السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

{ يا أيها الذين آمنوا } أي : أقروا بالإيمان باللسان { اتقوا الله } أي : اجعلوا لكم وقاية تقيكم سخط الملك الأعظم باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، واحذروا عقوبته بسبب التقصير فيما حدّه لكم من أمر أو نهي { ولتنظر نفس ما قدّمت لغد } أي : في يوم القيامة لأنّ هذه الدنيا كلها كيوم واحد يجيء فيه ناس ويذهب آخرون ، والموت والآخرة لا بدّ من كل منهما ، وكل ما لا بدّ منه فهو في غاية القرب ، والعرب تكني عن المستقبل بالغد .

وقيل : ذكر الغد تنبيهاً على أنّ الساعة قريبة كقول القائل : وإنّ غداً لناظره قريب . وقال الحسن وقتادة : قرب الساعة حتى جعلها كغد ، لأنّ كل آت قريب ، والموت لا محالة آت . ومعنى { ما قدمت } أي : من خير أو شر ، ونكر النفس لاستقلال الأنفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة ، كأنه قال : ولتنظر نفس واحدة في ذلك ، ونكر الغد لتعظيمه وإبهام أمره كأنه قال : الغد لا تعرف كميته لعظمته . وقوله تعالى : { واتقوا الله } أي : الجامع لجميع صفات الكمال تأكيد .

وقيل : كرّر لتغاير متعلق التقويين فمتعلق الأولى أداء الفرائض لاقترانه بالعمل ، والثانية ترك المعاصي لاقترانه بالتهديد والوعيد ، قال معناه الزمخشري { إن الله } أي : الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا { خبير } أي عظيم الاطلاع على ظواهركم وبواطنكم والإحاطة { بما تعملون } فلا تعملون عملاً إلا كان بمرأى من ومسمع فاسحيوا منه .