القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنّهُمْ إِلَىَ نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } .
وقوله : يَوْمَ يَخْرُجُونَ بيان وتوجيه عن اليوم الأوّل الذي في قوله : يَوْمُهُمُ الّذِي يوعَدُونَ وتأويل الكلام : حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون مِن الأجداث وهي القبور : واحدها جدث سِرَاعا كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِرَاعا : أي من القبور سراعا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
وقد بيّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده ، وما قال أهل العلم فيه .
وقوله : إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يقول : كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون . وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله : «نَصْبٍ » غير الحسن البصري ، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل : نصبت الشيء أنصبه نصبا . وكان تأويله عندهم : كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا . وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجهه إلى أنه واحد الأنصاب ، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها .
وأما قوله : يُوفِضُونَ فإن الإيفاض : هو الإسراع ومنه قول الشاعر :
لأَنْعَتَنْ نَعامَةً مِيفاضَا *** خَرْجاءَ تَغْدو تطْلُبُ الإضَاَضَا
يقول : تطلب ملجأً تلجأ إليه والإيفاض : السرعة وقال رؤبة :
*** تَمْشِي بنا الجِدّ على أوْفاضٍ ***
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن أبي العالية ، أنه قال في هذه الاَية كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علامات يستبقون .
حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يسعون .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُوفِضُونَ قال : يستبقون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يسعون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى عَلَم يوفضون ، قال : يسعون .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عمر يقول : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى غاية يستبقون .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ إلى علم ينطلقون .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يستبقون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : النصب : حجارة كانوا يعبدونها ، حجارة طوال يقال لها نصب . وفي قوله يوفِضُونَ قال : يُسرعون إليه كما يُسرعون إلى نصب يوفضون قال ابن زيد : والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها ، كان أحدهم يحمله معه ، فإذا رأى أحسن منه أخذه ، وألقى هذا ، فقال له : كَلّ عَلىَ مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجّهْهُ لا يأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلىَ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا مرّة ، عن الحسن ، في قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أوّل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا قرّة ، عن الحسن ، مثله .
وروي عن ابن كثير أنه قرأ : «يلقوا » بغير ألف ، وهي قراءة أبي جعفر وابن محيصن . و { يوم يخرجون } بدل من قولهم { يومهم } . وقرأ الجمهور : «يَخرُجون » بفتح الياء وضم الراء . وروى أبو بكر عن عاصم : ضم الياء وفتح الراء . و : { الأجداث } القبور ، والنصب : ما نصب للإنسان فهو يقصد مسرعاً إليه من علم أو بناء أو صنم لأهل الأصنام . وقد كثر استعمال هذا الاسم في الأصنام حتى قيل لها الأنصاب ، ويقال لشبكة الصائد نصب . وقال أبو العالية { إلى نصب يوفضون } معناه : إلى غايات يستبقون . وقرأ جمهور السبعة وأبو بكر عن عاصم «نَصب » بفتح النون{[11337]} ، وهي قراءة أبي جعفر ومجاهد وشيبة وابن وثاب والأعرج ، وقرأ الحسن وقتادة بخلاف عنهما : «نُصب » بضم النون{[11338]} . وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم : «نُصُب » بضم النون والصاد وهي قراءة الحسن أيضاً وأبي العالية وزيد بن ثابت وأبي رجاء وقرأ مجاهد وأبو عمران الجوني «إلى نَصَب » بفتح النون والصاد و { يوفضون } معناه : يسرعون ومنه قول الراجز : [ الرجز ]
لأنعتنّ نعامة ميفاضا*** خرجاء ظلت تطلب الاضاضا{[11339]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.