وقوله : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ . . } تذكير للمؤمنين بما خدع به الشيطان الكافرين من وعود كاذبة ، وأمانى باطلة .
والمراد بهذا التذكير : حضهم على المداومة على طاعة الله وشكره ، حيث إنه - سبحانه - لم يجعلهم كأولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان .
والمعنى : احذروا - أيها المؤمنون - أن تتشبهوا بأولئك الذين خرجوا من ديارهم بطرا ومفاخرة . . واذكروا وقت أن { زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ } في معاداتكم ، بأن وسوس لهم بأنهم على الحق وانتم على الباطل ، وحسن لهم ما جبلوا عليه من غررو ومراءاة ، وأوهمهم بأن النصر سيكون لهم عند لقائكم ، بأن قال لهم { لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } أى : لن يغلبكم أحد من الناس ، لا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ولا غيرهم من قبائل العرب ، وأنى مجير ومعين وناصر لكم ، إذ المراد بالجار هنا : الذي يجير غيره . أى : يؤمنه مما يخاف ويخشى .
قال الآلوسى : أى : ألقى في روعهم وخيل لهم أنهم لا يغلبون لكثرة عددهم ، وعددهم ، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات - تجعله مجيرا لهم ، وحافظا إياهم عن السوء حتى قالوا : اللهم انصر اهدى الفئتين ، وأفضل الدينين .
فالقول مجاز عن الوسوسة . والإِسناد في قوله { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } من قبيل الاسناد إلى السبب الداعى . و { لَّكُمْ } خبر { لاَ } أو صفة { غَالِبَ } والخبر محذوف . أى : لا غالب كائنا لكم موجود . و { اليوم } معمول الخبر . و { مِنَ الناس } حال من ضمير الخبر . .
وقوله : { فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان نَكَصَ على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بريئ مِّنْكُمْ إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ إني أَخَافُ الله والله شَدِيدُ العقاب } بيان لما فعله الشيطان وقاله بعد أن رأى ما رأى من قوة لا طافة له بها . .
وقوله : { تَرَآءَتِ الفئتان } أى : تقاربتا بحيث صارت كل فئة ترى الأخرى رؤية واضحة .
ومنهم من جعل { تَرَآءَتِ } بمعنى التقت وقوله { نَكَصَ على عَقِبَيْهِ } أى : ولى هاربا ورجع القهقرى . وأبطل كيده وذهب ما مناهم به من النصرة والعون يقال : نكص عن الأمر نكوصا ونكصا أى : تراجع عنه وأحجم . والعقب : مؤخر القدم .
والمعنى : لقد حرض الشيطان جنوده من الكافرين على حربكم - أيها المؤمنون - ، ومناهم بالنصر عليكم . . . ولكنه حين تراءت الفئتان : فئتكم وفئته ، ورأى ما أمدكم الله به من الملائكة ، ولى مدبرا وقال للكافرين : { إِنِّي بريئ مِّنْكُمْ } أى : من عهدكم وجواركم ونصرتكم ، { إني أرى } من الملائكة النازلة لتأييد المؤمنين مالا ترونه أنتم { إني أَخَافُ الله } أن يعذبنى قبل يوم القيامة ، أو إنى أخاف الله أن يصيبنى بمكروه من قبل ملائكته .
وقوله : { والله شَدِيدُ العقاب } يحتمل أنه من كلام إبليس الذي حكاه الله - تعالى عنه ، ويحتمل أنه جملة مستأنفة من كلامه عز وجل .
أى : والله شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره .
هذا ، وهناك قولان في كيفية تزيين الشيطان للمشركين :
أحدهما : أن هذا التزيين لم يكن حسيا ، وإنما كان معنويا عن طريق الوسوسة دون أن يتحول الشيطان إلى صورة إنسان .
وعليه يكون قوله { لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم . . . } مجازا عن الوسوسة . وقوله { نَكَصَ على عَقِبَيْهِ } استعارة لبطلان كيده ، شبه بطلان كيده بعد وسوسته بمن رجع القهقرى عما يخافه .
وثانيهما : أن هذا كان حسيا بمعنى أن الشيطان تمثل لهم في صورة إنسان ، وقال لهم ما قال مما حكاه الله - تعالى - عنه .
