المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي} (96)

96- قال السامري لموسى : عرفت من حذق الصناعة وحِيَلِها ما لم يعلمه بنو إسرائيل ، وصنعت لهم صورة عجل له هذا الصوت ، وقبضت قبضة من أثر الرسول فألقيتها في جوف العجل ، تمويهاً علي الناس ، وكذلك زَيَّنت لي نفسي أن أفعل ما فعلت .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي} (96)

وقد رد السامرى على موسى بقوله : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أى : علمت ما لم يعلمه القوم ، وفطنت لما لم يفطنوا له ، ورأيت ما لم يروه .

قال الزجاج : يقال : بصر بالشىء يبصر - ككرم وفرح - إذا علمه ، وأبصره إذا نظر إليه .

وقيل : هما بمعنى واحد .

{ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول فَنَبَذْتُهَا } روى أن السامرى رأى جبريل - عليه السلام - حين جاء إلى موسى ليذهب به إلى الميقات لأخذ التوراة عن الله - عز وجل - ولم ير جبريل أحد غير السامرى من قوم موسى ، ورأى الفرس كلما وضعت حافرها على شىء اخضرت ، فعلم أن للتراب الذى تضع عليه الفرس حافرها شأنا ، فأخذ منه حفنة وألقاها فى الحلى المذاب فصار عجلا له خوار .

والمعنى قال السامرى لموسى : علمت ما لم يعلمه غيرى فأخذت حفنة من تراب أثر حافر فرس الرسول وهو جبريل - عليه السلام - فألقيت هذه الحفنة فى الحلى المذاب ، فصار عجلا جسدا له خوار .

{ وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أى : ومثل هذا الفعل سولته لى نفسى ، أى زينته وحسنته لى نفسى ، لأجعل بنى إسرائيل يتركون عبادة إلهك يا موسى ، ويعبدون العجل الذى صنعته لهم .

وعلى هذا التفسير الذى سار عليه كثير من المفسرين ، يكون المراد بالرسول : جبريل - عليه السلام - ويكون المراد بأثره : التراب الذى أخذه من موضع حافر فرسه .

هذا ، وقد نقل الفخر الرازى عن أبى مسلم الأصفهانى رأيا آخر فى تفسير الآية فقال ما ملخصه : ليس فى القرآن ما يدل على ما ذكره المفسرون ، فهنا وجه آخر ، وهو أن يكون المراد بالرسول : موسى - عليه السلام - وبأثره : سنته ورسمه الذى أمر به ، وهو أن يكون المراد بالرسول : موسى - عليه السلام - وبأثره : سنته ورسمه الذى أمر به ، فقد يقول الرجل : فلان يقص أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه ، والتقدير : أن موسى لما أقبل على السامرى بالتوبيخ وبسؤاله عن الأمر الذى دعاه إلى إضلال القوم بعبادة العجل ، رد عليه بقوله : بصرت بما لم يبصروا به ، أى : عرفت أن الذى أنتم عليه ليس بحق ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول ، أى : أخذت شيئا من علمك ودينك فنبذته ، أى : طرحته .

. .

وعلى هذا التفسير الذى ذهب إليه أبو مسلم يكون المراد بالرسول : موسى - عليه السلام - ويكون المراد بأثره : دينه وسنته وعلمه .

ويكون المعنى الإجمالى للآية : أن السامرى قال لموسى - عليه السلام - كنت قد أخذت جانبا من دينك وعلمك ، ثم تبين لى أنك على ضلال فنبذت ما أخذته عنك وسولت لى نفسى أن أصنع للناس عجلا لكى يعبدوه لأن عبادته أراها هى الحق .

وقد رجح الإمام الرازى فى تفسيره ما ذهب إليه أبو مسلم فقال : واعلم أن هذا القول الذى قاله أبو مسلم ليس فيه إلا مخالفة للمفسرين ، ولكنه أقرب إلى التحقيق لوجوه .

1 - أن جبريل ليس مشهورا باسم الرسول ، ولم يجر له فيما تقدم ذكر حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه .

2 - أنه لا بد فيه من الإضمار ، وهو قبضته من أثر حافر فرس الرسول ، والإضمار خلاف الأصل .

3 - أنه لا بد من التعسف فى بيان أن السامرى كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل ومعرفته ؟ ثم كيف عرف أن لتراب حافر فرسه هذا الأثر ؟ والذى ذكروه أن جبريل هو الذى رباه بعيد . . .

وقد رد الإمام الآلوسى على الإمام الفخر الرازى - رحمهما الله - فقال ما ملخصه :

1 - عهد فى القرآن الكريم إطلاق الرسول على جبريل ، كما فى قوله - تعالى - : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وعدم جريان ذكره فيما تقدم لا يمنع أن يكون معهودا ، ويجوز أن يكون إطلاق الرسول عليه كان شائعا فى بنى إسرائيل .

2 - تقدير المضاف فى الكلام أكثر من أن يحصى ، وقد عهد ذلك فى كتاب الله غير مرة .

3 - رؤية السامرى دون غيره لجبريل ، كان ابتلاء من الله - تعالى - ليقضى الله أمرا كان مفعولا ، ومعرفته تأثير ذلك الأثر دون غيره كانت بسبب ما ألقى فى روعه من أنه لا يلقيه على شىء فيقول له كن كذا إلا كان - كما فى خبر ابن عباس - أو كانت لما شاهد من خروج النبات بالوطء - كما فى بعض الآثار - .

ويبدو لنا أن ما ذهب إليه أبو مسلم ، أقرب إلى ما يفيده ظاهر القرآن الكريم ، إذا ما استبعدنا تلك الروايات التى ذكرها المفسرون فى شأن السامرى وفى شأن رؤيته لجبريل .

ولا نرى حرجا فى استبعادها ، لأنها عارية عن السند الصحيح إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أو إلى أصحابه ، ويغلب على ظننا أنها من الإسرائيليات التى نرد العلم فيها إلى الله - تعالى - .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي} (96)

{ قال بصرت بما لم يبصروا به } أي : رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون ، { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } أي : من أثر فرسه . وهذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث ، أخبرنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي بن عمارة ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : إن جبريل ، عليه السلام ، لما نزل فصعد بموسى إلى السماء ، بصر به السامري من بين الناس ، فقبض قبضة من أثر الفرس قال : وحمل جبريل موسى خلفه ، حتى إذا دنا من باب السماء ، صعد وكتب الله الألواح{[19481]} وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح . فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده قال : نزل موسى ، فأخذ العجل فأحرقه . غريب . وقال مجاهد : { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } قال : من تحت حافر فرس{[19482]} جبريل ، قال : والقبضة ملء الكف ، والقبضة بأطراف الأصابع .

قال مجاهد : نبذ السامري ، أي : ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل ، فانسبك عجلا جسدًا له خُوار حفيف الريح فيه ، فهو خواره .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن يحيى ، أخبرنا علي بن المديني ، حدثنا يزيد بن زُرَيْع ، حدثنا عمارة ، حدثنا عكرمة ؛ أن السامري رأى الرسول ، فألقي في روعه أنك إن أخذت من أثر هذا الفرس قبضة فألقيتها في شيء ، فقلت له : " كن فكان " فقبض قبضة من أثر الرسول ، فيبست أصابعه على القبضة ، فلما ذهب موسى للميقات وكان بنو إسرائيل استعاروا حلي آل فرعون ، فقال لهم السامري : إنما أصابكم من أجل هذا الحلي ، فاجمعوه . فجمعوه ، فأوقدوا عليه ، فذاب ، فرآه السامري فألقي في روعه أنك لو قذفت هذه القبضة في هذه فقلت : " كن " كان . فقذف القبضة وقال : " كن " ، فكان عجلا له خوار ، فقال : { هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى } .

ولهذا قال : { فَنَبَذْتُهَا } أي : ألقيتها مع من ألقى ، { وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أي : حَسَّنَتْهُ وأعجبها إذ ذاك .


[19481]:في ف: "وكتب الله الأقلام في الألواح".
[19482]:في ف: "فرس حافر".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي} (96)

وقرأت فرقة «بصُرت » بضم الصاد على معنى صارت بصيرتي بصورة ما فهو كطرفت وشرفت ، وقرأت فرقة «بصِرت » بكسر الصاد ، فيحتمل أن يراد من البصيرة ويحتمل أن يراد من البصر وذلك أن في أمر السامري ما زاده على الناس بالبصر وهو وجه جبريل عليه السلام وفرسه وبالبصيرة وهو ما علمه من أن القبضة إذا نبذها مع الحلي جاءه من ذلك ما يريد ، وقرأ الجمهور «يبصروا » بالياء يريد بني إسرائيل ، وقرأ حمزة والكسائي «تبصروا » بالتاء من فوق يريد موسى مع بني إسرائيل ، وقرأ الجمهور «فقبضت قبضة » بالضاد منقوطة بمعنى أخذت بكفي مع الأصابع ، وقرأ ابن مسعود وابن الزبير وأبي بن كعب وغيرهم ، «فقبصت قبصة » بالصاد غير منقوطة بمعنى أخذت بأصابعي فقط ، وقرأ الحسن بخلاف عنه «قُبضة » بضم القاف{[8152]} . و { الرسول } جبريل عليه السلام ، و «الأثر » هو تراب تحت حافر فرسه ، وسبب معرفة السامري بجبريل وميزه له فيما روي أن السامري ولدته أمه عام الذبح فطرحته في مغارة فكان جبريل عليه السلام يغذوه ويحميه حتى كبر وشب فميزه بذلك .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف . وقوله { فنبذتها } أي على الحلي فكان منها ما تراه وهذا محذوف من اللفظ تقتضيه الحال والمخاطبة . ثم قال { وكذلك سولت لي نفسي } أي وكما حدث ووقع قويت لي نفسي وجعلته لي سولاً وإرباً حتى فعلته ، وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو وحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ونحو هذا ، وعلمه مع ذلك وجعل له أن يقول مدة حياته { لا مساس } أي لا مماسة ولا إذاية .


[8152]:أي: بضم القاف والصاد المهملة كما وضح أبو حيان في البحر المحيط، ونسبها أيضا إلى قتادة، ونصر بن عاصم، وقال أبو الفتح في المحتسب: "وأما (القبصة) بالضم فالقدر المقبوص، كالحسوة للمحسو، والحسوة فعلك أنت، والقبضة والقبصة جميعا على ذلك إنما هما حدثان موضوعان موضع الجثة، كالخلق في معنى المخلوق، وضرب الأمير في معنى المضروب".