تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

الآية 18 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } الأصل إذا ذكرت حال بين العبد وبين سيده لم يكن بد من إضمار يدخل في ذلك .

مثاله قوله تعالى : { إن الله مع الذين اتقوا } [ النحل : 128 ] يعني أنه معهم في النصر والمعونة ، وقوله تعالى : { وإن الله لمع المحسنين } [ العنكبوت : 69 ] في التوفيق والولاية . وكذلك قوله تعالى : { واتقوا الله } لأن لا يحتمل أن يتقي الله حتى يكون معهم في التقوى ؛ إذ ظاهر اللفظ يقتضي هذا كقوله تعالى : { وكونوا مع الصادقين } [ التوبة : 119 ] أي في الصدق .

وإذا ثبت فيه الإضمار كان الوجه في ذلك أحد معان :

إما أن يقول : اتقوا حق الله تعالى : أن تضيعوه ، أو : اتقوا حده أن تعدوه ، وتبطلوه ، أو : اتقوا سخطه ، أو اتقوا الأسباب التي تستوجبون بها مقت الله تعالى .

ويحتمل أن يراد من التقوى في هذه الآية أوامره ونواهيه على ما وصفنا أن التقوى إذا أطلق جاز أن يراد به الأوامر والنواهي ، وإذا ذكر مقابلة أمر كان المعنى منه أوامره ونواهيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولتنظر نفس ما قدمت لغد } قال : من عمل بما أمر في هذه الآية سلم من تبعات الآخرة ، لأنه إذا شعر قلبه وقت فعله أن الذي يفعله تقدمة لغد امتنع عن ارتكاب ما يجب أن يستحيي منه ، أو يحزن عليه في ذلك الوقت ، وأتى بما يسر عليه ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون معنى الآية على النظر لما قدمته نفسه للغد ؛ وذلك أنه إذا تذكر ، فنظر في ما قدمت نفسه للغد ؛ وذلك أنه دعاه إلى أحد أمرين : إما إلى التوبة عن السيئة التي قدمها ، وإما{[20966]} إلى الشكر على الحسنة التي يتعاطاها . وكل ذلك منه زيادة في الخير ، فكان الواجب ألا يغفل المرء عن ذلك ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون هذا على المستأنف من الأفعال أنه ينظر في ما يريد أن يقدمه لغد ؛ فإن كانت عاقبته الهلاك انتهى عنه ، وإن كانت عاقبته النجاة مضى إليه ، وأتى به ، والله أعلم .

ويحتمل قوله تعالى : { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } أن يكون المراد منه الاتقاء عن ترك النظر لما تقدمه نفس لغد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { اتقوا الله } ذكر قوله : { اتقوا الله } مرة أخرى ، والآية واحدة ، يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون المراد من الأول : أن اتقوا مخالفة الله في أوامره ونواهيه ، ومن{[20967]} الثاني : [ أن ]{[20968]} اتقوا سخط الله وعقوبته .

والثاني : أنه خرج على{[20969]} التكرار على ما جرت العادة في الكلام في التكرير عند الوعيد على التأكيد كقوله تعالى : { * هيهات هيهات لما توعدون } [ المؤمنون : 36 ] وكقوله تعالى : { أولى لك فأولى } { ثم أولى لك فأولى } [ القيامة : 34 و 35 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الله خبير بما تعملون } فيه تحريض على المراقبة والتيقظ وقت فعله{[20970]} ، لأن من علم وقت فعله أن الله تعالى مطلع على ما يرتكبه من الذنوب ، ويقربه من الشرور ، امتنع عنها ، [ وزجر نفسه ]{[20971]} .

وقالوا : في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } وعيد في{[20972]} أربعة أوجه :

أحدها : في قوله تعالى : { اتقوا الله } والثاني : في قوله تعالى : { ولتنظر نفس ما قدمت لغد } والثالث : في قوله تعالى : { واتقوا الله } [ والرابع : في قوله تعالى : ]{[20973]} { إن الله خبير بما تعملون } .

ثم ذكر هذه المواعيد [ في الكفرة خرج بعد ]{[20974]} ما خاطب المؤمنين كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا }ج فكان الوعيد في المؤمنين أكثر من الوعيد في الكفرة . لكن المؤمنين توعدهم عن ما هي معدة للكافرين لئلا يعملوا عملا/562 – أ/ يستوجبون به{[20975]} ما أعد للكافرين ، وهو كقوله تعالى : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } } [ آل عمران : 131 ] .

ثم إن الله تعالى سمى الآخرة باسم الغد لسرعة مجيئه ، وسمى الدنيا بالأمس لسرعة فنائها ، وهو كقوله { فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس } [ يونس : 24 ] فيذكرهم ، ويعظهم بهذه الآية لتتفكر كل أحد في نفسه ما به خلق : للعبث ؟ أم خلق لأمر عظيم على ما ذكره الله تعالى .


[20966]:في الأصل و م: أو.
[20967]:في الأصل و م: وفي.
[20968]:ساقطة من الأصل و م.
[20969]:من م، في الأصل: عن.
[20970]:من م، في الأصل: فعل.
[20971]:في الأصل و م: وازدجر.
[20972]:في الأصل و م: من.
[20973]:من م، ساقطة من الأصل.
[20974]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل: خرج، في م: خرج بعد.
[20975]:في الأصل و م: بذلك.