وقد ذكر صاحب الكشاف هذين الوجهين في تفسير الآية فقال : واذكر { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ } التي عملوها في معاداة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون ، وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجيرهم ، فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم ، أى : بطل كيده حين نزلت جنود الله .
وكذا عن الحسن - رحمه الله - قال : كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم .
وقيل : لما اجتمعت قريش على السير - لحرب المسلمين في بدر - ذكرت الذي بينها وبين كنانة من الحرب ، فكاد ذلك يثنيهم عن حرب المسلمين ، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة ابن مالك بن جعشم الشاعر الكنانى - وكان من أشرفهم - في جند من الشياطين معه راية وقال : لا غالب لكم اليوم وإنى مجيركم من بنى كنانة . فلما رأى الملائكة تنزل ، نكص .
وقيل : كانت يده في يد الحارث بن هشام ، فلما نكص قال له الحارث : إلى أين ؟ أتخذلنا في هذه الحالة ؟ فقال : إنى أرى ما لا ترون ، ودفع صدر الحارث وانطلق وانهزموا .
فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتنى هزيمتكم . فلما أسلموا علموا أنه الشيطان .
وفى الحديث - الذي أخرجه مالك في الموطأ - " وما رئى إبليس يوما أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة . إلا مارئى يوم بدر " .
وقد ذكر ابن جرير وابن كثير روايات أخرى تتفق في جملتها مع ما ذكره صاحب الكشاف ، وإن كانت تختلف عنها في التفصيل ، ومن ذلك قول ابن جرير :
" وكان تزيينه ذلك لهم كما حدثنى المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنى معاوية عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجل من بنى مدلج ، في صورة سارقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم فلما اصطف الناس ، أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا الأدبار .
وأقبل جبريل إلى إبليس ، فلما رآه - وكانت يده في رجل من المشركين - انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته .
فقال الرجل : يا سراقة تزعم أنك لنا جار ؟ قال : { إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ إني أَخَافُ الله والله شَدِيدُ العقاب } وذلك حين رأى الملائكة .
ثم قال : وحدثنا أحمد بن الفرج ، قال : حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ، قال : حدثنا مالك ، عن ابراهيم بن أبى عبلة ، عن طلحة بن عبد ابن عبيد الله بن كريز : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " " مارئى إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحر من يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب ، إلا ما رأى يوم بدر " قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر ؟ قال : أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة أى : يرتبهم ويسويهم ويصفهم للحرب " .
وقد سار - ابن جرير وابن كثير - في تفسيرهما للآية على أن التزيين من الشيطان كان حسيا .
فابن جرير يقول . بعد أن ذكر بضع روايات في تفسير الآية : فتأويل : وإن الله لسميع عليم في هذه الأحوال ، وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم . ايها لامؤمنون لحربكم وقتالاكم ، وحسن ذلك لهم ، وحثهم عليكم وقال لا غالب لكم اليوم ، من بنى آدم ، فاطمئنوا وابشروا وإنى جار لكم من كنانة أن تأتيكم من روائكم . . واجعلوا جدكم وبأسكم على محمد وأصحابه { فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان } يقول : فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين ، وجنود الشيطان من الكافرين ، ونظر بعضهم إلى بعض { نَكَصَ على عَقِبَيْهِ } أى : رجع القهقرى على قفاه هاربا . . وقال للمشركين { إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ } يعنى أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددا للمؤمنين ، والمشركون لا يرونهم .
وابن كثير يقول : وقوله - تعالى - { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ } الآية .
أى : حسن لهم لعنة الله - ما جاءوا له ، وما هموا به ، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم سيد بنى مدلج . . ثم قال : فلما رأى إبليس الملائكة { نَكَصَ على عَقِبَيْهِ } وقال إنى برئ منكم إنى أرى ما لا ترون ، وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحض أصحابه ويقول لهم : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم ، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه . .
ومن هذا يتضح أن هذين الإِمامين الجليلين يسيران في تفسيرهما للآية الاكريمة ، على أن التزيين كان حسياً ، ويهملان القول بغير ذلك ممن تابعهما في هذا الإِمام القرطبى ، فقد ذكر عرض الروايات التي وردت في معنى الآية ، والتى صرحت بأن الشيطان قد تمثل للمشركين في صورة إنسان ، وبنى تفسيره للآية على ذلك .
