المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

31- يا بني آدم : خذوا زينتكم من اللباس المادي الذي يستر العورة ، ومن اللباس الأدبي وهو التقوى ، عند كل مكان للصلاة ، وفي كل وقت تؤدون فيه العبادة ، وتمتعوا بالأكل والشرب غير مسرفين في ذلك ، فلا تتناولوا المحرم ، ولا تتجاوزوا الحد المعقول من المتعة ، إن الله لا يرضى عن المسرفين{[66]} .


[66]:يحث الإسلام على وجوب المحافظة على حسن المظهر وما يتبعه من النظافة لاسيما في كل اجتماع وهذا ما تقرره أساليب الصحة الوقائية. وأما عدم الإسراف فقد العلم أن الجسم لا يستفيد بكل يلقي فيه من الطعام، وإنما يّأخذ مجرد كفايته منه، ثم يبذل بعد ذلك مجهودا كبيرا للتخلص مما زاد منه عن حاجته، وبجانب هذا تصاب المعدة وسائر الجهاز الهضمي بإرهاق شديد ويسلم المرء إلى أمراض معينة خاصة بذلك الجهاز، ومن الإسراف كذلك تناول مادة معينة من مواد الطعام بنسبة كبيرة تطغى على النسب اللازمة من المواد الأخرى كالإسراف في تناول الدهنيات بحيث تطغى على مقدار ما يحتاجه الجسم من زلاليات وهكذا، والآية الكريمة تحثنا بجانب هذا على الأكل من الطيبات لتصح أبداننا ولنقوى على العمل، وكذلك فإن الإسراف في الأكل يؤدي إلى البدانة الأمر الذي يرهق الجسم، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم والسكر والذبحة الصدرية.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

ثم وجه القرآن بعد ذلك نداء ثالثا إلى بنى آدم أمرهم فيه بالتمتع بالحلال ، وبزينة الله التي أخرجها لعباده بدون إسراف أو تبذير فقال - تعالى - : { يابني ءَادَمَ . .

المعنى : عليكم يا بنى آدم أن تتجملوا بما يستر عورتكم ، وأن تتحلوا بلباس زينتكم كلما صليتم أو طفتم ، واحذروا أن تطوفوا بالبيت الحرام وأنتم عرايا .

قال القرطبى : " يا بنى آدم هو خطاب لجميع العالم ، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا ، فإنه عام في كل مسجد للصلاة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " .

وقال ابن عباس : " كان بعض العرب يطوفون بالبيت عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل . يقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها " . فأنزل الله - تعالى - : { يابني ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } .

ثم أمرهم - سبحانه - أن يتمتعوا بالطيبات بدون إسراف أو تقتير فقال : { وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين } .

أى : كلوا من المآكل الطيبة ، واشربوا المشارب الحلال ولا تسرفوا لا في زينتكم ولا في مأكلكم أو مشربكم . لأنه - سبحانه - يكره المسرفين .

قال الإمام ابن كثير : " قال بعض السلف : جمع الله الطب في نصف آية في قوله : { وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا } " وقال البخارى : قال ابن عباس : " كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة " .

وقد كان السلف الصالح يقفون بين يدى الله في عبادتهم وهم في أكمل زينة ، فهذا - مثلا - الإمام الحسن بن على ، كان إذا قام إلى الصلاة لبس أحسن ثيابه فقيل له ؛ يابن بنت رسول الله لم تلبس أجمل ثيابك . فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، فأنا أتجمل لربى ، لأنه هو القائل : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } .

وقال الكلبى : " كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم إلا قوتا ولا يأكلون لحما ولا دسما يعظمون بذلك حجهم ، فهم المسلمون أن يفعلوا كفعلهم فأنزل - تعالى - : { وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

هذا خطاب عام لجميع العالم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها ، والزينة ها هنا الثياب الساترة قاله مجاهد والسدي ، وقال طاوس : الشملة من الزينة .

