المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

187- يسألك اليهود - يا محمد - عن الساعة التي تنتهي فيها هذه الدنيا ، في أي وقت تكون ويستقر العلم بها ؟ قل لهم : علم وقتها عند ربى - وحده - لا يظهرها في وقتها أحد سواه . قد عظم هولها عندما تقع إلى أهل السماوات والأرض . يسألونك هذا السؤال ، كأنك حريص على العلم بها . فكرر الجواب ، فقل لهم مؤكدا : إن علمها عند اللَّه ، ولكن أكثر الناس لا يدركون الحقائق التي تغيب عنهم ، أو التي تظهر لهم ! .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . .

اختلف أهل التأويل في الذين عنُوا بقوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ فقال بعضهم : عني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُريش ، وكانوا سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسرّ إلينا متى الساعة فقال الله : يَسْئَلُونَكَ كأنّك حَفِيّ عَنْها .

وقال آخرون : بل عني به قوم من اليهود . ذكر من قال ذلك .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال حمل بن أبي قُشير وسمْول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيّا كما تقول ، فإنا نعلم متى هي فأنزل الله تعالى : يَسْئَلَونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها قَلْ إنّما عِلْمُها عِنْدَ ربّي . . . إلى قوله : ولَكِنّ أكْثَر النّاسِ لا يَعْلَمُون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن طارق بن شهاب ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت : يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قوما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فأنزل الله هذه الاَية ، وجائز أن يكون كانوا من قريش ، وجائز أن يكونوا كانوا من اليهود ولا خبر بذلك عندنا يجوّز قطع القول على أيّ ذلك كان .

فتأويل الاَية إذن : يسئلك القوم الذين يسئلونك عن الساعة أيّان مرساها ، يقول : متى قيامها . ومعنى «أيّان » : «متى » في كلام العرب ، ومنه قول الراجز :

أيّان تَقْضِي حاجَتِي أيّانَا ***أمَا تَرى لِنُجْحِها إبّانَا

ومعنى قوله : مُرْساها : قيامها ، من قول القائل : أرساها الله فهي مرساة ، وأرساها القوم : إذا حبسوها ، ورست هي ترسو رُسُوّا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها : يقول متى قيامها .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها : متى قيامها .

وقال آخرون : معنى ذلك : منتهاها . وذلك قريب المعنى من معنى من قال : معناه : قيامها ، لأن انتهاءها : بلوغها وقتها . وقد بيّنا أن أصل ذلك الحبس والوقوف . ذكر من قال ذلك .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها يعني : منتهاها .

وأما قوله : قُلْ إنّما عِلْمُها عِنْد ربّي لا يُجَلّيها لِوقْتِها إلاّ هُو فإنه أمر من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يجيب سائليه عن الساعة بأنه لا يعلم وقت قيامها إلاّ الله الذي يعلم الغيب ، وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيره جلّ ذكره . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْد ربّي لا يُجَلّيها لِوقْتِها إلاّ هُوَ يقول : علمها عند الله ، هو يجليها لوقتها ، لا يعلم ذلك إلاّ الله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لا يُجَلّيها : يأتي بها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : لا يُجَلّيها لا يأتي بها إلاّ هُو .

حدثني محمدبن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لا يُجَلّيها لِوَقْتِهَا إلاّ هُو يقول : لا يرسلها لوقتها إلاّ هو .

القول في تأويل قوله تعالى : ثَقُلَتْ في السّمَواتِ والأرْضِ لا تأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ثقلت الساعة على أهل السموات والأرض أن يعرفوا وقتها ومجيئها لخفائها عنهم واستئثار الله بعلمها . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ثَقُلَتْ في السّمَواتِ والأرْضِ يقول : خفيت في السموات والأرض ، فلم يعلم قيامها متى تقوم مَلك مقرّب ولا نبيّ مرسل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق جميعا ، عن معمر ، عن بعض أهل التأويل : ثَقُلَتْ في السّمَواتِ والأرْضِ قال : ثقل علمها على أهل السموات وأهل الأرض أنهم لا يعلمون .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنها كبرت عند مجيئها على أهل السموات والأرض . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق جميعا ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : ثَقُلَتْ في السّمَوَاتِ والأرْضِ يعني : إذا جاءت ثَقُلت على أهل السماء وأهل الأرض . يقول : كبُرت عليهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : ثَقُلَتْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : إذا جاءت انشقّت السماء ، وانتثرت النجوم ، وكُوّرَت الشمس ، وسُيرت الجبال ، وكان ما قال الله فذلك ثقلها .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال بعض الناس في «ثقلت » : عظمت .

وقال آخرون : معنى قوله : في السّمَوَاتِ والأرْضِ : على السموات والأرض . ذكر من قال ذلك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ثَقُلَتْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ : أي على السموات والأرض .

قال أبو جعفر : وأولى ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : ثقلت الساعة في السموات والأرض على أهلها أن يعرفوا وقتها وقيامها لأن الله أخفى ذلك عن خلقه ، فلم يطلع عليه منهم أحدا . وذلك أن الله أخبر بذلك بعد قوله : قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ رَبّي لا يُجَلِيها لِوَقْتِها إلاّ هُوَ وأخبر بعده أنها لا تأتي إلاّ بغتة ، فالذي هو أولى أن يكون ما بين ذلك أيضا خبرا عن خفاء علمها عن الخلق ، إذ كان ما قبله وما بعده كذلك .