وقد خالف صاحب المنار هؤلاء الأئمة ، فرجح القول الأول وهو أن التزيين لم يكن حسياً ، أي أن ما قاله الشيطان لهم من قبيل الوسوسة ، وأنه لم يتمثل لهم في صورة إنسان .
فقد قال - رحمه الله - قوله : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس . . . } أى : واذكر ايها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته ، وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم لا غالب لكم اليوم من الناس .
{ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان نَكَصَ على عَقِبَيْه } أى : فلما قرب كل من الفريقين من الآخر . نكص ، أى : رجع القهرى . . والمراد أنه كف عن تزيينه لهم ، وتغريره إياهم ، فخرج الكلام مخرج التمثيل بتشبيه وسوسته بما ذكر بحال المقبل على الشئ ، وتركها بحال من ينكص ، أى : رجع القهقهرى . . والمراد أنه كف عن تزيينه لهم ، وتغريره إياهم ، فخرج الكلام مخرج التمثيل بتشبيه وسوسته بما ذكر بحال المقبل على الشئ ، وتركها بحال من ينكص على عقبيه ويوليه دبره ، ثم زاد على هذا ما يدل على براءته منهم ، ونكره إياهم وشأنهم ، وهو { وَقَالَ إِنِّي بريئ مِّنْكُمْ إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ إني أَخَافُ الله } أى : تبرأ منهم وخاف عليهم ، وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة .
ثم قال - بعد أن ضعف الروايات التي أوردها ابن جرير وابن كثير : والمختار عندنا في تفسير الآية أن الشيطان القى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبهم . .
والخلاصة : أننا بمراجعنا لأقوال المفسرين في كيفية تزيين الشيطان للمشركين ، تراهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
( أ ) قسم منهم ذكر القولين السابقين في كيفية التزين دون أن يرجح أحدهما على الآخر ، وممن فعل ذلك الزمخشرى ، والفخر الرازى والآلوسى .
( ب ) وقسم منهم سار في تفسيره على أن التزيين كان حسياً ، بمعنى أن الشيطان تمثل للمشركين في صورة إنسان وقال لهم ما قال ، وأهمل القول بأن التزيين لم يكن حسياً ، وممن فعل ذلك ابن جرير ، وابن كثير ، والقرطبى .
( ج ) وقسم منهم رجح أن التزيين لم يكن حسياً ، بل كان طريق الوسوسة ، وأن الشيطان ما تمثل للمشركين في صورة إنسان ، وقدسار في هذا الاتجاه صاحب المنار مشككا في صحة ما سواه .
والذى نراه بعد هذا العرض لأقوال المفسرين : أن الآية الكريمة صريحة في أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم ، وأنه قد قال لهم - ما حكاه القرآن عنه : { لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } وأنه حين تراءى الجمعان كذب فعلهُ قوله ، فقد { نَكَصَ على عَقِبَيْهِ } وقال للمشركين الذين وعدهم ومناهم بالنصر { إِنِّي بريئ مِّنْكُمْ إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ إني أَخَافُ الله والله شَدِيدُ العقاب } .
ومن العسير علينا بعد ذلك أن نحدد تحديداً قاطعاً كيفية هذا التزيين والقول والنكوص : أهو حسى أم غير حسى ؛ لأن التحديد القاطع لا بد أن يستند إلى نص صريح في دلالته على المعنى المراد ، وصحيح في نسبته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا النص غير موجود ، لأن الحديث الذي أخرجه الإِمام مالك في موطئه - والذى سبق أن ذكرناه - قال عنه ابن كثير وابن حجر إنه حديث مرسل ، وزيادة على ذلك ففى بعض رجاله من هو ضعيف الحديث كابن الماجشون ، ولأن الروايات التي رويت في تمثيل الشيطان بصورة سراقة قد جاء معظمها عن ابن عباس ، وابن عباس - كما يقول صاحب المنار - كان سنه يوم بدر خمس سنين . روايته لأخبارها منقطعة .
إذن فنحن نؤمن بما أثبته القرآن من أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم ، وأنه قد حال لهم ما قاله - مما حكاه القرآن عنه - ، وأنه قد نكص على عقبيه . . إلا أننا لا نستطيع أن نحدد كيفية ذلك .
