إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

{ وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم } أي عاونُوا الأحزابَ المردودةَ { مّنْ أَهْلِ الكتاب } وهُم بنُو قريظةَ { مِن صَيَاصِيهِمْ } من حصُونِهم ، جمعُ صِيصِيَة وهي ما يُتحصَّن به ، ولذلكَ يقالُ لقرنِ الثَّورِ والظَّبيِ وشوكةِ الدِّيكِ { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب } الخوفَ الشَّديدَ بحيثُ أسلمُوا أنفسَهم للقتلِ وأهليهم وأولادَهم للأسرِ حسبَما ينطقُ به قولُه تعالى : { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } من غيرِ أنْ يكونَه من جهتِهم حَراكٌ فضلاً عن المُخالفةِ والاستعصاءِ . رُوي أنَّ جبريلَ عليه السَّلامُ أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صبيحةَ اللَّيلةِ التي انهزمَ فيها الأحزابُ ورجعَ المُسلمون إلى المدينةِ ووضعُوا السِّلاحَ فقال : أتنزعْ لأمَتك والملائكةُ ما وضعُوا السِّلاحَ ، إنَّ الله يأمُرك أن تسيرَ إلى بني قُريظةَ وأنا عامدٌ إليهم . فأذَّن في النَّاسِ أنْ لا يصلُّوا العصرَ إلا ببني قُريظةَ فحاصرُوهم إحدى وعشرينَ أو خَمساً وعشرين ليلةً حتَّى جهدَهم الحصارُ فقال لهم : " تنزلُون على حُكمي " فأبَوا فقالَ : «عَلى حُكم سعدِ بن معاذٍ » فرضُوا به فحكم سعدٌ بقتلِ مقاتلِيهم وسبيِ ذرارِيهم ونسائِهم ، فكبَّر النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وقالَ : «لقد حكمتَ بحُكم الله من فوقِ سبعةِ أرقعةٍ{[663]} » . فقُتلَ منهم ستمائةُ مقاتلٍ وقيل : من ثمانمائةُ إلى تسعمائةُ وأُسر سبعمائةٌ . وقرئ تأسُرونَ بضمِّ السِّينِ ، كما قرئ الرُّعبُ بضمِّ العينِ ، ولعلَّ تأخيرَ المفعولِ في الجُملةِ الثَّانيةِ مع أنَّ مساقَ الكلامِ لتفصيلِه وتقسيمِه كما في قولِه تعالى : { فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } [ سورة البقرة ، الآية87 ] وقوله تعالى : { فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } [ سورة المائدة ، الآية70 ] لمراعاةِ الفواصلِ .


[663]:أخرجه البخاري في كتاب الجهاد باب (168) وكتاب المغازي باب (30) وكتاب مناقب الأنصار باب (12) وكتاب الاستئذان باب (26) كما أخرجه مسلم في كتاب الجهاد حديث رقم (65) وأحمد في (3/22)، (6/142) جمعها دون ذكر "من فوق سبعة أرقعة".