قال القاضي أبو محمد : ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة والسواك وبدل الثياب وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعملة الخيلاء ، و { عند كل مسجد } عند كل موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها هذا هو مهم الأمر ، ويدخل مع الصلاة مواطن الخير كلها ، ومع ستر العورة ما ذكرناه من الطيب للجمعة وغير ذلك ، وذكر مكي حديثاً أن معنى { خذوا زينتكم } صلوا في النعال ، وما أحسبه يصح .

وقوله تعالى : { وكلوا واشربوا } نهي عما كانوا التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام الموسم ، قال السدي وابن زيد ، وتدخل مع ذلك أيضاً البحيرة والسائبة ونحو ذلك ، وقد نص على ذلك قتادة وقال إن البحيرة وما جانسها هي المراد بقوله تعالى : { والطيبات من الرزق } ، وقوله تعالى : { ولا تسرفوا } معناه ولا تفرطوا ، قال أهل التأويل : يريد ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرم الله عز وجل ، قال ابن عباس : ليس في الحلال سرف إنما السرف في ارتكاب المعاصي .

قال القاضي أبو محمد : يريد في الحلال القصد ، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقاً فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه ، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن ، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضاً من المسرفين وتوجه النهي عليه ، مثل ذلك أن يفرط الإنسان في شراء ثياب ونحوها ويستنفد في ذلك جل ماله أو يعطي ماله أجمع ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ونحوه ، فالله عز وجل لا يحب شيئاً من هذا ، وقد نهت الشريعة عنه ، ولذلك وقف النبي عليه السلام بالموصي عند الثلث ، وقال بعض العلماء : لو حط الناس إلى الربع لقول النبي عليه السلام «والثلث كثير » ، وقد قال ابن عباس في هذه الآية ، أحل الله الأكل والشرب مالم يكن سرفاً أو مخيلة .

وأمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يسألهم عمن حرم ما أحل الله على جهة التوبيخ والتقرير وليس يقتضي هذا السؤال جواباً ، وإنما المراد منه التوقيف على سوء الفعل ، وذكر بعض الناس أن السؤال والجواب جاء في هذه الآية من جهة واحدة وتخيل قوله : { قل هي للذين آمنوا } جواباً .

قال القاضي أبو محمد : وهذا نظر فاسد ليس ذلك بجواب السؤال ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جواباً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

إعادة النّداء في صدر هذه الجملة للاهتمام ، وتعريف المنادَى بطريق الإضافة بوصف كونهم بني آدم متابعة للخطاب المتقدّم في قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } [ الأعراف : 26 ] .

وهذه الجملة تتنزّل ، من التي بَعدها ، وهي قوله : { قل من حرم زينة الله } [ الأعراف : 32 ] منزلة النّتيجة من الجدل ، فقدمت على الجدل فصارت غرضاً بمنزلة دعوى وجعل الجدل حجّة على الدّعوى ، وذلك طريق من طرق الإنشاء في ترتيب المعاني ونتائجها .

فالمقصد من قوله : { خذوا زينتكم } إبطال ما زعمه المشركون من لزوم التّعرّي في الحجّ في أحوال خاصّة ، وعند مساجد معيّنة ، فقد أخرج مسلم عن ابن عبّاس ، قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول من يُعيرني تِطْوافاً تجعله على فرجها وتقول :

اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه *** وما بَدا منه فلا أُحِلُّه

وأخرج مسلم عن عروة بن الزبير ، قال : كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلاّ الحُمْس ، والحُمْس قريشٌ وما ولدتْ فكان غيرهم يطوفون عراة إلاّ أن يعطيهم الحُمْس ثياباً فيعطِي الرّجالُ الرّجالَ والنّساءُ النّساءَ ، وعنه : أنّهم كانوا إذا وصلوا إلى منى طرحوا ثيابهم وأتوا المسجد عُراة . وروي أنّ الحُمْس كانوا يقولون نحن أهل الحرم فلا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلاّ في ثيابنا ولا يأكل إذا دَخل أرضنا إلاّ من طعامنا . فمن لم يكن له من العرب صديق بمكّة يعيره ثوباً ولا يجد من يستأجر به كان بين أحد أمرين إمّا أن يطوف بالبيت عُرياناً ، وإمّا أن يطوف في ثيابه فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه فلم يمسّه أحد وكان ذلك الثّوب يسمّى : اللَّقَى بفتح اللام قال شاعرهم :

