وقوله : { ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } . معطوف على { غُرُوراً } فيكون علة أخرى للإيحاء ، والضمير فى { إِلَيْهِ } يعود إلى زخرف القول .
وأصل الصغو : الميل . يقال : صغا يصغو ويصغى صغوا ، وصغى يصغى صغاً أى : مال ، وأصغى إليه مال إليه يسمعه ، وأصغى الإناء : أماله . ويقال : صغت الشمس والنجوم صغوا : مالت إلى الغروب .
والمعنى : يوحى بعضهم إلى بعضهم زخرف القول ليغروا به الضعفاء ، ولتميل إلى هذا الزخرف الباطل من القول قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة لموافقته لأهوائهم وشهواتهم .
وخص عدم إيمانهم بالآخرة بالذكر - مع أنهم لا يؤمنون بأمور أخرى يجب الإيمان بها - لأن من لم يؤمن بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب يمشى دائما وراء شهواته وأهوائه ولا يتبع إلا زخرف القول وباطله .
ثم بين - سبحانه - تدرجهم السىء فى هذا العمل الأثيم فقال : { وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } .
أى : وليرضوا هذا الفعل الخبيث لأنفسهم بعد أن مالت إليه قلوبهم ، وليقترفوا ما هم مقترفون أى : وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الأعمال السيئة فإن الله - تعالى - سيجازيهم عليها بما يستحقونه .
وأصل القرف والاقتراف . قشر اللحاء عن الشجر ، والجلدة عن الجرح . واستعير الاقتراف للاكتساب مطلقا ولكنه فى الإساءة أكثر . فيقال : قرفته بكذا إذا عبته واتهمته .
قال أبو حيان : وترتيب هذه المفاعيل فى غاية الفصاحة ، لأنه أولا يكون الخداع ، فيكون الميل ، فيكون الرضا ، فيكون الاقتراف ، فكل واحد مسبب عما قبله .
عُطف قوله : { ولتصغى } على { غروراً } [ الأنعام : 112 ] لأنّ { غروراً } في معنى ليغرّوهم . واللام لام كي وما بعدها في تأويل مصدر ، أي ولصغى ، أي مَيل قلوبهم إلى وحيِهم فتقوم عليهم الحجّة . ومعنى { تصغى } تميل ، يقال : صَغَى يَصغى صَغْياً ، ويَصْغُو صَغواً بالياء وبالواو ووردت الآية على اعتباره بالياء لأنّه رسم في المصحف بصورة الياء . وحقيقته المَيل الحسي ، يقال : صَغى ، أي مال ، وأصغى أمال . وفي حديث الهِرّة : أنّه أصغى إليها الإناءَ ، ومنه أطلق : أصغى بمعنى استمع ، لأنّ أصله أمال سمعه أو أذُنه ، ثمّ حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال . وهو هنا مجاز في الاتّباع وقبول القول .
والَّذين لا يؤمنون بالآخرة هم المشركون . وخصّ من صفات المشركين عدمُ إيمانهم بالآخرة ، فعُرّفوا بهذه الصّلة للإيماء إلى بعض آثار وحي الشّياطين لهم . وهذا الوصف أكبر ما أضرّ بهم ، إذ كانوا بسببه لا يتوخّون فيما يصنعون خشية العاقبة وطلَبَ الخير ، بل يتَّبعون أهواءهم وما يُزيَّن لهم من شهواتهم ، معرضين عمّا في خلال ذلك من المفاسد والكفرِ ، إذ لا يترقَّبون جزاء عن الخير والشرّ ، فلذلك تصغى عقولهم إلى غرور الشَّياطين . ولا تصغَى إلى دعوة النَّبيء صلى الله عليه وسلم والصّالحين .
وعطف { وليرضوه } على { ولتصغى } ، وإن كان الصّغْي يقتضي الرّضى ويسبّبه فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء وأن لا تكرّر لام التّعليل ، فخولف مقتضى الظاهر ، للدلالة على استقلاله بالتّعليل ، فعطف بالواو وأعيدت اللاّم لتأكيد الاستقلال ، فيدل على أن صَغى أفئدتهم إليه ما كان يكفي لعملهم به إلاّ لأنَّهم رَضُوه .
وعطْفُ { وليقترفوا ما هم مقترفون } على وليرضوه كعطف وليرضوه على { ولتصغى } .
والاقتراف افتعال من قرف إذا كسب سيئة ، قال تعالى بعد هذه الآية : { إنّ الذين يكسبون الإثم سيُجْزون بما كانوا يقترفون } [ الأنعام : 120 ] فذكَرَ هنالك لِ { يكسبون } مفعولا لأنّ الكسب يعمّ الخير والشرّ ، ولم يذكر هنا ل { يقترفون } مفعولاً لأنّه لا يكون إلاّ اكتساب الشرّ ، ولم يقل : سيُجزْون بما كانوا يكسبون لقصد تأكيد معنى الإثم . يقال : قرف واقترف وقارف . وصيغة الافتعال وصيغة المفاعلة فيه للمبالغة ، وهذه المادة تؤذن بأمر ذميم . وحكوا أنَّه يقال : قَرف فلان لِعِيالِه ، أي كسب ، ولا أحسبه صحيحاً .
وجيء في صلة الموصول بالجملة الاسميّة في قوله : { ما هم مقترفون } للدلالة على تمكّنهم في ذلك الاقتراف وثباتهم فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.