ويعجبنى في هذا المقام قول بعض الكاتبين عند تفسيره لهذه الآية : " وفى هذا الحادث نص قرآنى يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم ، وشجعهم على الخروج . . وأنه بعد ذلك { نَكَصَ على عَقِبَيْهِ } فخذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم .
ولكننا لا نعمل الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم والتى قال لهم بها لا غالب لكم اليوم من الناس . . والتى نكص بها كذلك .
الكيفية فقط هى التي لا نجزم بها . ذلك أن أمر الشياطين كله غيب ، ولا سبيل لنا إلى الجزم بشئ من أمره إلا بنص قرآنى أو حديث نبوى صحيح ، والنص هنا لا يذكر الكيفية إنما يثبت الحادث .
فإلى هنا ينتهى إجتهادنا ، ولا نميل إلى المنهج الذي تتخذه مدرسة الشيخ محمد عبده في محاولة تأويل كل أمر غيبى من هذا القبيل تأويلا معينا ينفى الحركة الحسية عن هذه العوالم ، وذلك كقول الشيخ رشيد رضا في تفسير الآية .
{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ } واذكر أيها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته ، وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم : لا غالب لكم اليوم من الناس . . الخ ما ذكره الشيخ رشيد في تفسيره الآية .
{ وإذ زين } عطف على { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً } [ الأنفال : 44 ] الآية . وما بينهما اعتراض ، رُتّب نظمه على أسلوبه العجيب ؛ ليقع هذا الظرف عقب تلك الجمل المعتَرضة ، فيكون له إتمام المناسبة بحكاية خروجهم وأحوالِه ، فإنّه من عجيب صنع الله فيما عرض للمشركين من الأحوال في خروجهم إلى بدر ، ممّا كان فيه سبب نصر المسلمين ، وليقع قوله : { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم } [ الأنفال : 47 ] عَقِب أمر المسلمين بما ينبغي لهم عند اللقاء ، ليجمع لهم بين الأمر بما ينبغي والتحذير ممّا لا ينبغي ، وترك التشبه بمن لا يرتضَى ، فيتمّ هذا الأسلوب البديع المحكمُ الانتظامِ .
وأشارت هاته الآية إلى أمر عجيب كان من أسباب خِذلان المشركين إذ صرف الله عن المسلمين كيداً لهم حين وسوس الشيطان لسراقَةَ بننِ مالك بن جعْشُم الكناني أن يجيء في جيش من قومه بني كنانة لنصر المشركين حين خرجوا للدفاع عن عِيرهم ، فألقى الله في رُوع سراقة من الخوف ، ما أوجب انخزاله وجيشه عن نصر المشركين ، وأفسد الله كيد الشيطان بما قذفه الله في نفس سُراقة من الخوف وذلك أنّ قريشاً لمّا أجمعوا أمرهم على السير إلى إنقاذ العِير ذكروا ما كان بينهم وبين كنانة من الحرب فكاد أن يثبّطهم عن الخروج ، فلقيهم في مسيرهم سُراقة بن مالك في جند معه راية وقال لهم : لا غالب لكم اليوم ، وإنّي مجيركم من كنانة ، فقوي عزم قريش على المسير ، فلمّا أمعنوا السير وتقارَبَ المشركون من منازل جيش المسلمين ، ورأى سُراقة الجيشين ، نكص سُراقة بمن معه وانطلقوا ، فقال له الحارث بن هشام ، أخُو أبي جهل : « إلى أينَ أتخذلنا في هذه الحال » فقال سراقة « إني أرى ما لا ترون » فكان ذلك من أسباب عزم قريش على الخروج والمسير ، حتّى لقوا هزيمتهم التي كتب الله لهم في بدر ، وكان خروج سُراقة ومن معه بوسوسة من الشيطان ، لئلا ينثني قريش عن الخروج ، وكان انخزال سراقة بتقدير من الله ليتمّ نصر المسلمين ، وكان خاطر رجوع سراقة خاطراً ملَكياً ساقه الله إليه ؛ لأنّ سراقة لم يزل يتردّد في أن يسلم منذ يوم لقائه رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة ، حين شاهد معجزة سَوْخ قوائم فرسه في الأرض ، وأخذِه الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورويت له أبيات خاطب بها أبا جهل في قضيته في يوم الهجرة ، وما زال به ذلك حتى أسلم يوم الفتح .
