المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

15- إن الرسل استنصروا على أقوامهم لما يئسوا من إيمانهم وطلبوا النصر من ربهم على الكافرين من أقوامهم ، فنصرهم الله وربحوا ، وخسر كل متكبر عن طاعة الله شديد العناد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } .

يقول تعالى ذكره : واستفتحت الرسل على قومها : أي استنصرت الله عليها . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنيدٍ يقول : هلك كل متكبر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له . والعنيد والعاند والعنود بمعنى واحد ، ومن الجبار تقول : هو جبار بيّن الجَبَرِية والجَبَروتية والجَبْرُوّة والجَبَرُوت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَاسْتَفْتَحُوا قال : الرسل كلها ، يقول : استنصروا على أعدائهم ومعانديهم : أي على من عاند عن اتباع الحقّ وتجنبه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا قال : الرسل كلها استنصروا . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : معاند للحقّ مجانبه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقال ابن جريج : استفتحوا على قومهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ، ويَقْهَرونهم ، ويكذّبونهم ، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملّتِهم ، فأبى الله عزّ وجلّ لرسله وللمؤمنين أن يعودوا في ملّة الكفر ، وأمرهم أن يتوكّلوا على الله ، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم ، فأنجز الله لهم ما وعدهم ، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا . وَخابَ كُلّ جَبارٍ عَنِيدٍ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : هو الناكب عن الحقّ أي الحائد عن اتباع طريق الحقّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا مطرف ، عن بشر ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : الناكب عن الحقّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيدُ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاسْتَفْتَحُوا يقول : استنصرت الرسل على قومها ، قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ والجبار العنيد : الذي أبى أن يقول : لا إله إلا الله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَاسْتَفْتَحُوا قال : استنصرت الرسل على قومها . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ يقول : بعيد عن الحقّ مُعرض عنه .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله ، وزاد فيه : معرض عنه ، أبى أن يقول : لا إله إلا الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : العنيد عن الحقّ الذي يعند عن الطريق ، قال : والعرب تقول : شرّ الإبل العنيد الذي يخرج عن الطريق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : الجبار : هو المتجبر .

وكان ابن زيد يقول في معنى قوله : وَاسْتَفْتَحُوا خلاف قول هؤلاء ، ويقول : إنما استفتحت الأمم ، فأجيبت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا قال : استفتاحهم بالبلاء ، قالوا : اللهمّ إن كان هذا الذي أتى به محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء كما أمطرتها على قوم لوط ، أو ائتنا بعذاب أليم قال : كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هود . ائْتِنا بِمَا تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ قال : فالاستفتاح : العذاب . قال : قيل لهم : إن لهذا أجلاً ، حين سألوا الله أن ينزل عليهم ، فقال : بل نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ، فقالوا : لا نريد أن نؤخر إلى يوم القيامة رَبّنا عَجّلْ لنَا قِطّنَا عذابنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسَابِ . وقرأ : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعَذَابِ وَلَوْلا أجَلٌ مُسَمّى لَجاءَهُمُ العَذَابُ حتى بلغ : وَمِنْ تَحْتِ أرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

{ واستفتحوا } سألوا من الله الفتح على أعدائهم ، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقوله : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } وهو معطوف على { فأوحى } والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقيل للكفرة وقيل للفريقين . فإن كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل . وقرئ بلفظ الأمر عطفا على " ليهلكن " . { وخاب كل جبار عنيد } أي ففتح لهم فأفلح المؤمنون وخاب كل جبار عات متكبر على الله معاند للحق فلم يفلح ، ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

جملة { واستفتحوا } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { فأوحى إليهم ربهم } ، أو معترضة بين جملة { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } وبين جملة { وخاب كل جبار عنيد } . والمعنى : أنهم استعجلوا النصر . وضمير { استفتحوا } عائد إلى الرسل ، ويكون جملة { وخاب كل جبار عنيد } عطفاً على جملة { فأوحى إليهم ربهم } الخ ، أي فوعدهم الله النصر وخاب الذين كفروا ، أي لم يتحقق توعدهم الرسل بقولهم : { لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } . ومقتضى الظاهر أن يقال : وخاب الذين كفروا ، فعدل عنه إلى { كل جبار عنيد } للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة عنداء وأن كل جبار عنيد يخيب .

ويجوز أن تكون جملة { استفتحوا } عطفاً على جملة { وقال الذين كفروا لرسلهم } ويكون ضمير { استفتحوا } عائداً على الذين { كفروا } ، أي وطلبوا النصر على رسلهم فخابوا في ذلك . ولكون في قوله : { وخاب كل جبار عنيد } إظهار في مقام الإضمار عدل عن أن يقال : وخابوا ، إلى قوله : { كل جبار عنيد } لمثل الوجه الذي ذكر آنفاً .

والاستفتاح : طلب الفتح وهو النصر ، قال تعالى : { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } [ سورة الأنفال : 19 ] .

والجبار : المتعاظم الشديد التكبر .

والعنيد المعاند للحق . وتقدماً في قوله : { واتبعوا أمر كل جبار عنيد } في سورة هود ( 59 ) . والمراد بهم المشركون المتعاظمون ، فوصف جبار } خلُق نفساني ، ووصف { عنيد } من أثر وصف { جبار } لأن العنيد المكابر المعارض للحجة .

وبين { خاف وعيد } و { خاب كل جبار عنيد } جناس مصحف .