وأما قوله : لا تَأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً فإنه يقول : لا تجيء الساعة إلاّ فجأة ، لا تشعرون بمجيئها . كما :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لا تَأتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً يقول : يبغتهم قيامها ، تأتيهم على غفلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : لا تَأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً قضى الله أنها لا تأتيكم إلاّ بغتة . قال : وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ السّاعَةَ تَهِيجُ بالنّاسِ والرّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضهُ والرّجُلُ يُسْقِي ماشِيَتَهُ والرّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ في السّوقِ وَالرّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ » .

القول في تأويل قوله تعالى : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ .

يقول تعالى ذكره : يسألك هؤلاء القوم عن الساعة ، كأنك حفيّ عنها . فقال بعضهم : يسألونك عنها كأنك حفيّ بهم . وقالوا : معنى قوله : «عنها » التقديم وإن كان مؤخرا . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : كأن بينك وبينهم مودّة ، كأنك صديق لهم . قال ابن عباس : لما سأل الناس محمدا صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده ، استأثر بعلمها ، فلم يُطْلِع عليها ملَكا ولا رسولاً .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال قتادة : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسرّ إلينا متى الساعة فقال الله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها : أي حفيّ بهم . قال : قالت قريش : يا محمد أسرّ إلينا علم الساعة لما بيننا وبينك من القرابة لقرابتنا منك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر وهانىء بن سعيد ، عن حجاج ، عن خَصِيف ، عن مجاهد وعكرمة : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : حفيّ بهم حين يسألونك .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : قربت منهم ، وتحفّى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفيّ بهم ، قال : قريب منهم ، وتحفّى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفيّ بهم فتحدثهم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها كأنك صديق لهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : كأنك قد استحفيت المسألة عنها فغلمتها . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كأنّك حَفِيّ عَنْها استحفيت عنها السؤال حتى علمتها .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد في قوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : كأنك عالم بها .

قال : حدثنا حامد بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : كأنك تعلمها .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثني عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : يسألونك عن الساعة ، كأنك عندك علما منها . قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ رَبي .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن بعضهم : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها : كأنك عالم بها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : كأنك عالم بها . وقال : أخفى علمها على خلقه . وقرأ : إنّ اللّهَ عِنْدَه عِلْم السّاعَةِ ، حتى ختم السورة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : كأنك يعجبك سؤالهم إياك . قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ اللّهَ .

وقوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : لطيف بها .

فوجه هؤلاء تأويل قوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها إلى حفيّ بها ، وقالوا : تقول العرب : تحفيت له في المسئلة ، وتحفيت عنه . قالوا : ولذلك قيل : أتينا فلانا نسأل به ، بمعنى نسأل عنه .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : كأنك حفيّ بالمسئلة عنها فتعلمها .

فإن قال قائل : وكيف قيل : حَفِيّ عَنْها ولم يقل حفيّ بها ، إن كان ذلك تأويل الكلام ؟ قيل : إن ذلك قيل كذلك ، لأن الحفاوة إنما تكون في المسئلة ، وهي البشاشة للمسؤول عند المسئلة ، والإكثار من السؤال عنه ، والسؤال يوصل ب «عن » مرّة وبالباء مرّة ، فيقال : سألت عنه ، وسألت به فلما وضع قوله «حفي » موضع السؤال ، وصل بأغلب الحرفين اللذين يوصل بهما السؤال ، وهو «عن » ، كما قال الشاعر :

سُؤَالَ حَفِيَ عَنْ أخِيهِ كأنّه ***يُذَكّرُهُ وَسْنانُ أوْ مُتَوَاسِنُ

وأما قوله : قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ فإن معناه : قل يا محمد لسائليك عن وقت الساعة وحين مجيئها : لا علم لي بذلك ، ولا يعلم به إلاّ الله الذي يعلم غيب السموات والأرض . وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمونَ يقول : ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلاّ الله ، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

وقوله تعالى : { يسألونك عن الساعة } الآية ، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش ، وذلك أن قريشاً قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة ، قال ابن عباس : المراد بالآية اليهود ، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبياً فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك ، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حياً وبعث الجميع ، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة ، و { أيان } معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت ، وقرأ جمهور الناس «أيان » بفتح الهمزة ، وقرأ السلمي «إيان » بكسر الهمزة ، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح ، وقال الشاعر : [ الرجز ]

أيان يقضي حاجتي أيانا*** أما ترى لفعلها إبانا

قال أبو الفتح وزن «أيان » بفتح الهمزة فَعلان وبكسرها فِعلان ، والنون فيهما زائدة ، و { مرساها } رفع بالابتداء والخبر ، { أيان } ومذهب المبرد أن { مرساها } مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها ، مأخوذة من أرسى يرسي ، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه ، و { يجليها } معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله : [ الوافر ] .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . يمين أو نفار أو جلاء

وقوله : { ثقلت في السماوات والأرض } قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل : معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها ، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض ، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا ، وقال قتادة وابن جريج : معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال ، ثم أخبر تعالى خبراً يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس ، و { بغتة } مصدر في موضع الحال .

وقوله تعالى : { يسألونك كأنك حفيّ عنها } الآية ، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد : المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل ، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا ، وقال مجاهد أيضاً والضحاك وابن زيد : معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها ، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم «كأنك حفي بها » ، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه ، وقد يجيء { حفي } وصفاً للسؤال ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

فلمّا التقينا بَّين السيف بيننا*** لسائلة عنا حفي سؤالها

ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه { حفي } وصفاً لسائل قول الآخر : [ الطويل ]

سؤال حفي عن أخي كأنه*** بُذكرته وْسنان أو متواسن

ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيداً للأمر وتهمماً به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث } ، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها ، وقوله : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } قال الطبري : معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر .