{ وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لّكُمْ فَلَمّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنْكُمْ إِنّيَ أَرَىَ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أَعمالَهُمْ وحين زين لهم الشيطان أعمالهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجل من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطفّ الناس ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين . وأقبل جبريل إلى إبليس ، فلما رآه ، وكانت يده في يد رجل من المشركين ، انتزع إبليس يده ، فولى مدبرا هو وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة تزعم أنك لنا جار ؟ قال : إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ إنّي أخافُ اللّهُ وَاللّهُ شَدِيدُ العِقابِ وذلك حين رأى الملائكة .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني الشاعر ثم المدلجي ، فجاء على فرس فقال للمشركين : لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ فقالوا : ومن أنت ؟ قال : أنا جاركم سراقة ، وهؤلاء كنانة قد أتوكم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق ، ثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، قال : لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر يعني من الحرب فكاد ذلك أن يثبطهم ، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجيّ ، وكان من أشراف بني كنانة ، فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق ، في قوله : وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِب لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ وإنّي جارٌ لَكُمْ فذكر استدراج إبليس إياهم وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب التي كانت بينهم . يقول الله : فَلَمّا تَرَاءَتِ الفِئَتانِ ونظر عدوّ الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوّهم ، نَكَصَ على عَقِبَيْهِ وَقالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إني أرَى ما لا ترون وصدق عدوّ الله أنه رأى ما لا يرون . وقال : إنّي أخافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ العِقابِ ، فأوردهم ثم أسلمهم . قال : فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه ، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ، كان الذي رآه حين نكص الحرث بن هشام أو عمير بن وهب الجمحي ، فذكر أحدهما فقال : أين سراقة ؟ أسلمنا عدو الله وذهب .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ . . . إلى قوله : شَدِيدُ العِقابِ قال : ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة ، فزعم عدوّ الله أنه لا يدى له بالملائكة ، وقال : إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله . وكذب والله عدوّ الله ، ما به مخافة الله ، ولكن علم أن لا قوّة له ولا منعة له ، وتلك عادة عدوّ الله لمن أطاعه واستعاذ به ، حتى إذا التقى الحقّ والباطل أسلمهم شرّ مسلم وتبرأ منهم عند ذلك .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ . . . الاَية ، قال : لما كان يوم بدر ، سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وإني جار لكم . فلما التقوا ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة نكص على عقبيه ، قال : رجع مدبرا وقال : إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ . . . الاَية .
حدثنا أحمد بن الفرج ، قال : حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ، قال : حدثنا مالك ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما رُؤِيَ إبْلِيسُ يَوْما هُوَ فِيهِ أصْغَرُ وَلا أحْقَرُ وَلا أدْحَرُ وَلا أغْيَظُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَذلكَ مِمّا يَرَى مِنْ تَنْزِيلِ الرّحْمَةِ وَالعَفْوِ عَنِ الذّنُوبِ ، إلاّ ما رأى يَوْمَ بَدْرٍ » . قالوا : يا رسول الله : وما رأى يوم بدر ؟ قال : «أَمَا إنّهُ رأى جِبْرِيلَ يَزَعُ المَلائِكَةَ » .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن الحسن ، في قوله : إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ قال : رأى جبريل معتجرا ببرد يمشي بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي يده اللجام ، ما ركب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، قال : قال الحسن : وتلا هذه الاَية : وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ . . . الاَية ، قال : سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده ، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم ، ولن تغلبوا كثرةً . فلما التقوا نكص على عقيبه ، يقول : رجع مدبرا ، وقال : إني بريء منكم ، إني أرى ما لا ترون . يعني الملائكة .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب ، قال : لما أجمعت قريش على السير ، قالوا : إنما نتخوّف من بني بكر . فقال لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم : أنا جار لكم من بني بكر ، ولا غالب لكم اليوم من الناس .
فتأويل الكلام : وإن الله لسميع عليم في هذه الأحوال وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم أيها المؤمنون لحربكم وقتالكم ، وحّسن ذلك لهم ، وحثهم عليكم وقال لهم : لا غالب لكم اليوم من بني آدم ، فاطمئنوا وأبشروا ، وإني جار لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فتغيركم أجيركم وأمنعكم منهم ، ولا تخافوهم ، واجعلوا جدّكم وبأسكم على محمد وأصحابه . فَلَمّا تَرَاءَتِ الفِئَتانِ يقول : فما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين ، ونظر بعضهم إلى بعض نَكَصَ على عَقِبَيْهِ يقول : رجع القهقرى على قفاه هاربا ، يقال منه : نكص ينكُصُ وينكِصُ نُكُوصا ، ومنه قول زهير :
هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيكَ البَيْضِ إذْ لَحِقُوا ***لا ينْكُصُونَ إذا ما اسْتُلْحِمُوا وحَمُوا
وقال للمشركين إنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ يعني : أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددا للمؤمنين ، والمشركون لا يرونهم إنّي أخَافُ عقاب الله وكذب عدوّ الله والله شَدِيدُ العِقَابِ .
