المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

26- وأنزل الله الذين عاونوا الأحزاب من أهل الكتاب - وهم يهود بني قريظة - من قلاعهم التي يتحصنون بها ، وألقى في قلوبهم الرعب . فريقاً تقتلون - وهم الرجال - وتأسرون فريقا آخر وهو النساء والذراري .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

ثم ختم - سبحانه - الحديث عن غزوة الأحزاب ، ببيان ما حل ببنى قريظة من عذاب مهين ، بسبب نقضهم لعهودهم فقال : { وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكتاب مِن صَيَاصِيهِمْ } .

والصياصى : جمع صيصحة وهى كل ما يتحصن به من الحصون وغيرها . ومنه قيل لقرن الثور صيصة لأنه يدفع به عن نفسه .

أى : وبعد أن رحلت جيوش الأحزاب عنكم أيها المؤمنون - أنزل الله - تعالى - بقدرته الذين ظاهروهم وناصروهم عليكم ، وهم يهود بنى قريظة ، أنزلهم من حصونهم ، ومكنكم من رقابهم .

{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب } الشديد منكم ، بحيث صاروا مستسلمين لكم ، ونازلين على حكمكم .

{ فَرِيقاً } منهم { تَقْتُلُونَ } وهم الرجال . وتأسرون فريقا آخروهم الذرية والنساء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

{ وَأَنزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ }أي : عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } يعني : بني قريظة من اليهود ، من بعض أسباط بني إسرائيل ، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديما ، طَمَعًا في اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِه } [ البقرة : 89 ] ، فعليهم لعنة الله .

وقوله : { مِنْ صَيَاصِيهِم } يعني : حصونهم . كذا قال مجاهد ، وعِكْرِمة ، وعطاء ، وقتادة ، والسُّدِّي ، وغيرهم{[23321]} ومنه سميت صياصي البقر ، وهي قرونها ؛ لأنها أعلى شيء فيها .

{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } : وهو الخوف ؛ لأنهم كانوا مالؤوا المشركين على حرب رسول الله{[23322]} صلى الله عليه وسلم ، وليس مَنْ يعلم كمن لا يعلم ، فأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليَعزّوا{[23323]} في الدنيا ، فانعكس عليهم الحال ، وانقلب الفال{[23324]} ، انشمر{[23325]} المشركون ففازوا بصفقة المغبون ، فكما راموا العز ذلوا{[23326]} ، وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا ، وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة ، فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة ؛ ولهذا قال تعالى : { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا }{[23327]} ، فالذين قتلوا هم المقاتلة ، والأسراء هم الأصاغر والنساء .

قال{[23328]} الإمام أحمد : حدثنا هُشَيْم بن بشير ، أخبرنا عبد الملك بن عمير ، عن عطية القرظي قال : عُرضتُ على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا فيَّ ، فأمر بي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظروا : هل أنبت بعد ؟ فنظروا فلم يجدوني أنبت ، فخلى عني وألحقني بالسبي .

وكذا رواه أهل السنن كلهم من طرق ، عن عبد الملك بن عمير ، به{[23329]} . وقال الترمذي : " حسن صحيح " . ورواه النسائي أيضا ، من حديث ابن جُرَيْج ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن عطية ، بنحوه{[23330]} .


[23321]:- في ت: "كذا قال مجاهد وغير واحد من السلف" وفي أ: "كذا قال مجاهد وغيرهم من السلف".
[23322]:- في ف: "النبي".
[23323]:- في ت ، ف ، أ: "ليغزوهم".
[23324]:- في ت ، أ: "وانقلب عليهم الفال".
[23325]:- في أ: "اشمر".
[23326]:- في ت: "فلما راموا العز أذلوا".
[23327]:- في ت: "يقتلون ويأسرون".
[23328]:- في ت: "روى".
[23329]:- المسند (5/311) وسنن أبي داود برقم (4404) وسنن الترمذي برقم (1584) وسنن النسائي (8/92) وسنن ابن ماجه برقم (2542).
[23330]:- النسائي في السنن الكبرى برقم (8619).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