وتزيين الشيطان للمشركين أعمالهم ، يجوز أن يكون إسناداً مجازياً ، وإنّما المزيّن لهم سُراقة بإغراء الشيطان ، بما سوّل إلى سراقة بن مالك من تثبيته المشركين على المضي في طريقهم لإنقاذ عيرهم ، وأن لا يخشوا غَدْر كنانة بهم ، وقيل تمثّل الشّيطان للمشركين في صورة سراقة ، وليس تمثّل الشيطان وجنده بصورة سراقة وجيشه بمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنّما روي ذلك عن قول ابن عبّاس ، وتأويلُ ذلك : أنّ ما صدر من سراقة كان بوسوسة من الشيطان ، ويجوز أن يكون اسم الشيطان أطلق على سراقة لأنّه فعل فعل الشيطان كما يقولون : فلان من شياطين العرب ويجوز أن يكون إسناداً حقيقاً أي زيّن لهم في نفوسهم بخواطر وسوسته ، وكذلك إسناد قوله : { لا غالب لكم } إليه مجاز عقلي باعتبار صدور القول والنكوص من سُراقة المتأثر بوسوسة الشيطان .
وكذلك قوله : { إني أرى ما لا ترون } .
وقوله : { إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون } إن كان من الشيطان فهو قول في نفسه ، وضمير الخطاب التفات استحضرهم كأنّهم يسمعونه ، فقال قوله هذا ، وتكون الرؤية بصرية يعني رأى نزول الملائكة وخاف أن يضرّوه بإذن الله وقوله : { إني أخاف الله } بيان لقوله : { إني أرى ما لا ترون } أي أخاف عقاب الله فيما رأيت من جنود الله . وإن كان ذلك كلّه من قول سراقة فهو إعلان لهم بردّ جواره إيّاهم لئلا يكون خائناً لهم ، لأنّ العرب كانوا إذا أرادوا نقض جوار أعلنوا ذلك لمن أجاروه ، كما فعل ابن الدغنة حين أجار أبا بكر من أذى قريش ثم ردّ جواره من أبي بكر ، ومنه قوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآءٍ إن الله لا يحب الخائنين } [ الأنفال : 58 ] فالمعنى : إنّي بريء من جواركم ، ولذلك قال له الحارث بن هشام : « إلى أين أتخذلنا » فيكون قد اقتصر على تأمينهم من غدر قومه بني كنانة . وتكون الرؤية علمية ومفعولها الثاني محذوفاً اقتصاراً .
وأمّا قوله : { إني أخاف الله والله شديد العقاب } فعلى احتمال أن يكون الإسناد إلى الشيطان حقيقة فالمراد من خوف الله توقع أن يصيبه الله بضرّ ، من نحوِ الرجم بالشهب ، وإن كان مجازاً عقلياً وأنّ حقيقته قول سُراقة فلعلّ سراقة قال قولاً في نفسه ، لأنّه كان عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يدلّ عليه المشركين ، فلعلّه تذكّر ذلك ورأى أنّ فيما وعد المشركين من الإعانة ضرباً من خيانة العهد فخاف سوء عاقبة الخيانة .
و« التزيين » إظهار الشيء زيْناً ، أي حسناٍ ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : { كذلك زينا لكل أمة عملهم } في سورة [ الأنعام : 108 ] ، وفي قوله : { زين للذين كفروا الحياة الدنيا } في سورة [ البقرة : 212 ] . والمعنى : أنّه أراهم حسناً ما يعملونه من الخروج إلى إنقاذ العير ، ثم من إزماع السير إلى بدر .
و{ تراءت } مفاعلة من الرؤية ، أي رأت كلتا الفئتين الأخرى .
و { نكص على عقبيه } رجع من حيث جاء . وعن مؤرج السدوسي : أنّ نكص رجع بلغة سُليم ، ومصدره النكوص وهو من باب رجع .
وقوله : { على عقبيه } مؤكّد لمعنى نكص إذ النكوص لا يكون إلاّ على العقبين ، لأنّه الرجوع إلى الوراء كقولهم : رجع القهقرى ، ونظيره قوله تعالى في سورة [ المؤمنين : 66 ] : { فكنتم على أعقابكم تنكصون }
و { على } مفيدة للتمكّن من السير بالعقبين . والعقبان : تثنية العقب ، وهو مؤخّر الرجل ، وقد تقدّم في قوله : { ونرد على أعقابنا } في سورة [ الأنعام : 71 ] .