{ وإذ زيّن لهم الشيطان } مقدر باذكر . { أعمالهم } في معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها بأن وسوس إليهم . { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } مقالة نفسانية والمعنى : أنه ألقى في روعهم وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم ، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم حتى قالوا : اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الدينين ، ولكم خبر لا غالب أو صفته وليس صلته وإلا لانتصب كقولك : لا ضاربا زيدا عندنا . { فلما تراءت الفئتان } أي تلاقى الفريقان . { نكص على عقبيه } رجع القهقرى أي بطل كيده وعاد ما خيل إليهم أنه مجيرهم سبب هلاكهم . { وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله } أي تبرأ منهم وخاف عليهم وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة ، وقيل : لما اجتمعت قريش على المسير ذكرت ما بينهم وبين كنانة من الإحنة وكاد ذلك يثنيهم ، فتمثل لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك الكناني وقال لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من بني كنانة ، فلما رأى الملائكة تنزل نكص وكان يده في يد الحارث بن هشام فقال له : إلى أين أتخذلنا في هذه الحالة فقال إني أرى ما لا ترون ، ودفع في صدر الحارث وانطلق وانهزموا ، فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغه ذلك فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان . وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله : { إني أخاف الله } إني أخافه أن يصيبني مكروها من الملائكة أو يهلكني ويكون الوقت هو الوقت الموعود إذ رأى فيه ما لم ير قبله ، والأول ما قاله الحسن واختاره ابن بحر . { والله شديد العقاب } يجوز أن يكون من كلامه وان يكون مستأنفا .
{ وإذ زين } عطف على { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً } [ الأنفال : 44 ] الآية . وما بينهما اعتراض ، رُتّب نظمه على أسلوبه العجيب ؛ ليقع هذا الظرف عقب تلك الجمل المعتَرضة ، فيكون له إتمام المناسبة بحكاية خروجهم وأحوالِه ، فإنّه من عجيب صنع الله فيما عرض للمشركين من الأحوال في خروجهم إلى بدر ، ممّا كان فيه سبب نصر المسلمين ، وليقع قوله : { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم } [ الأنفال : 47 ] عَقِب أمر المسلمين بما ينبغي لهم عند اللقاء ، ليجمع لهم بين الأمر بما ينبغي والتحذير ممّا لا ينبغي ، وترك التشبه بمن لا يرتضَى ، فيتمّ هذا الأسلوب البديع المحكمُ الانتظامِ .
وأشارت هاته الآية إلى أمر عجيب كان من أسباب خِذلان المشركين إذ صرف الله عن المسلمين كيداً لهم حين وسوس الشيطان لسراقَةَ بننِ مالك بن جعْشُم الكناني أن يجيء في جيش من قومه بني كنانة لنصر المشركين حين خرجوا للدفاع عن عِيرهم ، فألقى الله في رُوع سراقة من الخوف ، ما أوجب انخزاله وجيشه عن نصر المشركين ، وأفسد الله كيد الشيطان بما قذفه الله في نفس سُراقة من الخوف وذلك أنّ قريشاً لمّا أجمعوا أمرهم على السير إلى إنقاذ العِير ذكروا ما كان بينهم وبين كنانة من الحرب فكاد أن يثبّطهم عن الخروج ، فلقيهم في مسيرهم سُراقة بن مالك في جند معه راية وقال لهم : لا غالب لكم اليوم ، وإنّي مجيركم من كنانة ، فقوي عزم قريش على المسير ، فلمّا أمعنوا السير وتقارَبَ المشركون من منازل جيش المسلمين ، ورأى سُراقة الجيشين ، نكص سُراقة بمن معه وانطلقوا ، فقال له الحارث بن هشام ، أخُو أبي جهل : « إلى أينَ أتخذلنا في هذه الحال » فقال سراقة « إني أرى ما لا ترون » فكان ذلك من أسباب عزم قريش على الخروج والمسير ، حتّى لقوا هزيمتهم التي كتب الله لهم في بدر ، وكان خروج سُراقة ومن معه بوسوسة من الشيطان ، لئلا ينثني قريش عن الخروج ، وكان انخزال سراقة بتقدير من الله ليتمّ نصر المسلمين ، وكان خاطر رجوع سراقة خاطراً ملَكياً ساقه الله إليه ؛ لأنّ سراقة لم يزل يتردّد في أن يسلم منذ يوم لقائه رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة ، حين شاهد معجزة سَوْخ قوائم فرسه في الأرض ، وأخذِه الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورويت له أبيات خاطب بها أبا جهل في قضيته في يوم الهجرة ، وما زال به ذلك حتى أسلم يوم الفتح .