{ وأنزل الذين ظاهروهم } ظاهروا الأحزاب . { من أهل الكتاب } يعني قريظة . { من صياصيهم } من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبي وشوكة الديك . { وقذف في قلوبهم الرعب } الخوف وقرئ بالضم . { فريقا تقتلون وتأسرون فريقا } وقرئ بضم السين روي : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال : أتنزع لامتك والملائكة لم يضعوا السلاح أن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة ، فحاصرهم إحدى وعشرين أو خمسا وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم : تنزلون على حكمي فأبوا فقال : على حكم سعد بن معاذ فرضوا به ، فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم ، فكبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال : لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ، فقتل منهم ستمائة أو أكثر وأسر منهم سبعمائة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

وقوله تعالى : { وأنزل الذين ظاهروهم } يريد بني قريظة بإجماع من المفسرين ، قال الرماني وقال الحسن الذين أنزلوا { من صياصيهم } بنو النضير ، وقال الناس : هم بنو قريظة ، وذلك أنهم لما غدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهروا الأحزاب عليه أراد الله تعالى النقمة منهم ، فلما ذهب الأحزاب جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقت الظهر فقال : يا محمد إن الله تعالى يأمرك بالخروج إلى بني قريظة ، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وقال لهم : «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة » ، فخرج الناس إليها ووصلها قوم من الصحابة بعد العشاء وهم لم يصلوا العصر وقوفاً مع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يخطئهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وصلى قوم في الطريق ورأوا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج مخرج التأكيد فلم يخطئهم أيضاً ، وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة خمساً وعشرين ليلة ، ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسي ، وكان بينهم وبين الأوس حلف فرجوا حنوه عليهم ، فحكم فيهم سعد بأن تقتل المقاتلة ، وتسبى الذرية والعيال والأموال ، وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار ، فقالت له الأنصار ، فقالت له الأنصار في ذلك ، فقال : أردت أن تكون لهم أموال ، كما لكم أموال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة ){[9492]} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجالهم فأخرجوا أرسالاً{[9493]} وضرب أعناقهم وهم من الثمانمائة إلى التسعمائة ، وسيق فيهم حيي بن أخطب النضري وهو الذي كان أدخلهم في الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ذهب الأحزاب دخل عندهم وفاء لهم ، فأخذه الحصر حتى نزل فيمن نزل على حكم سعد ، فلما نزل وعليه حلتان فقاحيتان{[9494]} ، ويداه مجموعة إلى عنقه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : والله يا محمد أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولقد اجتهدت ، ولكن من يخذل الله يخذل ، ثم قال : أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله وقدره ملحمة كتبت على بني إسرائيل{[9495]} ثم تقدم فضربت عنقه ، وفيه يقول جبل بن حوال الثعلبي : [ الطويل ]

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه . . . ولكنه من يخذل الله يخذل

لأجهد حتى أبلغ النفس عذرها . . . وقلقل يبغي العز كل مقلقل{[9496]}

و { ظاهروهم } معناه عاونوهم ، وقرأ عبد الله بن مسعود «آزروهم » وهي بمعنى { ظاهروهم } و «الصياصي » : الحصون ، واحدها صيصة وهي كل ما يمتنع به ، ومنه يقال لقرون البقر الصياصي ، والصياصي أيضاً : شوك الحاكة{[9497]} ، وتتخذ من حديد ، ومنه قول دريد بن الصمة : [ الطويل ]

كوقع الصاصي في النسيخ الممدّد{[9498]} . . .

والفريق المقتول : الرجال المقاتلة ، والفريق المأسور : العيال والذرية ، وقرأ الجمهور «وتأسِرون » بكسر السين ، وقرأ أبو حيوة «تأسُرون » بضم السين .


[9492]:أي: من فوق سبع سموات، الأرقعة: جمع رقيع، والرقيع: السماء؛ سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم.
[9493]:أي: جماعات.
[9494]:الحلة الفقاحية هي التي لونها بلون الورد حين يبدأ في التفتح.
[9495]:الملحمة: الحرب الشديدة.
[9496]:كان جبل بن جوال هذا من بني ثعلبة بن سعد، وكان يهوديا، ثم أنعم الله عليه بنعمة الإسلام، وكانت له صحبة، ومعنى قلقل: تحرك.(راجع سيرة ابن هشام والاستيعاب).
[9497]:يريد شوكة يستخدمها النساجون.
[9498]:هذا عجر بيت نم قصيدة طويلة قالها دريد يرثي أخاه عبد الله، وفي مطلعها يقول: أرث جديد الحبل من أم معبد بعاقبة وأخلفت كل موعد والبيت بتمامه: نظرت إليه والرماح تنوشه كوقع الصياصي في النسيج الممدد وتنوشه: تتناوله، والصياصي جمع صيصية أو صيصة: شوكة الحائك التي يسوي بها السداة واللحمة، والبيت في الأغاني، وفي اللسان، والرواية فيه:(فجئت إليه).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

