ثم بين - سبحانه - أحوال الناس يوم القيامة فقال : { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعي لاَ عِوَجَ لَهُ .
والمراد بالداعى : الملك الذى يدعوهم إلى المثول للحساب .
قيل : يناديهم بقوله : أيتها العظام البالية ، والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة . . . قومى إلى ربك للحساب والجزاء ، فيسمعون الصوت ويتبعونه .
والمعنى : فى هذا اليوم الذى تنسف فيه الجبال ، وتصير الأرض قاعا صفصفا يقوم الناس من قبورهم ، ويتبعون من يناديهم للحساب والجزاء دون أن يحيدوا عن هذا المنادى ، أو أن يملكوا مخالفته أو عصيانه ، بل الجميع يسمع دعاءه ويستجيب لأمره .
كما قال - تعالى - : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ } وقوله : { وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } أى : وخفتت وسكنت الأصوات كلها هيبة وخوفا من الرحمن - عز وجل - فلا تسمع - أيها المخاطب - فى هذا اليوم الهائل الشديد { إِلاَّ هَمْساً } أى : إلا صوتا خفيا خافتا . يقال : همس الكلام يهمسه همسا ، إذا أخفاه ، ويقال للأسد : الهموس ، لخفاء وطئه .
جملة { يتبعون الدّاعي } في معنى المفرعة على جملة { يَنسِفُهَا } [ طه : 105 ] . و { يَوْمَئِذٍ } ظرف متعلق ب { يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ } . وقدم الظرف على عامله للاهتمام بذلك اليوم ، وليكون تقديمه قائماً مقام العَطف في الوصل ، أي يتبعون الداعي يوم ينسف ربّك الجبال ، أي إذا نسفت الجبال نودوا للحشر فحضروا يتبعون الداعي لذلك .
والداعي ، قيل : هو المَلك إسرافيل عليه السلام يدعو بنداء التسخير والتكوين ، فتعود الأجساد والأرواح فيها وتهطع إلى المكان المدعوّ إليه . وقيل : الداعي الرسول ، أي يتبع كلّ قوم رسولهم .
و { عِوَجَ لَهُ } حال من { الدَّاعِيَ } . واللام على كلا القولين في المراد من الداعي للأجْل ، أي لا عوج لأجل الداعي ، أي لا يروغ المدعوون في سيرهم لأجل الداعي بل يقصدون متجهين إلى صَوبه . ويجيء على قول من جعل المراد بالداعي الرسول أن يرَاد بالعوج الباطل تعريضاً بالمشركين الذين نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم العِوج كقولهم { إن تتبعون إلاّ رجلاً مسحوراً } [ الفرقان : 8 ] ، ونحو ذلك من أكاذيبهم ، كما عُرض بهم في قوله تعالى : { الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً } [ الكهف : 1 ] .
فالمصدر المنفي أريد منه نفي جنس العوج في اتباع الداعي ، بحيث لا يسلكون غير الطريق القويم ، أو لا يسلك بهم غير الطريق القويم ، أو بحيث يعلمون براءة رسولهم من العِوج .
وبيْن قوله { لا ترى فيها عوجاً } [ طه : 107 ] وقوله { لا عِوَج له } مراعاة النظير ، فكما جعل الله الأرض يومئذ غير معوجة ولا ناتئة كما قال { فإذا هم بالساهرة } [ النازعات : 14 ] كذلك جعل سير النّاس عليها لا عوج فيه ولا مراوغة .
والخشوع : الخضوع ، وفي كلّ شيء من الإنسان مظهر من الخشوع ؛ فمظهر الخشوع في الصوت : الإسرار به ، فلذلك فرع عليه قوله { فلا تسمع إلاّ همساً } .
والخطاب بقوله { لا ترى فيها عوجاً } وقوله { فلا تسمع إلا همساً } خطاب لغير معين ، أي لا يرى الرائي ولا يسمع السامع .
وجملة { وخَشَعَتِ الأصوَاتُ } في موضع الحال من ضمير { يتّبعون وإسناد الخشوع إلى الأصوات مجاز عقلي ، فإن الخشوع لأصحاب الأصوات ؛ أو استعير الخشوع لانخفاض الصوت وإسراره ، وهذا الخشوع من هول المقام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.