الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } الآية .

أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن جرير قال : كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه قوم مجتابي النمار متقلدي السيوف عليهم أزر ولا شيء غيرها ، عامتهم من مضر ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الذي بهم من الجهد والعري والجوع تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام فدخل بيته ، ثم راح إلى المسجد ، فصلى الظهر ثم صعد منبره ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ذلكم فإن الله أنزل في كتابه { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } تصدقوا قبل أن لا تصدقوا ، تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة ، تصدق امرؤ من ديناره تصدق امرؤ من درهمه ، تصدق امرؤ من بره ، من شعيره ، من تمره ، لا يحقرن شيء من الصدقة ولو بشق التمرة فقام رجل من الأنصار بصرة في كفه فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على منبره فعرف السرور في وجهه ، فقال : من سن في الإِسلام سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً ، ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً فقام الناس فتفرقوا فمن ذي دينار ، ومن ذي درهم ، ومن ذي طعام ، ومن ذي ، ومن ذي فاجتمع فقسمه بينهم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله : { ما قدمت لغد } قال : يوم القيامة .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن نعيم بن محمد الرحبي قال : كان من خطبة أبي بكر الصديق : واعلموا أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم أن ينقضي الأجل وأنتم على حذر فافعلوا ، ولن تستطيعوا ذلك إلا بإذن الله ، وإن قوماً جعلوا أجلهم لغيرهم فنهاكم الله أن تكونوا أمثالهم ، فقال : { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } أين من كنتم تعرفون من إخوانكم ؟ قد انتهت عنهم أعمالهم ووردوا على ما قدموا . أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والآكام هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه ، ولا يطفأ نوره استضيئوا منه اليوم ليوم الظلمة ، واستنصحوا كتابه وتبيانه ، فإن الله قد أثنى على قوم فقال : { كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين } [ الأنبياء : 90 ] لا خير في قول لا يبتغي به وجه الله ، ولا خر في مال لا ينفق في سبيل الله ، ولا خير فيمن يغلب غضبه حلمه ، ولا خير في رجل يخاف في الله لومة لائم .