الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

ثم قال تعالى : { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم } يعني بني النضير وبني قريظة عاونوا المشركين على النبي وأصحابه فأنزلهم الله من حصونهم { وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون } يعني المقاتلة .

{ وتاسرون فريقا } يعني النساء والصبيان كما حكم فيهم سعد ، لأنهم حكموه أنفسهم لحلف كان بينهم وبين قوم سعد فطمعوا أن يميل معهم ، فلم تأخذه في الله لومة لائم ، وحكم بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم وقد مضى ذكر ذلك .

وأصل الصيصة ما تمتنع به ، فلذلك قيل للحصن صيصية لأنه يمتنع به ، ولذلك يقال لقرون البقر صياصي لأنها يمتنع بها{[55419]} .

وذكر قتادة وغيره : " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذهاب الأحزاب عنه دخل بيت زينب بنت جحش{[55420]} يغسل رأسه ، فبينما هو يغسله إذ أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فقال عفا الله عنك ، ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة ، فانهض إلى بني قريظة فإني قد قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال{[55421]} فاستلأم{[55422]} صلى الله عليه وسلم ، ثم سلك شق بني غنم{[55423]} ، فاتبعه الناس ، فأتاهم رسول الله فحاصرهم ، وناداهم يا إخوة القرود ، فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت فاحشا ، فنزلوا على حكم سعد فحكم بقتل مقاتلهم وكانوا ست مائة وسبي ذراريهم وقسم عقارهم بين المهاجرين دون الأنصار ، فقال : قومه : أأثرت المهاجرين بالعقار علينا ، قال : فإنكم كنتم ذوي عقار وأن المهاجرين لا عقار لهم " {[55424]} .


[55419]:انظر: المفردات للراغب 291، ومادة "صيص" في اللسان 7/52، والقاموس المحيط 2/307، والتاج 4/405
[55420]:هي زينب بنت جحش الأسدية، من أسد خزيمة أم المؤمنين، وإحدى شهيرات النساء في صدر الإسلام. كانت زوجة زيد بن حارثة فطلقها زيد فتزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم. توفيت سنة 20 هـ انظر: طبقات ابن سعد 8/101، وحلية الأولياء 2/51،136 والإصابة 4/313، 470 وتقريب التهذيب 2/600، 1
[55421]:البلبال: شدة الهم والوسواس في الصدور، وحديث النفس انظر: اللسان مادة "بلل" 11/69
[55422]:استلأم: أي لبس اللأمة (الدرع) انظر: الصحاح مادة "لأم" 5/2026
[55423]:بنو غنم: بطن من بني سلمة من الخزرج من القحطانية، وهم بنو غنم بن سلمة. انظر: نهاية الأرب 389، ومعجم قبائل العرب 3/894.
[55424]:أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف عن ابن المسيب 5/370، 9737، وأورده الطبري في جامع البيان 21/150، والسيوطي في الدر المنثور 6/591