترك المعاصي لاقترانه بالتهديد والوعيد ، قال معناه الزمخشري{[56065]} .

ثم قال : { إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، قال سعيد بن جبير : { بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : بما يكون منكم{[56066]} .


[56060]:قائله هو ضرار بن أجدع يخاطب النعمان بن المنذر، ولفظ البيت: فإن يكُ صدر هذا اليوم ولّى *** فإن غدا لناظره قريب ينظر القرطبي 18/29.
[56061]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/50)، عن قتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/298)، وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.
[56062]:ينظر: الفخر الرازي 29/253.
[56063]:ينظر: المحرر الوجيز 5/291، والبحر المحيط 8/249، والدر المصون 6/299.
[56064]:ينظر: المصدر السابق.
[56065]:ينظر: الكشاف 4/508، والدر المصون 6/299.
[56066]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/29).