كفى حزناً كَري عليه كأنّه *** لقى بين أيدي الطائفين حَرامُ

وفي « الكشاف » ، عن طاووس : كان أحدهم يطوف عرياناً ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضُرِب وانتُزِعَت منه لأنّهم قالوا : لا نعبد الله في ثياببٍ أذنَبْنا فيها ، وقد أبطله النبي صلى الله عليه وسلم إذ أمر أبا بكر رضي الله عنه ، عام حجّته سنة تسع ، أن ينادي في الموسم : " أنْ لا يحج بعد العام مُشرك ولا يطوفَ بالبيت عُريان " .

وعن السدي وابن عبّاس كان أهل الجاهليّة التزموا تحريمَ اللّم والودك في أيام الموسم ، ولا يأكلون من الطّعام إلاّ قُوتاً ، ولا يأكلون دَسماً ، ونسب في « الكشاف » ذلك إلى بني عامر ، وكان الحُمْس يقولون : لا ينبغي لأحد إذا دخل أرضَنا أن يأكل إلاّ من طعامنا ، وفي « تفسير الطبري » عن جابر بن زيد كانوا إذا حجوا حرّموا الشاة ولبنها وسمْنها . وفيه عن قتادة : أنّ الآية أرادت ما حرّموه على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي .

فالأمر في قوله : { خذوا زينتكم } للوجوب ، وفي قوله : { وكلوا واشربوا } للإباحه لبني آدم الماضين والحاضرين .

والمقصود من توجيه الأمر أو من حكايته إبطالُ التّحريم الذي جعله أهل الجاهليّة بأنهم نقضوا به ما تقرّر في أصل الفطرة ممّا أمر الله به بني آدم كلّهم ، وامتن به عليهم ، إذ خلق لهم ما في الأرض جميعاً . وهو شبيه بالأمر الوارد بعد الحَظر . فإنّ أصله إبطال التّحريم وهو الإباحة كقوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } [ المائدة : 2 ] بعد قوله : { غير محلي الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 1 ] وقد يعرض لما أبطل به التّحريم أن يكون واجباً . فقد ظهر من السّياق والسّباق في هذه الآيات أن كشف العورة من الفواحش ، فلا جرم يكون اللّباس في الحجّ منه واجبٌ ، وهو ما يستْر العورة ، وما زاد على ذلك مباح مأذون فيه إبطالاً لتحريمه ، وأمّا الأمر بالأكل والشّرب فهو للإباحة إبطالاً للتّحريم ، وليس يجب على أحد أكل اللّحم والدّسم .

وقوله : { عند كل مسجد } تعميم أي لا تخصّوا بعض المساجد بالتّعري مثل المسجد الحرام ومسجد مِنَى ، وقد تقدّم نظيره في قوله : { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 29 ] . وقد ظهرت مناسبة عطف الأمر بالأكل والشّرب على الأمر بأخذ الزّينة ممّا مضى آنفاً .

والإسراف تقدّم عند قوله تعالى : { ولا تأكلوها إسرافاً } في سورة النّساء ( 6 ) ، وهو تجاوز الحدّ المتعارف في الشّيء أي : ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللّحوم والدّسم لأنّ ذلك يعود بأضرار على البدن وتنشأ منه أمراض معضلة .

وقد قيل إنّ هذه الآية جمعت أصول حفظ الصّحة من جانب الغذاء فالنّهي عن السرف نهيُ إرشاد لا نهي تحريم بقرينة الإباحة اللاّحقة في قوله : { قل من حرم زينة الله } إلى قوله { والطيبات من الرزق } [ الأعراف : 32 ] ، ولأنّ مقدار الإسراف لا ينضبط فلا يتعلّق به التّكليف ، ولكن يوكل إلى تدبير النّاس مصالحهم ، وهذا راجع إلى معنى القسط الواقع في قوله سابقاً : { قل أمر ربي بالقسط } [ الأعراف : 29 ] فإن ترك السّرف من معنى العدل .

وقوله : { إنه لا يحب المسرفين } تذييل ، وتقدّم القول في نظيره في سورة الأنعام .