كان يهود قريظة قد أعانوا الأحزاب وحاصروا المدينة معهم وكان حُيَيّ بنُ أخطب من بني النضير منضماً إليهم وهو الذي حرّض أبا سفيان على غزو المدينة . فلما صرف الله الأحزاب أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يغزو قريظة وهم فريق من اليهود يعرفون ببني قريظة وكانت منازلهم وحُصونهم بالجَنوب الشرقي من المدينة تعرف قريتهم باسمهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاد إلى المدينة من الخندق ظُهراً وكان بصدد أن يغتسل ويَستقر فلما جاءه الوحي بأن يغزو قريظة نادى في الناس أنْ لا يصليَنَّ أحدُكم العصر إلا في بني قريظة . وخرج الجيش الذي كان بالخندق معه فنزلوا على قرية قريظة واستعصم أهل القرية بحصونهم فحاصرهم المسلمون نحواً من عشرين ليلة ، فلما جهدهم الحصار وخامرهم الرعب من أن يفتح المسلمون بلادهم فيستأصلوهم طمِعوا أن يطلبوا أن يسلموا بلادهم على أن يحكّم حكَم في صفة ذلك التسليم . ويقال لهذا النوع من المصالحة : النزول على حُكم حَكَم ، فأرسلوا شَاس بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضون أن ينزلوا على مثل ما نزلت عليه بنو النضير من الجَلاء على أن لهم ما حَملَتْ الإبلُ إلا الحَلَقة ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبول ذلك وبعد مداولات نزلوا على حكم سَعْد بن معاذ ، فحكم سعد أن تقتل المقَاتِلة وتُسبَى النساء والذَّراري وأن تكون ديارهم للمهاجرين دون الأنصار فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكم به سعد كما هو مفصل في السيرة .

ومعنى { ظاهروهم } ناصروهم وأعانوهم ، وتقدم في قوله تعالى : { ولم يظاهروا عليكم أحداً } في سورة براءة ( 4 ) .

والإنزال : الإهباط ، أي : من الحصون أو من المعتصمات كالجبال .

والصياصي : الحصون ، وأصلها أنها جمع صِيصَيَة وهي القَرْن للثَّوْر ونحوه . قال عبد بني الحسحاس :

فأصبحت الثيرانُ غرقَى وأصبحت *** نساءُ تميم يلتقطن الصَّيَاصيا

أي : القرون لبيعها . كانوا يستعملون القرون في مناسِج الصوف ويتخذون أيضاً منها أوعية للكحل ونحوه ، فلما كان القرن يدافع به الثوْر عن نفسه سمي المَعقل الذي يعتصم به الجيش صيصية والحصونُ صياصيَ .

والقذف : الإلقاء السريع ، أي : جعل الله في قلوبهم الرعب بأمره التكويني فاستسلموا ونزلوا على حكم المسلمين . والفريق الذين قُتلوا هم الرجال وكانوا زهاء سبعمائة والفريق الذين أُسروا هم النساء والصبيان .

والخطاب من قوله { فريقاً تقتلون } إلى آخره . . . للمؤمنين تكملة للنعمة التي أنبأ عنها قوله : { يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نِعمة الله عليكم إذْ جاءَتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً } [ الأحزاب : 9 ] الآية ، أي : فأهلكنا الجنود وردهم الله بغيظهن وسلطكم على أحلافهم وأنصارهم . وتقديم المفعول في { فريقاً تقتلون } للاهتمام بذكره لأن ذلك الفريق هم رجال القبيلة الذين بقتلهم يتم الاستيلاء على الأرض والأموال والأسرى ، ولذلك لم يقدم مفعول { تأسرون } إذ لا داعي إلى تقديمه فهو على أصله .