وتزيين الشيطان للمشركين أعمالهم ، يجوز أن يكون إسناداً مجازياً ، وإنّما المزيّن لهم سُراقة بإغراء الشيطان ، بما سوّل إلى سراقة بن مالك من تثبيته المشركين على المضي في طريقهم لإنقاذ عيرهم ، وأن لا يخشوا غَدْر كنانة بهم ، وقيل تمثّل الشّيطان للمشركين في صورة سراقة ، وليس تمثّل الشيطان وجنده بصورة سراقة وجيشه بمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنّما روي ذلك عن قول ابن عبّاس ، وتأويلُ ذلك : أنّ ما صدر من سراقة كان بوسوسة من الشيطان ، ويجوز أن يكون اسم الشيطان أطلق على سراقة لأنّه فعل فعل الشيطان كما يقولون : فلان من شياطين العرب ويجوز أن يكون إسناداً حقيقاً أي زيّن لهم في نفوسهم بخواطر وسوسته ، وكذلك إسناد قوله : { لا غالب لكم } إليه مجاز عقلي باعتبار صدور القول والنكوص من سُراقة المتأثر بوسوسة الشيطان .
وكذلك قوله : { إني أرى ما لا ترون } .
وقوله : { إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون } إن كان من الشيطان فهو قول في نفسه ، وضمير الخطاب التفات استحضرهم كأنّهم يسمعونه ، فقال قوله هذا ، وتكون الرؤية بصرية يعني رأى نزول الملائكة وخاف أن يضرّوه بإذن الله وقوله : { إني أخاف الله } بيان لقوله : { إني أرى ما لا ترون } أي أخاف عقاب الله فيما رأيت من جنود الله . وإن كان ذلك كلّه من قول سراقة فهو إعلان لهم بردّ جواره إيّاهم لئلا يكون خائناً لهم ، لأنّ العرب كانوا إذا أرادوا نقض جوار أعلنوا ذلك لمن أجاروه ، كما فعل ابن الدغنة حين أجار أبا بكر من أذى قريش ثم ردّ جواره من أبي بكر ، ومنه قوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآءٍ إن الله لا يحب الخائنين } [ الأنفال : 58 ] فالمعنى : إنّي بريء من جواركم ، ولذلك قال له الحارث بن هشام : « إلى أين أتخذلنا » فيكون قد اقتصر على تأمينهم من غدر قومه بني كنانة . وتكون الرؤية علمية ومفعولها الثاني محذوفاً اقتصاراً .
وأمّا قوله : { إني أخاف الله والله شديد العقاب } فعلى احتمال أن يكون الإسناد إلى الشيطان حقيقة فالمراد من خوف الله توقع أن يصيبه الله بضرّ ، من نحوِ الرجم بالشهب ، وإن كان مجازاً عقلياً وأنّ حقيقته قول سُراقة فلعلّ سراقة قال قولاً في نفسه ، لأنّه كان عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يدلّ عليه المشركين ، فلعلّه تذكّر ذلك ورأى أنّ فيما وعد المشركين من الإعانة ضرباً من خيانة العهد فخاف سوء عاقبة الخيانة .
و« التزيين » إظهار الشيء زيْناً ، أي حسناٍ ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : { كذلك زينا لكل أمة عملهم } في سورة [ الأنعام : 108 ] ، وفي قوله : { زين للذين كفروا الحياة الدنيا } في سورة [ البقرة : 212 ] . والمعنى : أنّه أراهم حسناً ما يعملونه من الخروج إلى إنقاذ العير ، ثم من إزماع السير إلى بدر .
و{ تراءت } مفاعلة من الرؤية ، أي رأت كلتا الفئتين الأخرى .
و { نكص على عقبيه } رجع من حيث جاء . وعن مؤرج السدوسي : أنّ نكص رجع بلغة سُليم ، ومصدره النكوص وهو من باب رجع .
وقوله : { على عقبيه } مؤكّد لمعنى نكص إذ النكوص لا يكون إلاّ على العقبين ، لأنّه الرجوع إلى الوراء كقولهم : رجع القهقرى ، ونظيره قوله تعالى في سورة [ المؤمنين : 66 ] : { فكنتم على أعقابكم تنكصون }
و { على } مفيدة للتمكّن من السير بالعقبين . والعقبان : تثنية العقب ، وهو مؤخّر الرجل ، وقد تقدّم في قوله : { ونرد على أعقابنا } في سورة [ الأنعام : 71 ] .
والمقصود من ذكر العقبين تفظيع التقهقر لأنّ عقب الرجل أخسّ القوائم لملاقاته الغبار والأوساخ .