والمقصود من ذكر العقبين تفظيع التقهقر لأنّ عقب الرجل أخسّ القوائم لملاقاته الغبار والأوساخ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس}، وذلك أنه بلغهم أن العير قد نجت، فأرادوا الرجوع إلى مكة، فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني، من بنى مدلج بن الحارث، فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم، فإنكم كثير وعدوكم قليل، فتأمن عيركم، ويسير ضعيفكم، {وإني جار لكم} على بنى كنانة، أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل والسلاح والرجال، فأطاعوه ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم، فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مددا للمؤمنين، عليهم جبريل، عليه السلام، ولما رأى إبليس ذلك، نكص على عقبيه، يقول: استأخر وراءه.
فذلك قوله: {فلما تراءت الفئتان} فئة المشركين، {نكص على عقبيه}، يقول: استأخر وراءه، وعلم أنه لا طاقة له بالملائكة، فأخذ الحارث بن هشام بيده، فقال: يا سراقة، على هذا الحال تخذلنا؟ {وقال} إبليس: {إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون}، فقال الحارث: والله ما نرى إلا خفافيش يثرب، فقال إبليس: {إني أخاف الله والله شديد العقاب}: وكذب عدو الله ما كان به الخوف، ولكن خذلهم عند الشدة، فقال الحارث لإبليس وهو في صورة سراقة: فهلا كان هذا أمس، فدفع إبليس في صدر الحارث، فوقع الحارث، وذهب إبليس هاربا، فلما انهزم المشركون، قالوا: انهزم بالناس سراقة، وهو بعض الصف، فلما بلغ سراقة سار إلى مكة فقال: بلغني أنكم تزعمون بأني انهزمت بالناس فوالذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم، قالوا له: ما أتيتنا يوم كذا وكذا، فحلف بالله لهم أنه لم يفعل، فلما أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أَعمالَهُمْ" وحين زين لهم الشيطان أعمالهم.
وكان تزيينه ذلك لهم كما [روي]... عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر يعني من الحرب فكاد ذلك أن يثبطهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجيّ، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا.
... قال ابن إسحاق، في قوله: "وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِب لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ وإنّي جارٌ لَكُمْ "فذكر استدراج إبليس إياهم وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب التي كانت بينهم. يقول الله: "فَلَمّا تَرَاءَتِ الفِئَتانِ" ونظر عدوّ الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوّهم، "نَكَصَ على عَقِبَيْهِ وَقالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إني أرَى ما لا ترون" وصدق عدوّ الله أنه رأى ما لا يرون. وقال: "إنّي أخافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ العِقابِ"، فأوردهم ثم أسلمهم... وكذب والله عدوّ الله، ما به مخافة الله، ولكن علم أن لا قوّة له ولا منعة له، وتلك عادة عدوّ الله لمن أطاعه واستعاذ به، حتى إذا التقى الحقّ والباطل أسلمهم شرّ مسلم وتبرأ منهم عند ذلك...
فتأويل الكلام: وإن الله لسميع عليم في هذه الأحوال وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم أيها المؤمنون لحربكم وقتالكم، وحّسن ذلك لهم، وحثهم عليكم وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم، فاطمئنوا وأبشروا، وإني جار لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فتغيركم أجيركم وأمنعكم منهم، ولا تخافوهم، واجعلوا جدّكم وبأسكم على محمد وأصحابه. "فَلَمّا تَرَاءَتِ الفِئَتانِ" يقول: فما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين، ونظر بعضهم إلى بعض "نَكَصَ على عَقِبَيْهِ" يقول: رجع القهقرى على قفاه هاربا... وقال للمشركين "إنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ" يعني: أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددا للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم "إنّي أخَافُ" عقاب الله، وكذب عدوّ الله. "والله شَدِيدُ العِقَابِ".
