ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة لأن الموعظة بعد المصيبة أوقع في النفس ، لرقة القلوب والحذر مما يوجب العقاب ، فقال :
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } أي اتقوا عقابه بفعل ما أمركم به ، وترك ما نهاكم عنه ، { ولتنظر نفس ما قدمت لغد } أي لتنظر أي شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة ، والعرب تكني عن الزمان المستقبل بالغد ، وهو في الأصل عبارة عن يوم بينك وبينه ليلة ، وإنما أطلق اسم الغد على يوم القيامة تقريبا له ، كقوله تعالى : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر } فكأنه لقربه شبه بما ليس بينك وبينه إلا ليلة واحدة ، أو لأن الدنيا أي زمانها كيوم والآخرة كغده ، لاختصاص كل منهما بأحكام وأحوال متشابهة ، وتعقيب الثاني للأول ، فلفظ الغد حينئذ استعارة ، وفائدة تنكير النفس بيان ، أن الأنفس الناظرة في معادها قليلة جدا ، كأنه قيل : ولتنظر نفس واحدة في ذلك ، وأين تلك النفس ؟ وفائدة تنكير الغد تعظيمه ، وإبهام أمره ، كأنه قيل : لغد لا تعرف النفس كنه عظمته ، وهوله . فالتنكير فيه للتعظيم ، وفي النفس للتقليل أو للتعريض بغفلة كلهم عن هذا النظر الواجب أفاده الكرخي .
{ واتقوا الله } كرر الأمر بالتقوى للتأكيد أو الأول في أداء الواجبان لأنه مقرون بالعمل ، فإن ما قدمت لغد عبارة عن أعمال الخير ، والثاني في ترك المحارم ، لاقترانه بقوله : { إن الله خبير بما تعملون } ورجح هذا الوجه بفضل التأسيس على التأكيد ، وأنت خبير بان التقوى تشمل كليهما فإنها على ما مر في أول البقرة هي التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك ، ولا وجه للتوزيع ، بل المقام مقام الاهتمام بأمر التقوى ، فالتأكيد أولى وأقوى ، ذكره الكرخي ، والمعنى لا تخفى عليه من ذلك خافية ، فهو مجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.