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{و} اذكر {إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون، وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجيرهم، فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم، أي بطل كيده حين نزلت جنود الله وكذا عن الحسن رحمه الله: كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
...وقوله {على عقبيه} يبين أنه إنما أراد الانهزام والرجوع في ضد إقباله، وقوله {إني بريء منكم} هو خذلانه لهم وانفصاله عنهم، وقوله {إني أرى ما لا ترون} يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط أن لا غالب من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفرَّ...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
واذكر أيها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم: لا غالب لكم اليوم من الناس لا أتباع محمد الضعفاء ولا غيرهم من قبائل العرب فأنتم أعز نفرا وأكثر نفيرا وأعظم بأسا، وإني مع هذا أو الحال إني جار لكم، قال البيضاوي في تفسيره: وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم حتى قالوا اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الدينين. اه.
{فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه} أي فلما قرب كل من الفريقين المقاتلين من الآخر وصار بحيث يراه ويعرف حاله وقبل أن يلقاه في المعركة ويصطلي نار القتال معه نكص أي رجع القهقرى وتولى إلى الوراء وهو جهة العقبين (أي مؤخري الرجلين) وأخطأ من قال من المفسرين إن المراد بالترائي التلاقي، والمراد إنه كف عن تزيينه لهم وتغريره إياهم، فخرج الكلام مخرج التمثيل بتشبيه وسوسته بما ذكر بحال المقبل على الشيء وتركها بحال من ينكص عنه ويوليه دبره. ثم زاد على هذا ما يدل على براءته وتركه إياهم وشأنهم وهو {وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله} أي تبرأ منهم وخاف عليهم وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة {والله شديد العقاب} يجوز أن يكون هذا من كلامه ويجوز أن يكون مستأنفا.
تفسير الآية بوسوسة الشيطان وإغوائه للمشركين وتغريره بهم قبل تقابل الصفوف وترائي الزحوف وبتخليه عنهم بعد ذلك رواه ابن جرير عن ابن عباس والحسن البصري، وخرجه علماء البيان من المفسرين كالزمخشري والبيضاوي بنحو مما ذكرنا وهو لا يخلو من تكلف من الجمل الأخيرة إلا أن يقال إنه لما نكص على عقبيه تبرأ منهم وقال ما قال في نفسه لا لهم، ومثل هذا الخطاب لا يتوقف على سماع المخاطبين له حتى في خطاب الناس بعضهم لبعض ومثله قوله تعالى: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله} [الحشر:16] قال ابن عباس لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم، وإني جار لكم. فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة (نكص على عقبيه) قال رجع مدبرا وقال (إني أرى مالا ترون) الآية. ومثله قال الحسن.
أقول: معنى هذا أن جند الشيطان الخبيث كانوا منبثين في المشركين يوسوسون لهم بملابستهم لأرواحهم الخبيثة ما يغريهم ويغرهم كما كان الملائكة منبثين في المؤمنين يلهمونهم بملابستهم لأرواحهم الطيبة ما يثبتون به قلوبهم ويزيدهم ثقة بوعد الله بنصرهم كما تقدم شرحه في تفسير آية 12 {إذ يوحي ربك إلى الملائكة} الخ فلما تراءت الفئتان وأوشك أن يتلاحما فر الشيطان بجنوده من بين المشركين لئلا تصل إليهم الملائكة الملابسة للمؤمنين وهما ضدان لا يجتمعان ولو اجتمعوا لقضى أقواهما وهم الملائكة على أضعفهما، فخوف الشيطان إنما كان من إحراق الملائكة لجنوده لا على المشركين كما يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
... ونحن -على منهجنا في هذه الظلال- لا نتعرض لهذه الأمور الغيبية بتفصيل لم يرد به نص قرآني أو حديث نبوي صحيح متواتر. فهي من أمور الاعتقاد التي لا يلتزم فيها إلا بنص هذه درجته. ولكننا في الوقت ذاته لا نقف موقف الإنكار والرفض..
وفي هذا الحديث نص قرآني يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم، وشجعهم على الخروج بإعلان إجارته لهم ونصرته إياهم؛ وأنه بعد ذلك -لما تراءى الجمعان أي بريء منكم إني رأى أحدهما الآخر- (نكص على عقبيه وقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب).. فخذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم، ولم يوف بعهده معهم..
ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم، والتي قال لهم بها: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. والتي نكص بها كذلك وقال ما قاله بعد ذلك..
الكيفية فقط هي التي لا نجزم بها. ذلك أن أمر الشيطان كله غيب؛ ولا سبيل لنا إلى الجزم بشيء في أمره إلا في حدود النص المسلم. والنص هنا لا يذكر الكيفية إنما يثبت الحادث..